فلسطين.. حراك على 3 مستويات في مئوية وعد بلفور
قرر الفلسطينيون التحرك على 3 مستويات هي الشعبي والإلكتروني والتوعوي للتعبير عن غضبهم من هذا الوعد
بمرور 100 عام على وعد بفلور الذي يصفونه بـ"المشؤوم" ما زال الفلسطينيون يعانون الآثار التي ترتبت على هذا الوعد من شتات ومعاناة وفقدان للأرض والحرية.
ولم يفتأ الفلسطينيون يطالبون الحكومة البريطانية، منذ عقود، بالاعتذار عن هذا الوعد وتصحيح الظلم التاريخي الذي لحق بهم نتيجته ولكن دون جدوى.
وما زاد من غضب الفلسطينيين هذا العام هو إصرار الحكومة البريطانية على الاحتفال بمرور 100 عام على هذا الوعد وبمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
"وعد من لا يملك لمن لا يستحق" هو التعبير الذي أطلقه الفلسطينيون على وعد بلفور المتمثل في الرسالة التي وقّعها وزير الخارجية البريطاني الأسبق أرثر جيمس بلفور في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، وأرسلت إلى اللورد ليونيلو التر دي روتشيلد، زعيم الجالية اليهودية البريطانية، معلناً فيها دعم الحكومة لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين على حساب السكان الأصليين في تلك الأرض.
الأرض التي قال عنها البريطانيون آنذاك أنها أرض بلا شعب رغم أن الفلسطينيين كانوا يشكلون ما يزيد من 94% من عدد السكان الذين بلغ عددهم آنذاك حوالي 700 ألف نسمة كانوا يعيشون في أرض فلسطين التاريخية البالغة مساحتها حوالي 28 ألف كيلومتر مربع.
فبريطانيا وصفت الفلسطينيين في وعد بلفور بأنهم "طوائف وتجمعات غير يهودية" في حين اعتبرت فلسطين "الوطن القومي لليهود".
لم تكتف بريطانيا بإصدار الوعد بل سارعت إلى تنفيذه على أرض الواقع إذ تم الإعلان عن الانتداب البريطاني على فلسطين في العام 1920 إثر الحرب العالمية الأولى، وسعت إلى تمكين اليهود في فلسطين من خلال تشجيع الهجرة اليهودية وتزويدهم بالسلاح والعتاد.
وما كاد الانتداب البريطاني لفلسطين ينتهي حتى كان اليهود على جاهزية تامة لإعلان دولة إسرائيل عام 1948 وما سبقها وتخللها وتلاها من مجازر أدت إلى قتل أعداد كبيرة من الفلسطينيين وطرد عدد أكبر منهم ما زالوا وأبناؤهم وأحفادهم يعيشون في الشتات.
وتقول دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية "لقد تم تنفيذ الوعد على الأرض من خلال الانتقاص الفعلي لحقوق المدنيين من السكان الأصليين لصالح إحلال أشخاص آخرين منذ ذاك التاريخ حتى يومنا هذا، وساهم بشكل مبكر جداً في نفي شعبنا من جهة وفي تشكيل أركان دولة الاحتلال وتهيئة النجاحات لحروبها على شعبنا من جهة أخرى، بدءاً بالوعد المشؤوم مروراً بالنكبة عام 1948 التي شردت قسراً ما يقارب 800 ألف نسمة من وطنهم التاريخي".
وأضافت "إن البرنامج السياسي لحكومة الاحتلال الإسرائيلية يستند إلى وعد بلفور وينفذه بحذافيره، وهو: إنكار الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وحرمانه من حقه في تقرير المصير على أرضه، ومحاولة إلغاء وجوده وتشريده من أجل إحلال المستوطنين من خلال تكثيف وتوسيع منظومة الاستيطان الاستعمارية وبنيتها التحتية المرتبطة بها، بما فيها ضم ونهب الأرض والموارد، والتهجير القسري والهدم، وعزل المناطق بعضها عن بعض وعزل السكان".
وبدورها قالت وزارة الإعلام الفلسطينية إنها " تعتبر وعد بلفور الأسود في مئويته الأولى، أكبر جريمة في التاريخ البشري، وخطيئة سياسية وقانونية وأخلاقية لا زال شعبنا يدفع ثمنها الباهظ من دمه ولحمه الحي".
وأضافت أنها" ترى في الوعد وكل إفرازاته مخالفة قانونية لا تسقط بالتقادم، يجب أن يساق كل من يروّج لها لمحكمة الجنايات الدولية، إذ لا يمكن لدولة أن تؤسس دولة أخرى على أرض لا تملكها، ولا يحق لها التصرف بها تحت أي ذريعة".
ومن جهته فقد طالب سليم الزعنون، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، " بفتح ملف الجرائم الدولية التي ارتكبت بحق شعبنا منذ الانتداب البريطاني مرورا بالمجازر عام 1948 وما بعدها، فبريطانيا تتحمل كافة النتائج المأساوية والإجرامية التي ترتبت عن النكبة الفلسطينية، وذلك أمام رفض الحكومة البريطانية تقديم الاعتذار، وإصرارها على إجراء احتفالات تمجد الذكرى المئوية لإصدار وعد بلفور".
الفلسطينيون تضاعفوا 9 مرات وقسم كبير منهم في الشتات
ومنذ نكبة عام 1948 تضاعفت أعداد الفلسطينيين 9 مرات ليصل عددهم العام الحالي إلى 12 مليونا و700 ألف نسمة بحسب إحصائيات المركز الفلسطيني للإحصاء.
ففي العام 1948 تم تشريد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، فضلاً عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم رغم بقائهم داخل نطاق الأراضي التي أخضعت لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1,300 قرية ومدينة فلسطينية.
وتشير البيانات الموثقة إلى أن الإسرائيليين قد سيطروا خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة، حيث قاموا بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية، كما اقترفت القوات الإسرائيلية أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين وأدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة.
واستنادا إلى هذه المعطيات فإن 6 ملايين و410 آلاف نسمة يعيشون في فلسطين التاريخية ما بين البحر والنهر، بينهم 4 ملايين و88 ألف نسمة يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة والباقي داخل الخط الأخضر.
ولا يقتصر اللاجئون الفلسطينيون على الشتات حيث إن نسبة اللاجئين الفلسطينيين في فلسطين تشكل ما نسبته 42% من مجمل السكان.
المفتاح
ويحتفظ الكثير من الفلسطينيين بمفاتيح منازلهم التي خرجوا منها كرها، تحت وطأة المجازر التي نفذتها العصابات الإسرائيلية في القرى الفلسطينية مثل دير ياسين، وذلك في إشارة إلى تمسكهم بحق العودة.
وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة تتحمل مسؤولية سياسية وقانونية وأخلاقية تاريخية خاصة تجاه فلسطين وشعبها، فقد تجنبت كل الحكومات المتعاقبة في المملكة المتحدة تحمل مسؤولياتها، ولم تتخذ أية خطوة تجاه الأضرار التي لحقت بالشعب الفلسطيني بما في ذلك الاعتذار.
وإزاء إصرار بريطانيا على الاحتفال بمئوية هذا الوعد ورفض المطالبات الفلسطينية المتكررة بالاعتذار والقيام كخطوة أولى بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 أسوة بالعديد من الدول الغربية بما في ذلك تلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فقد قرر الفلسطينيون التحرك على 3 مستويات هي الشعبي والإلكتروني والتوعوي.
فشعبيا يبدأ الفلسطينيون، يوم غد الخميس، سلسلة فعاليات في مختلف المدن الفلسطينية بدءا من مدينة القدس الشرقية المحتلة حيث يتم تنظيم وقفة احتجاجية قبالة القنصلية البريطانية العامة في المدينة مرورا بوقفات احتجاجية في مدن رام الله ونابلس والخليل وغزة.
ويرتقب تنظيم مظاهرة في العاصمة البريطانية لندن يوم الرابع من الشهر الجاري للاحتجاج على الاحتفال بمئوية بلفور ورفض الاعتذار للشعب الفلسطيني والاعتراف بدولة فلسطين.
كما ينظم ماراثون بمشاركة 1200 طالب بتنظيم من وزارة التربية والتعليم والمجلس الأعلى للشباب والرياضة يوم الخميس في دوار الشهيد ياسر عرفات في مدينة رام الله في الضفة الغربية.
أما إلكترونيا فيطلق الفلسطينيون مساء اليوم الأربعاء على جميع وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاج #MakeItRight.
وقالت منظمة التحرير الفلسطينية "تستهدف الحملة حسابات التواصل الاجتماعي لكل من رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، ووزير الخارجية بوريس جونسون، ووزارة الخارجية والكومنولث".
وتوعويا نشط فلسطينيون خلال الأسابيع الأخيرة في إعداد أفلام قصيرة تشرح المأساة التي حلت بالفلسطينيين بسبب وعد بلفور، وذلك بالتزامن مع حملة دعائية على سيارات أجرة في بريطانيا تشرح بصور صغيرة ما حل بالفلسطينيين نتيجة هذا الوعد.