"بيتكم عامر".. حملة فلسطينية للحفاظ على آثار غزة القديمة
بهمة ونشاط يعمل خبراء وناشطون شباب، لترميم بيوت ومباني غزة الأثرية، في مهمة مقدسة للحفاظ على إرث حضاري يمتد عبر التاريخ.
ففي غزة القديمة، تتعانق المباني الأثرية القديمة مع مآذن المساجد وقباب الكنائس، وعمارات حديثة، لتضفي مشهدًا استثنائيا على قلب مدينة تنبض بالحياة والأمل رغم الحصار والمعاناة.
بيتكم عامر
وانطلقت مبادرات عديدة للحفاظ على هذه البيوت الشامخة في غزة، والتي تروي جدرانها العتيقة حكايات من التاريخ والمجد. إحدى هذه المبادرات انطلقت تحت عنوان "بيتكم عامر"، تهدف لبث الحياة في الأماكن الأثرية، من خلال إزالة القمامة والأوساخ والأعشاب من أروقته، وتركز على التوعية لإحداث أثر على تبني الهوية الثقافية وتقوية الروابط المجتمعية.
وينفذ الشبان والشابات حملات تطوعية لتنظيف المباني الأثرية وإعادة الوهج والتألق لها، ونشطوا مؤخرا في الاهتمام بصيانة وترميم المدرسة الكمالية القديمة التي تعود للفترة المملوكية.
تعزيز الوعي
وأكد الفنان التشكيلي عبدالله الرزي، مشرف المبادرة، أن حملتهم تهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي تجاه الأماكن الأثرية في البلدة القديمة، بالإضافة إلى المشاركة الفاعلة وتعزيز الحوار المجتمعي بين المواطن والمسؤول.
وأشار في حديثه لـ"العين الإخبارية" إلى أن الحملة استكمال لحملة تنظيف وتأهيل المدرسة الكمالية، بالتعاون مع فريق تأهيل مختص وبتمويل مشترك من مؤسسة القطان والمؤسسة السويسرية للتنمية، وبالتنسيق مع وزارة السياحة والآثار وبلدية غزة.
وذكر أن اختيار مدرسة الكمالية يرمي إلى لفت الأنظار تجاه المناطق الأثرية في مدينة غزة، كجزء من انطلاق فكرة المبادرة في إطار مجتمعي.
واستخدمت مدرسة الكمالية منذ 1930 وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، كمدرسة للبنات ثم تركت فزحف إليها الإهمال حتى أصبحت مكبا للنفايات، ومؤخرا نفذت حملة لتنظيفها وعمل ترميم جزئي لها.
ووفق إحصائية لوزارة السياحة والآثار، فإن عدد المباني الأثرية في البلدة القديمة بالمدينة بلغ 117 وتضم عددا من البيوت والمساجد والكنائس والقصور والمقابر والمدارس.
عوامل التلف
ويشير خبير الآثار، الدكتور أيمن حسونة، أستاذ الآثار في جامعات غزة إلى أن هناك هدما مستمرا للبيوت الأثرية في غزة القديمة التي يعود بناؤها لحوالي 150 سنة، وهي ملك عائلات شهيرة سكنت غزة القديمة والآن معظم مالكي هذه البيوت من الورثة في الخارج.
وأضاف لـ"العين الإخبارية" أن تقنية بناء البيوت القديمة تتميز بالمتانة لذلك تستمر لعدة قرون، لكن هذه التقنية لا تكفي وحدها للحفاظ على المباني دون حماية من عوامل أخرى تساهم في تلفها.
وأشار إلى أن الرطوبة هي أكثر ما يعرض مباني غزة للتلف، إلى جانب عامل مهم، وهو الإنسان نفسه الواعي بقيمة وأهمية تلك المباني للحفاظ عليها من يد الإنسان.
وأكد أهمية الحملات الشعبية والرسمية للحفاظ على المباني الأثرية، لافتا إلى وجود جهود شعبية عدة للحفاظ على المباني، من بينها مبادرات شبابية لإزالة الركام عنها وإعادتها إلى وهجها وحضورها في حياة الفلسطينيين.
وقال: "بكل تأكيد عملية ترميم المباني تحتاج لمبالغ مالية طائلة لا قبل للمبادرات الشعبية بها، وهذا الترميم يحتاج جهود دولة للحفاظ عليه من الاندثار، لكن هذه المبادرات مقدرة لتصديها لمحاولات تدمير تلك المباني الأثرية".
جهود الترميم
الدكتور أحمد الأسطل، مدير مركز إيوان، الذي لعب دورًا كبيرًا في عمليات الترميم الأثرية، أكد أهمية الحفاظ على هذه المباني الأثرية التاريخية، مشيرًا إلى أنها عرضة للإهمال لسببين أساسيين هما: عدم الوعي بأهمية هذا الموروث الثقافي والقيمة المعمارية للبيوت، والثاني القدرة المالية لتعويض أصحاب البيوت كبيرة جدا لا تتوفر للجهات المسؤولة.
وقال الأسطل لـ"العين الإخبارية": إن مركز إيوان يبحث عن دعم وتمويل من جهات أجنبية عدة بعد تقديم دراسات مستفيضة حول تلك المباني.
وأشار إلى أنهم يعملون حاليا على ترميم بيت الغصين الأثري، ومدرسة الكمالية التي تعود للقرن الـ13 ميلادي.
وأوضح أنهم يرممون المدرسة لقيمتها التاريخية والثقافية، بالشراكة مع مبادرة "بيتكم العامر" التي ستنفذ فعاليات تراثية وثقافية وفنية على مدار 10 أشهر للتوعية بأهمية الحفاظ على تراثنا وإبراز أهميته.
وأكد أن عملية الترميم مكلفة من النواحي المالية، فمثلا ترميم المدرسة بالكامل التي تصل مساحتها لحوالي 600 متر مربع تحتاج مئات آلاف الدولارات.
وذكر أن ترميم مبنى الغصين كلف حوالي 100 ألف دولار، مبينا أن "الترميم الأثري ليس سهلا لأنك تتعامل معه كأنك طبيب جراح يحتاج إلى دقة عالية حتى تنجح المهمة".
وأشار إلى أنهم رمموا 7 بيوت بالكامل وعشرات البيوت رممت جزئيا بهدف الحفاظ على هذا الموروث المهم الذي يؤكد هويتنا وحضارتنا.
وقال: "هذه البيوت ملكيتها خاصة ونحن نتفق مع أصحابها على الترميم مقابل استخدامها من مؤسسات ثقافية تهتم بقضايا الحفاظ على الآثار.
وشدد على ضرورة الحفاظ على البلدة القديمة لأنها ذخيرتنا وهويتنا، مشيرا إلى أن هناك عدد من التجار يشترون البيوت من أصحابها ويهدمونها ليلا بعيدا عن البلدية التي تمنع هدم تلك البيوت.
ونبه بأن المساجد والكنائس في البلدة القديمة تعود للعهد المملوكي، ولها قيمة أثرية ودينية، لذلك لا بد أن نعتز بها ونعمل على المحافظة عليها".
aXA6IDE4LjExNy4yMzIuMjE1IA== جزيرة ام اند امز