الحاجة حليمة تستحضر ذكريات رمضان في فلسطين قبل النكبة
الحاجة حليمة البزم تستحضر من ذاكرتها صوراً جميلة لشهر رمضان المبارك في بلدتها الفلسطينية الصغيرة "المجدل"، قبل النكبة عام 1948.
لم يكن من الصعب على الحاجة حليمة البزم أن تستحضر ما تحمله ذاكرتها من صور جميلة لحلول شهر رمضان المبارك في بلدتها "المجدل" قبل النكبة الفلسطينية عام 1948.
وتقول الفلسطينية، التي قاربت على الثمانين من عمرها لـ"العين الاخبارية": "شهر رمضان أيام البلاد كان من أجمل شهور السنة، شهر خير وبركة ومحبة، كنا نأكل كلنا من الصحن نفسه، تتجمع كل العيلة بمحبة، وكان صحن الطبيخ يصل لكل الجيران، ما كنا كتار بس كانت بركتنا كتيرة".
وتتذكر الحاجة حليمة طبق "الجريشة" الذي كان مفضلا لديها وتنتظره كل عام، كانت تصنعه العائلات الميسورة في شهر البركة، وتقوم بإطعام الأقارب والفقراء.. أطباق وروح محبة تفتقدها الحاجة حليمة اليوم في زمن الوجبات السريعة والعلاقات الاجتماعية الباردة، حسب وصفها.
هجرة على أمل العودة
"كنا في مثل هذا الشهر وتحديدا في يوم 15- 5 عندما نادى المخاتير في بلدتنا المجدل لسكانها بضرورة الرحيل نحو غزة على وعد بالعودة خلال أيام، وحينها خرجنا حفاة عراة.. لا نحمل معنا لا زادا ولا زوادا، خوفا من بطش العصابات الإسرائيلية".
الحاجة حليمة التي كانت في العاشرة من عمرها، تتذكر جيداً أن النكبة بدأت قبل شهور من هجرتهم نحو غزة.. تروي ودموعها وخطوط وجهها شاهدة على ما مرت به مع آلاف الفلسطينيين المهجرين من أراضيهم عام 48.
وتقول لـ"العين الإخبارية" إن سكان بلدات المسمية وحمامة هجروا أراضيهم وتوجهوا نحو المجدل وأمضوا وسط سكانها ما يقارب 6 أشهر قبل أن يشاركهم سكان المجدل الهجرة نحو أراضي قطاع غزة.
جوع وعطش ونكبة
وإن كانت الحاجة حليمة لا تعرف من أطلق على هجرتها وأهلها وسكان فلسطين التاريخية مصطلح "النكبة"، إلا أنها تؤكد أنه كان يوما أسود، لم تدخل الفرحة قلبها بعده، ولا تنسى الحاجة حليمة التي انتقلت مع أسرتها إلى بلدة بيت لاهيا القريبة من المجدل، مشهد الهجرة الذي حفر في ذاكرتها وجسدها على حد سواء، تقول: "حملنا أبي على حمار وكنا 5 أطفال وأمي وأبي، لم يكن معنا طعام ولا شراب، وحينما مررنا ببئر نزلت لكي أملأ وعاء كان معنا بالماء وقع وانكسر على قدمي تاركاً جرحاً غائراً لم تمحه سبعون سنة لاحقة".
"سرنا مع جموع المهاجرين بلا هوادة على أمل الوصول لنقطة آمنة بعد أن نفذت إسرائيل مجازر ومذابح سمعنا عنها من سكان القرى الذين هجروا إلى بلدتنا وأخبرونا عن هول ما رأوا، كنا نلتصق بالأشجار مع سماعنا لأصوات الطائرات في السماء خوفا من صواريخها التي لا ترحم طفلا أو كهلا".
ذكريات وشجون
كراهية مطلقة تحملها الحاجة حليمة في قلبها تجاه شهر مايو/ أيار الذي شهد نكبة الشعب الفلسطيني وفقدانه بلاده وأراضيه وتحوله من مالك للأرض إلى لاجئ فقير مطرود ينتظر كوبونه ومساعدة أول كل شهر.
