زيارة سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، إلى روسيا، والمجدولة مسبقا، تتزامن مع التصعيد في الأزمة الروسية-الأوكرانية.
إذ وصل هذا التصعيد إلى عمليات نوعية، بالإضافة إلى مستجدات أزمة الطاقة وتداعياتها السلبية على كل دول العالم.
وكون الإمارات دولة صانعة سلام، وتملك دبلوماسية مميزة قائمة على الحوار والتعاون مع مختلف دول العالم، فإن كثيرين يعوّلون على التحرك الإماراتي لرأب الصدوع الكثيرة في بنيان النظام الدولي، ما يعكس ثقة العالم بشخص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وثقل دولة الإمارات العربية المتحدة سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا، علنا نقف إلى نقطة حوار لوقف التصعيد في الأزمة العالمية.
زيارة تاريخية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، إلى روسيا، تنضم إلى سلسلة لقاءات جمعته مع نظيره الروسي، بوتين، خلال العام الجاري، كما أنها الزيارة الثامنة لسموه إلى روسيا على مدار العقد الماضي، والتي أسفرت عن توقيع البلدين في يونيو 2018 اتفاق شراكة استراتيجية تشمل المجالات كافة، ما جعل مسار العلاقات بين البلدين يشهد نقلة نوعية، حيث تعد الإمارات الشريك التجاري الخليجي الأكبر لروسيا بنسبة 55%، وأكبر مستثمر عربي في روسيا بنسبة تجاوزت 80%، فيما تصل استثمارات روسيا في الإمارات إلى 90% من إجمالي الاستثمارات الروسية في الدول العربية.
ويأمل المراقبون في أن تُثمر زيارة رئيس دولة الإمارات إلى روسيا في بناء جسور الحوار ودعم الحل الدبلوماسي والسياسي للأزمة الأوكرانية، نظرًا لما تتمتع به الدبلوماسية الإماراتية من قبول ومصداقية لدى أطراف الأزمة، ما يمكّن الجميع من الوصول إلى تفاهمات لوقف النزاع وإيجاد حلول مُثلى للتحديات الأمنية والاقتصادية، سواء لأطراف الصراع أو تداعيات الأزمة على دول العالم.
لقد نجحت دبلوماسية الإمارات في التوصل إلى اتفاق سلام بين إريتريا وإثيوبيا، لتنهي صراعا دام 15 سنة، وأعطت شعوب المنطقة الأمل في إحلال الاستقرار، ما يعكس حكمة القيادة الإماراتية وثقلها الدبلوماسي الساعي إلى نشر السلام في الأرض.
وتأتي زيارة رئيس دولة الإمارات إلى روسيا عقب قرار تكتل "أوبك+" خفض الإنتاج النفطي بنحو 2 مليون برميل يوميا، فيما كانت المطالبة الأمريكية الدائمة بزيادة الإنتاج لتعويض النفط الروسي، المتوقف بسبب العقوبات الأمريكية، فيما قرار "أوبك+" بوضوح لا علاقة له بأي أمور سياسية، بل هو قرار فني بحت، علاوة على أنه يحمي مصالح دول التكتل التي تشنُّ ضدها حملة ممنهجة، فقرار خفض الإنتاج في أساسه بُني على وجود دول تقوم بتخزين النفط، وستجبر على استهلاك ما خزّنته حال انتهت الأزمة الأوكرانية، ما سيجعلها تخفض شراء الخام في المستقبل، في دلالة على وجود فائض في الأسواق، ووصول طاقة التخزين إلى أعلى المستويات.. لذلك لا يمكن وغير معقول أن تقبل دول "أوبك" تحمل تكاليف التضخم مستقبلا من عائداتها، فهذا حق سيادي طبيعي مكفول لكل الدول.
العالم يشهد مرحلة معقدة متعددة الأوجه، بداية من استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، وصولا إلى أزمة الطاقة التي تواجهها أوروبا مع شُح إمدادات الطاقة الروسية، إلى أزمة إمدادات الحبوب، والتي قد تتفاقم وتدفع ثمنها الدول الفقيرة، لذا فالولايات المتحدة مدعوة لإعادة النظر في مواقفها السياسية بشأن ملف أوكرانيا، وتفهُّم مواقف الدول المتوازنة في علاقاتها، حماية لمصالحها الوطنية، وخططها الاستراتيجية، بدلا من تحميلها ثمن صراع أجّجته واشنطن بنفسها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة