ذهب صندوق النقد.. هل يصبح مفتاح إنقاذ أفريقيا من أعباء الديون؟
مع احتدام الأزمة الاقتصادية للقارة السمراء، قد لا يتبقى إلا موردٌ واقعي يمكن أن يغير مستقبل القارة، وهو احتياطيات الذهب الهائلة لدى صندوق النقد الدولي.
هذا ما خلص إليه التقرير الذي أصدرته «لجنة خبراء أفريقيا»، في إطار أولويات الرئاسة الجنوب أفريقية لمجموعة العشرين، والذي يدعو إلى إطلاق آلية جديدة لإعادة تمويل ديون الدول الفقيرة والمُثقلة بالالتزامات.
ووفقا لما نشره موقع "ديلي مافرك"، فإن التقرير، الذي قاده وزير المالية الجنوب أفريقي الأسبق تريفور مانويل، يقترح على مجموعة العشرين العمل مع صندوق النقد والبنك الدوليين لإنشاء برنامج لإعادة تمويل الديون على أن يعتمد على بيع جزء من الذهب الذي يحتفظ به الصندوق. وبرأي اللجنة، يمكن لهذه الخطوة أن توفر شريان حياة لاقتصادات منخفضة الدخل تُنزف مواردها لتسديد ديون متراكمة بدل توجيهها للتنمية ومواجهة تغيّر المناخ.
وعندما تسلم الرئيس سيريل رامافوزا نسخة التقرير، لم يُخفِ دهشته من حجم الاحتياطيات الذهبية لدى صندوق النقد، قائلاً إن وجود «كنز من الذهب» يمكن أن يُسهم في تمويل ديون دول الجنوب العالمي، ووصفه بأنه مورد ينبغي تعبئته لمصلحة الدول الفقيرة.
ووفق الأرقام الرسمية، يحتفظ صندوق النقد بـ90.5 مليون أونصة من الذهب. ومع الارتفاع القياسي لسعر المعدن الأصفر هذا العام متجاوزاً 4000 دولار للأونصة، فإن قيمة هذه الاحتياطيات تتجاوز 360 مليار دولار. وتشير اللجنة إلى أن بيع جزء محدود من هذه الكميات قد يتيح تمويلاً ضخماً يمكن توجيهه لمشروعات التنمية والبنية التحتية والبرامج المناخية، وهي مجالات تعاني نقصاً حاداً في التمويل.
وضع خطير
وتحذر «أفريكا بلس»، التقرير نصف السنوي للبنك الدولي، من أن أزمة الديون في القارة تتفاقم بسرعة؛ فعدد دول أفريقيا جنوب الصحراء الواقعة في حالة تعثر أو المعرضة لخطر التعثر تضاعف تقريباً منذ 2014 ليصل إلى 23 دولة تمثل حوالي نصف دول الإقليم. ورغم خطورة الوضع، ترى لجنة الخبراء أن الحل متاح ومجرب؛ فالصندوق سبق أن باع 13 مليون أونصة من الذهب في 1999 لتمويل مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون. واليوم، بيع ربع هذا الحجم فقط قد يوفر أكثر من 40 مليار دولار.
وتبرز اللجنة جانباً آخر لفكرة بيع الذهب، بوصفها شكلاً من أشكال العدالة التاريخية؛ فالذهب، مع العاج والعبيد، كان في قلب الاستغلال الاستعماري الذي نهب ثروات القارة ورسّخ منظومات القمع العنصري. لذا، فإن تحويل جزء من ذهب صندوق النقد لخدمة التنمية الأفريقية يحمل رمزية تصحيحية مهمة، ويعيد للذهب دوره كأصل منتج وليس لعنة اقتصادية.
وفي الوقت نفسه، فإن ارتفاع أسعار الذهب يُنعش اقتصادات الدول المنتجة في القارة. فبحسب تقرير «أوكسفورد إيكونوميكس أفريقيا»، يمثل الذهب أكثر من 20% من صادرات السلع في 19 دولة إفريقية، وأسهمت زيادته الكبيرة خلال العامين الماضيين في تعويض خسائر بعض القطاعات الأخرى مثل الألماس في الجنوب الإفريقي. وفي تنزانيا، أدى تدفق الدولار الناتج عن صادرات الذهب إلى دعم العملة المحلية بشكل ملحوظ.
مخاطر متضمنة
لكن هذا الازدهار ليس بلا مخاطر. فالأسعار المرتفعة تُغري شبكات التهريب والجماعات المسلحة، خاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يُهرّب جزء كبير من الذهب لتمويل الصراعات. وفي جنوب أفريقيا، أدى ارتفاع السعر إلى زيادة نشاط التعدين غير القانوني، الذي أصبح ظاهرة أمنية واقتصادية معقدة.
ورغم هذه التحديات، فإن اقتراح بيع الذهب يظل واحداً من أكثر الحلول واقعية وإبداعاً لمعالجة أزمة الديون الإفريقية، لأنه لا يفرض أعباء على دافعي الضرائب في الدول المانحة، ويستند إلى أصل متاح وغير مستخدم بالشكل الأمثل. وكما يقول مانويل: «هناك حل واضح أمامنا.. ولا يحتاج إلى تكلفة إضافية».
وبحسب التقرير، فإن تحويل جزء من ذهب صندوق النقد إلى أداة إنقاذ مالي وتنموي قد يكون الخطوة التي تضع القارة على مسار جديد، وتخفف من «لعنة الذهب» التي لاحقت أفريقيا تاريخياً.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTA5IA== جزيرة ام اند امز