وتقول: "بعد أن وصلنا إلى بيت لاهيا، مكثنا بها قليلا، وتنقلنا بعدها من جباليا إلى غزة، ليستقر بنا الحال في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، حيث أعيش اليوم مع أسرتي". وتذكر الحاجة حليمة جيدا أن سكان قطاع غزة قدموا للاجئين الطعام والشراب واقتسموا معهم اللقمة.
سنوات فقر وضياع
الحاجة حليمة التي كتب عليها وعلى آلاف اللاجئين من أمثالها التيه والضياع، تذكر أن كل ما حدث بعد الهجرة كان يهدف إلى محو ذاكرتهم وطمس الحقيقة الدامغة بأن فلسطين أرض للفلسطينيين، وتثبت واقعا جديدا، وتتذكر كيف بدأ العمل على توطينهم في المدن التي هجروا إليها، حيث تقول: "بدأت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين تحصي المهاجرين وتمنحهم كرت مؤن وتوفر الطعام والشراب والمسكن، أرادوا أن ينسونا ديارنا وأرضنا ببدائل وفروها لنا ولكن هل ينسى الإنسان جذوره؟!".
وتؤكد الحاجة حليمة التي عملت عبر سنوات عمرها الثمانين في كل شيء، بدءاً من العمل مع زوجها في صناعة النسيج التي كانت تشتهر بها المجدل، وتضيف أن المرأة الفلسطينية كانت دوما تقف إلى جانب الرجل، ولها دور كبير، سواء في المنزل أو بمساعدته في العمل، وتقول: "كنا نمتلك (نول) وكان زوجي يعمل على صناعة البسط والمراييل والسجاد وكنت أساعده في العمل".
وأكثر ما يزعج الحاجة حليمة في رحلة ذاكرتها السنوات التي عملت فيها داخل الأراضي المحتلة، تقطف خيرات بلادها وأراضيها التي هجرت منها، فتقول لـ"العين الإخبارية": عملت لأربع سنوات متتالية في قطف الزيتون من بلادنا المحتلة عام 48 التي هجرنا منها بفعل القوة والقتل والإرهاب، لم نكن نملك بديلا، كاد الفقر يودي بنا وبأطفالنا، فاضطررنا للعمل، كنت أصحو في الفجر لألتحق بنساء مثلي ونتوجه نحو الداخل المحتل، لنعود بعد انتهاء موسم قطاف الزيتون بجالونات الزيت التي نبيعها ونعتاش منها.
وتذكر الحاجة حليمة أن السبب في ذلك أن إسرائيل كانت ترفض تشغيل الرجال، وكانت تعتمد على النساء في الزراعة وقطف المحاصيل.. وتواصل: "كنت أصبو بعيني في طريق الذهاب والعودة نحو بلدتي المجدل، وأتمنى لو تنقلني الحافلة إلى هناك، لأعود إلى ديار اشتقت لأهلها، ولا زال حلم العودة إليها يعيش فينا" .
حلم العودة
بلا انقطاع تتحدث الحاجة حليمة التي تحلم بيوم تقبل فيه ثرى بلدتها "المجدل": "أتمنى أن يمد الله في عمري لأعود لبلدتي، وأشتم رائحة ترابها، وأمشي في شوارعها وأدخل بيتنا الذي طردنا منه". وتصف الحاجة حليمة شوارع بلدتها كأنما غادرتها بالأمس القريب: "منزلنا بجانب المسجد، وكانت على رأس الشارع شجرة جميز ضخمة وضريح لأحد الأولياء، ومنزلنا كان حديث الإنشاء عندما تركناه، كنا نعيش في بيت طين قبل أن يقوم والدي ببناء منزل جديد من الطوب الأسمنتي، أظنه لا زال قائما حتى اليوم، فاليهود لم يغيروا في معالم بلدتنا شيئا، هكذا أخبروني" تقول الحاجة حليمة.
وتتابع الحاجة حليمة عبر شاشة التلفاز الأحداث على الحدود الشرقية باهتمام بالغ، وإن كانت غير متيقنة بأن هذه التظاهرات يمكن أن تعيد البلاد، إلا أنها تعود وتردد "ربما.. من يدري!".
aXA6IDMuMTQ0LjkzLjM0IA== جزيرة ام اند امز