غزة بعد الحرب.. تحديان يهددان بإفشال إعادة الإعمار
![علم فلسطين على أحد مباني غزة المدمرة](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2025/2/15/194-183757-plan-for-postwar-gaza-reconstruction_700x400.jpg)
في خضمّ الركام المتناثر على شواطئ غزة، تتسابق الرؤى حول مستقبل القطاع بعد الحرب، بين طروحات تبدو كـ«أحلامٍ»، وأزمات متجذرة تحوّلت إلى كوابح تعوق أي انطلاقة جديدة.
فالواقع على الأرض يكشف عن تحديين رئيسيين يهددان بإفشال أي جهودٍ حقيقية لإعادة الإعمار: بقاء حماس في السلطة، والارتباط العاطفي والسياسي العميق لغزة بالقضية الفلسطينية الكبرى.
فهل يمكن لغزة أن تتحول من بؤرة صراع إلى نموذج تنموي ناجح؟ الإجابة تكمن في قدرة الفلسطينيين والمجتمع الدولي على كسر الحلقات المفرغة، وتجريب نهج جديد لا يستنسخ أخطاء الماضي، بل يبني على مقومات الاستدامة والاستقلال الحقيقي.
ووفقا لتقرير للمجلس الأطلسي، فإن هناك العديد من الحلول قصيرة المدى للتحديات الفورية التي تواجه إعادة إعمار غزة، مشيرًا إلى أنه يمكن لإعادة تدوير الأنقاض واستخدامها لإنشاء شبه جزيرة اصطناعية قبالة ساحل القطاع، أن تمنح غزة مطارًا وميناءً يمكن أن يكونا شريان حياة مستقلًا عن كل من إسرائيل ومصر لدعم جهود التعافي وإعادة الإعمار.
كما يمكن إنشاء محطة طاقة عائمة لتوفير بعض الكهرباء، ووضع كسّارات خرسانية للتعامل مع الأنقاض وإفساح المجال لإقامة مساكن مؤقتة مثل البيوت المتنقلة حتى انتهاء عملية إعادة الإعمار.
ليس هذا فحسب، بل إن الحلول المؤقتة في مجالات تنقية المياه وتحليتها والزراعة العمودية يمكن أن تفتح فرصًا للعمل وريادة الأعمال، مما قد يُحدث فرقًا كبيرًا في المدى القصير؛ نظرًا إلى أن معظم سكان غزة تركزوا في جنوب القطاع في أثناء الحرب، فيمكنهم البقاء هناك في أثناء إعادة إعمار المناطق الشمالية.
لكن هناك تحديات استراتيجية، تمنع غزة من تحقيق الانتعاش الحقيقي والتحول إلى نموذج ناجح لما يمكن أن تكون عليه الضفة الغربية في غياب «الاحتلال»:
الأول: يتمثل في بقاء حركة حماس بالسلطة، ورغم «ضعفها» بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنّ «أيديولوجيتها الراديكالية ما زالت تمثل عقبة أمام إعادة الإعمار والاستقرار».
الثاني: الارتباط الوجداني والسياسي لغزة بالقضية الفلسطينية الكبرى، بحيث لا يستطيع العديد من الفلسطينيين في القطاع فصل مصيرهم عن مصير الضفة الغربية والقدس الشرقية، ما يمنع تركيزهم على تطوير القطاع وحده.
وهاتان المشكلتان هما سبب فشل محاولات إعادة الإعمار السابقة؛ إذ لم تتمكن أي من المبادرات من منع اندلاع الصراعات الجديدة، مما أدى إلى مزيد من القتل والدمار وهدر الموارد. ورغم أنه لا توجد حلول سحرية لحل تلك المعضلة، فإنه يمكن التعامل مع هذه التحديات بشكل تدريجي وبأساليب إبداعية تتطلب الصبر الاستراتيجي واتخاذ قرارات صعبة.
حلول
التحدي الأول والأهم في غزة هو إنهاء احتكار حماس للسلطة؛ عبر: تجفيف مصادر تمويلها لمنعها من الاستمرار في فرض سيطرتها. وتفكيك الحركة من الداخل باستقطاب بعض أعضائها المعتدلين وفصلهم عن القيادة العسكرية المتشددة. ونفي قادة الجناح العسكري لحماس كجزء من تسوية دولية، بحسب المجلس الأطلسي.
هذا النهج سيتطلب هدنة طويلة الأمد تحت إشراف دولي، مع توفير آليات لإعادة تأهيل وإدماج بعض عناصر حماس وفق قواعد صارمة لضمان عدم عودتهم إلى الأنشطة العسكرية، كما يجب الفصل بين حماس في غزة وحماس في الضفة الغربية، بحيث لا تتمكن الأخيرة من الاعتماد على القطاع كقاعدة دعم، يقول التقرير.
إعادة صياغة العقد الاجتماعي
التحدي الثاني: تغيير وعي سكان غزة، عبر تشكيل حكومة تكنوقراطية غير مسيسة، تحظى بمباركة جزئية من السلطة الفلسطينية، وتلتزم بإعادة بناء القطاع على أسس جديدة، إضافة إلى إطلاق منصة إعلامية مستقلة لمواجهة الدعاية الحماسية وإيصال أصوات بديلة، مثل مشروع «راديو غزة الحرة».
أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فيجب أن يكون هناك ميثاق واضح يحدد شروط الدعم المقدم لغزة، بحيث يتم توجيه المساعدات نحو إعادة البناء والتنمية وليس نحو إذكاء الصراعات. كما يجب فك ارتباط غزة عن أزمات الضفة الغربية والقدس، على الأقل في المدى المنظور، حتى يتسنى لها النهوض.
وطالب التقرير، الفلسطينيين في غزة باستغلال الدعم الدولي للخروج من دوامة التدمير وإعادة الإعمار المتكررة.
كيف تنهض غزة؟
قد تبدو هذه الأهداف صعبة التحقيق، لكنها ضرورية لضمان مستقبل مشرق للقطاع، وتحويله إلى نموذج ناجح بدلاً من أن يكون نقطة اشتعال دائمة للصراعات.
وبحسب المجلس الأطلسي، فإن الحلول الاستعمارية أو القرارات الأحادية لن تحقق الاستقرار، بل ستجعل الدول العربية في موقف صعب سياسيًا، وهو ما لا يخدم المصالح الأمريكية ولا يحقق السلام في المنطقة، في إشارة إلى مقترح دونالد ترامب بـ«الاستيلاء على غزة».
ويمكن معالجة القضايا الأمنية والسياسية والتخلص من التطرف من خلال الابتكار والجرأة وتجربة أساليب جديدة، بدلًا من البحث عن حلول سريعة على غرار صفقات العقارات الأمريكية التي لا تتناسب مع تعقيد المشهد في غزة.
aXA6IDE4LjIyMy4yMDYuMjcg جزيرة ام اند امز