مهنة "المختارة".. ضرورة نسائية لحل النزاعات في غزة
استطاعت المراة الفلسطينية أن تحقق ذاتها في العديد من المجالات لتصبح اليوم "مختارة" يلجأ اليها العديد لحل قضاياهم
لم تجد المرأة الفلسطينية نفسها خارج الفعل في أي من مراحل القضية الفلسطينية، ولكن فعلها يتطور برفع درجة الوعي لديها، إذ أصبحت في شتى ميادين الحياة العامة، حتى وصلت ميدان حل النزاعات والإصلاح المجتمعي، فاختارت أن تكون "مختارة" تنافس الرجل، في أكثر الميادين حساسية وشفافية، في مجتمع محافظ وطابعه ذكوري بامتياز.
وتسلط "العين الإخبارية" الضوء على هذه القضية، لمعرفة مدى تقبل المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، لمهنة "المختارة" وأن يكون لها حكم في قضايا النزاعات الكثيرة، وأن تصبح جهة معتمدة لدى السلطة التنفيذية، وتطلب تدخلها في قضايا هامة تكون المرأة فيها طرفاً في نزاع أو مشكلة أو جريمة وقعت.
المختارة من عوامل حل النزاعات
تقول المختارة أم ماجد حسونة لـ "العين الإخبارية": "إن الأسباب التي دفعتني للدخول إلى ميدان الإصلاح الاجتماعي وأن أكون مختارة، الاعتداءات الثلاثة على غزة، التي تسببت بزيادة نسبة الأرامل، والأيتام في المجتمع، وتشتت الأسر، والعائلات ومشاكل الرواتب والتركة، وملكية الشقق السكنية، و زواج زوجة الشهيد من أخيه يعني سلفها، وكل مشاكل المرأة من زواج، وطلاق، ونفقة، وحضانة، واستضافة أولاد وسكن وذمم ماليه".
وتكشف المختارة أم ماجد، عن الدافع الأكبر لأن تكون مختارة فتقول:" الذي جعلني أدخل معترك النزاعات المجتمعية، هو نظرة المجتمع للمرأة في قطاع غزة، وحرمانها من كثير من حقوقها، وسلبها حتى إبداء الرأي في اختيارها لشريك العمر، والتعدي على أموالها وأكلها بالباطل، فكان زمان لسان حال المرأة هو والدها أو أخاها، وممنوع تتكلم وممنوع تعبر عما بداخلها لأي شخص أياً كان طبعا، ولكن وجودنا كمختارات بجانبها اليوم أعطاها القدرة على أن تبوح ما بداخلها من أي مشكله ولو كانت حساسة، و أصبحت تثق بنا"
"المختارة" وانقسام المجتمع
وبخصوص تقبل المجتمع للمرأة كمختارة تقول أم ماجد حسونة :" مبدئيا كان صعبا وخاصة من بعض المخاتير على المسمى لكن بعدها تفهموا الوضع خاصة بتحقيق العديد من الإنجازات في قضايا المرأة، وفي بعض الأحيان يستعين المخاتير بنا لحل النزاعات إذا كان أحد أطرافها من النساء، وحتى الجهات التنفيذية في المجتمع، كالشرطة تطلبنا أحياناً وتحول لنا بعض القضايا للتدخل بها وحلها، ولكن إلى الآن المجتمع ينظر لنا، نظرة مختلفة عن نظرته للمختار، لأنه في النهاية مجتمع ذكوري بامتياز".
"المختارة" ضرورة وليست ترفا مجتمعيا
أما المختارة فاتن حرب فتسلط الضوء على الضرورة الملحة لوجود امرأة في حل النزاعات المجتمعية، خاصة التي تخص النساء، فتقول لـ "العين الإخبارية":"إن العادات السيئة التي تمارس في بعض مناحي الحياة، بما يخص المرأة، اضطرتنا كنساء واعيات لما يحدث في المجتمع، أن نتدخل بشكل وآخر، وكانت بعض المؤسسات التي تشتغل بقضايا المرأة، مدخلاً لنا، فعملنا على أن نعزز مكانة المرأة في قطاع غزة، وأن ندافع عنها في كثير من القضايا، خاصة المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث، وغيرها، حتى دخلنا السجون لبحث قضايا المرأة هناك ووضع حلول لها، والكشف عن ظروفها والمطالبة بتحسينها، وفي كثير من الحالات التي أوجبت تدخلنا كمختارات ونساء إصلاح، تدخلنا لصالح المرأة، وتبين أنها ضحية في كثير من الأحيان، واندفعت لتتجاوز القوانين والأنظمة، دفعاً تحت ضغوط نفسية وبعد معاملات قاسية، مورست عليها، وهذه ليست مبررات لارتكاب التجاوزات والجنح ولا الجرائم من قبل النساء، ولكن إنصافاً للعدالة، والمرأة الفلسطينية بطبيعتها تخجل حتى من المطالبة بحقوقها المعروفة، وبعضهن يعتبر أنفسهم دون المستوى، فشعورهن بالدونية يضيع حقوقهن، فكان دورنا أن نعقد الكثير من ورش العمل والندوات ونعطي الإرشادات الواضحة للمرأة لرفع درجة الوعي عندها، وأستطيع أن أقول إننا نجحنا اليوم في رفع مستوى اهتمام المرأة بنفسها وبحقوقها، وتبصيرها بما لها وما هو دورها في المجتمع، فلا يؤطر دور المختارة بحل المشاكل والنزاعات، ولكنها تتدخل غالباً في عمليات التعليم الممنهج لرفع درجة الوعي عند المرأة".
"المختارة" ومعايير أن تكون في هذا المقام
وعن الصفات والمعايير التي يجب أن تمتلكها المرأة لتكون مختارة فتقول الأستاذة فاتن حرب لـ "العين الإخبارية":" بلا شك المرأة يجب أن تتحلى بصفات ما لتكون مختارة، أولها أن تكون واعية لما يدور من حولها، وأن تتحلى بالصبر والذكاء والثبات على المواقف، والرأي السديد، والحكمة، والفصل بين كونها امرأة ومختارة، واستيعاب نظرة المجتمع لها، وأن تكون صاحبة إرادة، وبعيدة عن المزاجية، ومطلعة جيداً على ثقافة المجتمع والتقاليد التي تحكمه، وكيف يفكر الناس في قطاع غزة، وأهم شيء أن تبتعد عن مزاحمة الرجل في العمل، فالمختارة دورها مركزي في القضايا التي تنظر فيها، وعليها أن ترفع من ثقافتها العامة، وترتبط بحسن المعاملة مع المؤسسات والشخصيات النافذة في المجتمع، وأن تكون ذات خبرة في ميدان الإقناع، بالإضافة إلى تحليها بالأخلاق العالية".
وتعترف المختارة فاتن حرب بأن المختارات في قطاع غزة، لا يتدخلن في قضايا كبيرة كقضايا الدم، ومشاكل العائلات الكبيرة، وقد تتناول جزءا منها بما يخص المرأة لتخفيف حدة المشكلة، ولكنها لا تتدخل في جرائم القتل والشجارات بين العائلات الكبيرة.
"المختارة" والخيار الشاق في المعرفة والتعلم
وأكدت المختارة سمية الحنفي تلقي مختارات قطاع غزة وعددهن اليوم 27 مختارة حتى عام 2018م، أنهن تلقين دورات عديدة في عددٍ من المجالات، منها القانون والأنظمة وحل النزاعات، وحتى التحكيم وكانت هذه الدورات قبل تعامل الجهات المختصة معهن لمزاولة أنشطتهن في المجتمع، كما أنها تؤكد عدم وجود تراخيص رسمية من قبل وزارة الحكم المحلي والداخلية، ولكن الاعتراف بهن يتم من خلال تعاطيهن لحل المشاكل الأسرية، ومشاركتهن في فعاليات ونشاطات تخص المرأة .
"المختارة" في ميزان الرجل الفلسطيني
الباحث والكاتب ناهض زقوت مدير مركز عبدالله الحوراني للدراسات والتوثيق، يتقبل وجود الناشطات المجتمعيات وتدخلهن في حل النزاعات الأسرية، ويقول لـ"العين الإخبارية": "إن وجود المصلحة المجتمعية في قطاع غزة، ضرورة لحل الكثير من النزاعات الأسرية، ولكن إطلاق مصطلح مختارة عليهن غير دقيق، لأن للمختارة مهام كثيرة، ويدخل المختار في حل قضايا صعبة كقضايا الدم، وهذا غير متاح للناشطة والمصلحة المجتمعية، والمجتمع منشق على نفسه بخصوصهن، إذ البعض يتقبل وجودهن كوسطاء لحل النزاعات الأسرية، والبعض مازال يضع تحفظاته على دورهن، وخاصة المخاتير الذين يرون أن تدخلها في حل قضايا الأسر ليس ضرورة ويمكن الاعتماد على الأب أو الشقيق إذا كانت القضايا تخص النساء، ومع إثبات بعضهن لمكانتها وحصولها على نتائج جيدة في هذا المجال، غير بعض المخاتير مواقفهم من الناشطة المجتمعية وتقبلوا وجودهن، ولكن بحدود ضيقة أيضاً، فالناشطة في حل النزاعات الأسرية تمارس نشاطها من قناعتها أنها قادرة على نصرة المرأة المجتمع، وأنها أكثر إحاطة بالمرأة من الرجل حتى ولو كان والدها أو شقيقها".
وأجمعن المختارات الثلاثة، فاتن حرب وأم ماجد حسونة وسمية الحنفي على أن "المخترة" لها متاعبها التي لا تنتهي، في مجتمع ذكوري مازال يقلل من ثقته بالمرأة، ولكنهن يمشين بخطوات ثابتة نحو وعي أكثر أماناً للمرأة.