الزيارة لا تخرج عن تقييم واشنطن لكل المواقف العربية والدولية حول ما فعلته فيما يخص قرار القدس
علينا ألا نستغرب من محاولات نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، الذي يختتم زيارته اليوم للمنطقة، أن يقنعنا بكلام أنه جاء من أجل مبادرة الرئيس دونالد ترامب بشأن تحقيق السلام في المنطقة، ومن أجل أجواء اقتصادية واعدة للمنطقة من خلال إيجاد حل لملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
فالذاكرة العربية مليئة بمثل هذه "السلعة" الأمريكية التي تبدو أنها رائجة لكل الإدارات وليس ترامب فقط، وأن تاريخ هذه السلعة لا تنتهي صلاحيتها مهما تغيّرت الإدارات؛ بل صالحة لكل الأزمنة ولكل السياسيين الذين يزورون المنطقة لأهداف غير بريئة..
إذا كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما منح النظام الإيراني "الصفقة النووية"، وسمح له بالغطرسة في المنطقة وإثارة الفوضى بما يخدم مصالحه، فإنه يبدو من مشهد زيارة بنس أن إدارة ترامب تريد هي الأخرى تقديم "صفقة القرن" لإسرائيل وكلاهما على حساب الفراغ السياسي العربي.
ملف تحقيق السلام في المنطقة لقي رواجاً وقبولاً عربياً في زمن إدارة أوباما وغيرها من الإدارات الأمريكية السابقة، حتى قبل إعلان ترامب "قراره المشؤوم" أن القدس عاصمة إسرائيل، إذ كان مصطلح الحلفاء التقليديين لا يزال موجوداً في القاموس السياسي العربي، باعتبار أنه جاء لتصحيح أخطاء سابقة، لكن في زمن أدرك فيه أغلب العرب، وخاصة الدول العربية المعتدلة، أن كل رئيس أمريكي يعمل لتحقيق "صفقته" الخاصة، فإن الأمر لم يعد كذلك فالقلق من طروحات الإدارة الأمريكية بات هو السائد، فإذا كان أوباما قد وقّع مع النظام الإيراني "الصفقة النووية"؛ فإن زيارة مايك بنس تحاول أن تنسج لنا "صفقة القرن" لتحقيق وعود ترامب الانتخابية لحليفه الاستراتيجي إسرائيل دون النظر لتداعياتها وتوابعها على العرب.
وحتى لا يكون الكلام عاطفياً، فإنه لا يوجد شيء غريب في هذا الأمر كون كل دولة -حسب دارسي العلاقات الدولية- تسعى لتحقيق مصالحها وتضغط من أجل ذلك، وإنما المريب والمقلق في الأمر أن يتحرك نائب الرئيس الأمريكي في المنطقة؛ وكأنه لم يحدث شيء يغضب الدول العربية ولا الدول الإسلامية في المنطقة، بل طرحه يوضح عدم اهتمامه بما قامت به الدبلوماسية العربية من محاولات في تغيير قرار ترامب.
وما يثير الحيرة أن يعتقد المسؤول الأمريكي أن الجانب العربي يمكن أن يصدِّقه فيما يطرحه من منطلق ما يردده الرئيس ترامب بأن إدارته مختلفة في النظر إلى قضايا المنطقة عما كان يطرحه سلفه، مع أنه حقيقة لا يبدو كذلك إلا إذا كان يقصد أن اختلافه يكمن في تنفيذ قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل، ففي هذه النقطة هو فعلا مختلف.!!
الزيارة لا تخرج عن تقييم واشنطن لكل المواقف العربية والدولية حول ما فعلته فيما يخص قرار القدس، أو ما يطلق عليه "جس النبض" السياسي من خلال مصر التي زارها أولا في المنطقة ومن خلال الأردن للانتقال إلى الخطوة القادمة، وتختص الزيارة بمعرفة موقف روسيا من تطورات الوضع في المنطقة بعدما بدأ العرب يميلون لعودتها في المنطقة لتحقيق التوازن في القوى الدولية ووضع حد لها، كما تحاول هذه الزيارة الضغط على الدول العربية "الملامسة" لعملية السلام في المنطقة من أجل ممارسة الضغط هي الأخرى على السلطة الفلسطينية وقطاع غزة لتقبُّل "صفقة القرن"، التي أول بنودها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وإذا كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما منح النظام الإيراني "الصفقة النووية"، وتالياً سمح له بالغطرسة في المنطقة وإثارة الفوضى بما يخدم مصالحه، فإنه يبدو من مشهد زيارة بنس أن إدارة ترامب تريد هي الأخرى تقديم "صفقة القرن" لإسرائيل، وكلاهما على حساب الفراغ السياسي العربي، فالكل يخطط لتحقيق مصلحته، دولياً وإقليمياً، لهذا ينبغي ألا نتجاهل أن السياسة لا تؤمن بالصديق الدائم بقدر ما تؤمن بالمصالح الدائمة.
ولهذا لا ينبغي علينا الغضب من سياسات الإدارة الأمريكية التي أصبحت تميل لبعض أطراف كانوا حتى فترة بسيطة يهددون المصالح الأمريكية، وفتحت لهم الباب لتعكير صفو الأجواء مع العرب، وجعلها تبدو في أكثر من موقف وكأنها خصم، سواء ما كان يسمى بـ"الربيع العربي"، أو الموقف من بقاء النظام السوري ومن تمدد الدور الإيراني في المنطقة لأن قرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل أدخلنا في طور إثارة الفوضى مرة ثانية، وكأن غياب الرؤية الأمريكية في عهد أوباما عادت.
الزيارة ليست في صالح العرب بتاتاً ولا قضاياهم، ولا هي تدعو إلى التفاؤل بها لا سيما وأن بنس يؤيد رؤية ترامب فيما يخص استراتيجيته في المنطقة والقائمة على الابتعاد من ملفات المنطقة المزعجة ولو على حساب الحلفاء التقليديين وبالتالي فهي زادت من القلق فيما يمكن أن يحدث في المنطقة بدلاً من طمأنتنا!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة