مواجهة التلوث البلاستيكي.. هل تطلق مفاوضات نيروبي إشارة البدء؟
تذكر بيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أنه بالتوازي مع خطورة تفاقم أزمة التلوث البلاستيكي على صحة البيئة والإنسان، ينتج العالم حالياً ما يقرب من 400 مليون طن سنوياً من المخلفات البلاستيكية.
كما تشير أرقام المنظمة الدولية إلى أنه يتم إعادة تدوير أقل من 10% منها، والتوقع بأن يتم تضاعف إنتاجه ليصبح حوالى مليار طن سنوياً بحلول عام 2050.
ويشكل البلاستيك حوالى 85% من النفايات البحرية، حيث إن كمية البلاستيك الموجودة في المحيط ستتضاعف بنسبة ثلاث مرات تقريباً بحلول عام 2040.
- التجربة الهولندية.. في يوم البيئة العالمي: البلاستيك نعمة أم نقمة؟
- العالم يُجنّب خلافاته ويخطو نحو أول معاهدة للحد من التلوث البلاستيكي
وتدافع العديد من البلدان والمنظمات البيئية غير الحكومية لصالح فرض حظر على المنتجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد وقواعد أكثر صرامة، من بين تدابير أخرى تسمى "عالية الطموح".
ويعارض هذا الموقف قطاع صناعة البلاستيك ومصدرو النفط والبتروكيماويات الذين يريدون استمرار استخدام البلاستيك، ويرون أن أي معاهدة بشأن التلوث البلاستيكي يجب أن تركز على إعادة تدوير وإعادة استخدام المواد البلاستيكية، والتي يشار إليها أحياناً في المحادثات باسم "الاستدارة" في إمدادات البلاستيك.
هل توقف مفاوضات نيروبي الخطر؟
تتواصل فعاليات الجولة الثالثة للجنة التفاوض الحكومية الدولية المعنية بصياغة المعاهدة الأولى لمواجهة التلوث البلاستيكي، في العاصمة الكينية نيروبي (مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة).
وبمشاركة 193 دولة، تختتم الأحد 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مفاوضات نيروبي التي ببحث فيها العالم أكبر تهديد للبيئة وبالأحرى أكبر الملوثات وهو البلاستيك لإيجاد حلول والسعي لصياغة معاهدة دولية ملزمة لمواجهة هذه الأزمة.
وتدور مفاوضات نيروبي حول البنود والمواد الخاصة بالمعاهدة التي اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة قرارًا تاريخيًا بإنشائها في مارس/آذار الماضي؛ حيث تعد هذه المعاهدة أول معاهدة عالمية ملزمة قانونا بشأن التلوث البلاستيكي بما في فيها البيئة البحرية، والتي يتوقع أن يتم الانتهاء من صياغتها بحلول نهاية عام 2024.
ويركز المفاوضون في نيروبي على ضرورة وضع قواعد واستراتيجيات للسيطرة على التلوث البلاستيكي والاتفاق عليها، من عدد من المسارات الملزمة والطوعية ويستهدف:
- وضع أساس نهجٍ شامل يتناول دورة الحياة الكاملة للمنتجات البلاستيكية.
- بداية المكافحة من مرحلة الإنتاج إلى التعبئة والتغليف والاستهلاك، حتى إعادة التدوير والإدارة الفعّالة للمخلفات البلاستيكية.
- الغاية هي الوصول لحماية البحار والمحيطات، وأيضاً الابتكارات الجديدة لتطوير المنظومة.
- إحداث تغييرات جذرية في جميع أنماط الإنتاج والاستهلاك للمواد البلاستيكية، بالتوافق على مواد قوية وملزمة.
- الحد من إنتاج واستخدام البوليمرات البلاستيكية الخام المشتقة من البتروكيماويات، وغيرها من المواد التي تحتوي على مركبات سامة.
- إدراج الإفصاح الإلزامي للشركات في معاهدة البلاستيك العالمية، بينما يعارض قطاع صناعة البلاستيك ومصدري النفط والبتروكيماويات.
طموح ينتظر "الإلزام"
تتصدر الجهود الدولية لمكافحة التلوث البلاستيكي أجندة فعاليات مناخية مستمرة وبينها مفاوضات نيروبي والتي تعد المرة الأولى التي يتم فيها التفاوض حول إجراءات ملموسة سيتم تضمينها في معاهدة عالمية ملزمة لوضع حد للنفايات البلاستيكية.
ويعد "الإلزام" هو كلمة السر في هذه المفاوضات بعد أن اتفقت الدول العام الماضي على وضع اللمسات الأخيرة على أول معاهدة عالمية لمكافحة آفة البلاستيك بحلول نهاية عام 2024.
ولذلك فإن المفاوضات الحالية، بحسب خبراء، هي الفرصة الأولى لمناقشة مشروع معاهدة نُشرت في سبتمبر/أيلول العام الماضي وتحدد الطرق العديدة التي يمكن من خلالها أن يتم التوصل إلى اتفاق، يمكن من خلاله حل مشكلة البلاستيك.
وبعد موقفها المبدئي بأن تتألف المعاهدة من خطط وطنية للسيطرة على المواد البلاستيكية، راجعت الولايات المتحدة موقفها في الأشهر القليلة الماضية.
ولأجل ذلك؛ حذر مبعوث الأمم المتحدة الخاص للمحيطات، بيتر طومسون، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن تكون المعاهدة بمثابة ميثاق للطبيعة، اعتماداً على الاتجاه الذي ستتخذه المفاوضات.
ومن المتوقع أن يزداد التلوث البلاستيكي سوءا؛ حيث تضاعف الإنتاج السنوي خلال 20 عاماً ليصل إلى 460 مليون طن.
ويمكن أن يتضاعف ثلاث مرات بحلول عام 2060 إذا لم يتم القيام بأي شيء، ومع ذلك يتم إعادة تدوير 9٪ فقط.
ودعا الاتحاد الأوروبي وعشرات الدول، بما في ذلك اليابان وكندا وكينيا، إلى صياغة معاهدة قوية تتضمن "أحكاماً ملزمة" للحد من إنتاج واستخدام البوليمرات
البلاستيكية الخام المشتقة من البتروكيماويات، وإلى عدم استخدام أو تقييد المواد البلاستيكية المسببة للمشكلات مثل "بولي كلوريد الفاينيل" (بي.في.سي)، وغيرها من المواد التي تحتوي على "مكونات سامة".
وتقول جماعات بيئية إنها تأمل أن تركز محادثات نيروبي على جوهر المعاهدة، وأن تتجاوز المناقشات الإجرائية التي تعرقل التقدم.
التدوير جزء من الحل
يلعب البلاستيك أيضًا دورًا في ظاهرة الاحتباس الحراري؛ حيث يمثل 3.4% من الانبعاثات العالمية حسب بيانات عام 2019، وهو رقم يمكن أن يتضاعف بحلول عام 2060، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وقبيل المناقشات في نيروبي، أعربت 60 دولة عن قلقها إزاء هذا الاتجاه ودعت إلى "أحكام ملزمة في المعاهدة لتقييد وتقليل استهلاك وإنتاج" البلاستيك.
ووفقا لجمعية مصنعي البلاستيك في أوروبا "بلاستيكس يوروب"، تم إنتاج 400.3 مليون طن من البلاستيك في جميع أنحاء العالم في عام 2022، وهو ضعف ما تم إنتاجه في عام 2002.
وقد تم تصنيع أكثر من 90% من البلاستيك من مواد بترولية، رغم زيادة نسبة المواد الخام الحيوية والمعاد تدويرها.
ومبعث القلق الأكبر هو دورة حياة البلاستيك، لأنه بمجرد إنتاجه، يستغرق البلاستيك قرونا من الزمان حتى يتحلل مرة أخرى.
ووفقا للعلماء، فقد تم التخلص من 76% من جميع النفايات البلاستيكية التي تم إنتاجها في الفترة من عام 1950 إلى عام 2018 في مواقع دفن النفايات أو في البيئة.
وتشير التقديرات إلى أن ما بين 4.8 و12.7 مليون طن من النفايات البلاستيكية ينتهي بها المطاف في المحيطات كل عام، مما يتسبب في أضرار للنظم البيئية، سواء على شكل جزيئات صغيرة، تعرف باسم اللدائن الدقيقة، أو من خلال إطلاق مواد كيميائية سامة.
وترى دول، خاصة أقطاب صناعات البتروكيماويات، أن السبب الجذري للتلوث البلاستيكي هو "الإدارة غير الفعالة للنفايات".
ومنذ عام 2015، قدم الاتحاد الأوروبي خطة عمل للاقتصاد الدائري بهدف "إغلاق الحلقة". كانت الرؤية وراء ذلك هي القدرة على إعادة تدوير المواد الخام إلى ما لا نهاية وبالتالي تجنب الأزمة المناخية والبيئية.
وبعد ثماني سنوات، وعلى الرغم من إحراز بعض النجاحات، ما زلنا نواجه العديد من التحديات في تحقيق هذا الهدف، لتظل الجدل قائما بشأن منع إنتاج البلاستيك أو إدارة النفايات أيهما ينقذ الأرض من التلوث البلاستيكي.
الاقتصاد الدائري للبلاستيك
لا يزال الوضع الحالي للاقتصاد الدائري البلاستيكي في العالم وفي أوروبا بشكل خاص بعيدا عن الأهداف المحددة ، على الرغم من جهود الاتحاد الأوروبي؛ حيث ينتج كل أوروبي كل شهر بمعدل ثلاثة كيلوغرامات من النفايات البلاستيكية.
وحسب منصة "سيسوتيك" المتخصصة في الاستدامة وسبل تحقيق الربحية من الاستدامة فإنه لإنشاء ملف نظام يعمل دون خسارة مالية أو نفايات بلاستيكية أو تلوث، هناك حاجة إلى نهج منهجي: إعادة تصميم كاملة لكيفية إنتاج البلاستيك، المستخدمة وإعادة استخدامها، وإعادة تصميم النظام الأساسي.
وحسب خبراء الاقتصاد الدائري، فإنه لتحقيق رؤية الاقتصاد الدائري للبلاستيك، لا نحتاج فقط إلى القضاء على جميع المواد البلاستيكية الإشكالية وغير الضرورية، ولكن أيضاً الابتكارات التكنولوجية للتأكد من أن المواد البلاستيكية التي نحتاجها قابلة لإعادة الاستخدام أو قابلة لإعادة التدوير أو سماد قابل للتسميد.
ومن ضمن الأدوات التي تخدم البيئة في التعامل مع نفايات البلاستيك أمر قانوني يتعلق بالحد الأدنى من الحصة التي تحدد نسبة النفايات البلاستيكية التي يجب أن يعاد تدويرها.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، اقترحت المفوضية الأوروبية الآن أيضا حصة إلزامية لمواد معاد تدويرها في جميع العبوات البلاستيكية الجديدة.
ووفقا لدراسة أجرتها "GVM" ومعهد "Ifeu" للطاقة والبيئة في هايدلبرغ بألمانيا تحت عنوان "مساهمة العبوات القابلة لإعادة التدوير إلى هدف الحياد المناخي في عام 2045 "، فإن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن إنتاج المواد الخام وإنتاج التعبئة والتغليف والتوزيع و يمكن تقليل التخلص وإعادة التدوير بنسبة 94% بحلول عام 2045.
وكشفت الدراسة أن استهلاك التعبئة والتغليف في ألمانيا على سبيل المثال بلغ ذروته في عام 2021 وسينخفض باستمرار في المستقبل، في الوقت نفسه، سيزداد استخدام المواد المعاد تدويرها.
وبشكل عام، على الرغم من الجهود العالمية المبذولة لا يزال الاقتصاد الدائري للبلاستيك بعيدا عن الأهداف المحددة.
وهناك حاجة إلى زيادة استخدام تقنيات وحلول الفرز المبتكرة من أجل ضمان القدرة التنافسية وفي الوقت نفسه ربحية القائمين بإعادة التدوير.
هذا يكون شرط أساسي لتحسين معدلات إعادة التدوير، وتعزيز استخدام المواد المعاد تدويرها وتحقيق الهدف طويل الأجل المتمثل في الاقتصاد الدائري للبلاستيك.