حطموا بأيديهم أي علاقة لهم بالمفاهيم الحديثة التي كانوا يختبئون خلفها من الحقوق والمساواة والعدالة والديمقراطية
ظلت جماعات الإسلام السياسي لعقودٍ مالئة الدنيا وشاغلة الناس في العديد من الدول التي عملت فيها، بإذن من الدول أو بغير إذن، وكان لموازنات دولية ومحلية وصراعات فكرية وسياسية دور في منحها المساحة لتعمل بكل قوتها، وتبلغ مرحلة من التأثير تزيد أو تنقص من بلدٍ إلى بلد، ومن شعب إلى شعب بحسب العديد من المتغيرات. كان ذلك في الماضي، وهي قصة طويلة، ولكن اللافت للملاحظة اليوم هو أن جماعات الإسلام السياسي ورموز هذه الجماعات، وعلى رأسها جماعة «الإخوان»، قد انحسروا بشكلٍ غريبٍ بمجرد أن انتبهت لهم الدول العربية؛ وتم تصنيفها جماعاتٍ إرهابية وتم تتبع كياناتها ومؤسساتها ورموزها وقياداتها، في قوائم إرهابية تصدر تباعاً، وهي ظاهرة جديرة بالاهتمام فعلاً، أين ذهب كل ذلك الضجيج؟ وأين ذهبت كل تلك الرموز؟ وكيف اختفت تلك الأيديولوجيا؟ وكيف ذابت التنظيمات؟.
جماعات الإسلام السياسي ورموز هذه الجماعات، وعلى رأسها جماعة «الإخوان»، قد انحسروا بشكلٍ غريبٍ بمجرد أن انتبهت لهم الدول العربية، وتم تصنيفها جماعاتٍ إرهابية.
هذا السياق لا يزعم بأي حالٍ أن هذه الجماعات انتهت، وأن خطابها تلاشى، هذا بالتأكيد غير صحيحٍ، فالمعركة معها ومع خطابها وفكرها طويلة، ونحن في أول الطريق الصحيح للقضاء عليها وتحجيمها لأبعد مستوى ممكن، ولكن هذا لا يمنع من إثارة الأسئلة السابقة؛ ومحاولة تسليط الضوء على ظاهرة الاختفاء شبه الكامل في الدول العربية التي صنّفتها إرهابية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والإمارات العربية المتحدة.
تجليِّات هذه الحالة من الاختفاء عن المشهد العام، وعن الحراك المجتمعي في هذه الدول، تتضح في انحسار كبيرٍ جداً في طرح خطابها وتعزيز أيديولوجيتها وتسويق أفكارها، ثم في الامتناع عن المشاركة تجاه أي من القضايا السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الإعلامية؛ التي كانوا يجلبون فيها بخيلهم ورجلهم في الماضي.
ثمة اختفاء في إبراز هذه المواقف وإدارة الحملات الجماعية، ومن أوضح الأمثلة التوقف التام عن إصدار البيانات الجماعية التي كانت تمثل أنياب الإسلام السياسي، والتوقف التام عن إصدار الفتاوى السياسية من قبل رموز هذه التيارات، أو رفع الصوت بالتحريم والتحليل والتهديد بالويل والثبور لأي مسألةٍ اجتماعية يُفترض ألا يكون لهم فيها ناقة ولا بعير.
كثيرةٌ هي الشواهد التي يمكن عرضها لرصد هذه الظاهرة، ولعدم الإطالة يجب طرح السؤال المهم وهو لماذا؟ لماذا حدث كل هذا في وقت قصير جداً؟ ولمحاولة الإجابة يمكن عرض بعض النقاط التي تساهم في الفهم أولاً، وفي تلمس الإجابة ثانياً.
أولاً: ضعف جماعات الإسلام السياسي جاء بعد انكشافها بشكلٍ كبيرٍ أمام الدول وأمام الشعوب، وتحديداً بعد أحداث «الربيع» الأصولي في العالم العربي، حيث كشفوا عن وجههم القبيح بكل سفورٍ، ودخلوا بكل عنفٍ وعنفوانٍ في إراقة الدماء والقتل والتخريب، وسعوا لبث استقرار الفوضى، وبالغوا في الجشع للسلطة بشكل أثار عليهم الشعوب.
ثانياً: حطَّموا بأيديهم أي علاقة لهم بالمفاهيم الحديثة التي كانوا يختبئون خلفها من الحقوق والمساواة والعدالة والديمقراطية، وتبين أنهم يتبنون النقيض تماماً لهذه الأفكار الحديثة.
ثالثاً: اتضح للعامة والخاصة أن هذه الجماعات وهؤلاء الرموز لا علاقة لهم بالدين ولا بالإسلام، إلا من حيث هو شعار يوصلهم إلى السلطة، وأنهم بلا مبادئ بحيث افتضح انقلابهم السريع من الأمر إلى نقيضه، في السياسة والأخلاق كما في العلاقات بين الدول، حيث انحازوا سريعاً لإيران وإسرائيل بمجرد استحواذهم على السلطة، وقمعوا كل الفرقاء السياسيين وضيَّقوا الحريات ودمروا الاقتصاد، فكان الانتباه شديداً لكل تلك التصرفات.
وغير هذا كثيرٌ، ولكن الذي ينبغي التنبيه له أنه لا يجب الركون إلى هذا الاختفاء وعدم مواصلة المهمات الكبرى في تتبعهم بشكلٍ منهجي، والقضاء على إرهابهم بشكلٍ مبرمٍ، فهم يجيدون الاختباء والاختفاء، وطأطأة الرأس للرياح.
نقلا عن الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة