شيخ الأزهر أحمد الطيب.. فكر مستنير أضاء طريق الوسطية في العالم الإسلامي
شيخ الأزهر يلتقي قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية في زيارة تاريخية تحتضنها أبوظبي بالتزامن مع "عام التسامح" في الإمارات
يملك فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، تاريخيا مشرفا مرصعا بالعديد من الإسهامات المتميزة، التي قدمها في خدمة الإسلام والمسلمين طيلة مسيرته التي قضاها في كنف العلم.
ولعب شيخ الأزهر دورا مهما في تفعيل ثقافة الحوار بين الأديان، ولعل أحدث جهوده في هذا المضمار لقاءه المرتقب مع قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، خلال زيارة تاريخية تحتضنها أبوظبي، من 3 إلى 5 فبراير/شباط بالتزامن مع إعلان الإمارات 2019 "عام التسامح"، الذي يأتي انسجاما مع رؤيتها القائمة على نشر الفضيلة وإرساء قيم التعايش وقبول الآخر، وتحقيق الانسجام والوئام في المنطقة والعالم.
- شيخ الأزهر والبابا فرنسيس في الإمارات.. أرض التسامح والسلم وقيم التعايش
- شيخ الأزهر في صحن "كاتدرائية المسيح".. والبابا تواضروس بساحة "الفتاح العليم"
ولد الدكتور أحمد الطيب، في 6 يناير/كانون الثاني 1946 بقرية القرنة، الواقعة غرب مدينة الأقصر بجنوب مصر، وهو صاحب الرقم 50 بين شيوخ الأزهر العظماء، والـ18 بين مفتيي الديار المصرية، والـ10 بين رؤساء الجامعة الأزهرية العريقة.
النشأة التعليمية
أتم حفظ القرآن في الـ10 من عمره، وتلقى تعليمه الأولي في معهدي إسنا وقنا الأزهريين، ثم التحق بكلية أصول الدين، وتخرج فيها بتفوق، ثم حصل على درجة الدكتوراه عام 1977.
وتدرج الإمام الأكبر في المناصب القيادية بالأزهر، إذ بدأ مسيرته عميدا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بقنا عام 1990، ثم مفتياً للديار المصرية عام 2002، وكان عمره وقتها 56 عاما، ثم تولى رئاسة جامعة الأزهر، وظل في هذا المنصب حتى تولى مشيخة الأزهر في 2010.
وللدكتور أحمد الطيب العديد من الدراسات والأبحاث، والمؤلفات في العقيدة والفلسفة الإسلامية، وكذلك ترجمات وتحقيقات لعدد من المؤلفات الفرنسية عن الفلسفة الإسلامية، فهو يتحدث الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، ويترجم من الفرنسية إلى العربية.
الانفتاح على الغرب
بعد توليه المشيخة، حرك الدكتور الطيب المياه الراكدة في الأزهر، وأعاد علاقاته القوية بكل المؤسسات الدينية في العالم، الإسلامية والمسيحية، وصنع تاريخاً مجيداً للأزهر في ترسيخ قيم وثقافة الحوار والتسامح الديني بين أهل الأديان السماوية.
ونال شيخ الأزهر احترام العالم شرقه وغربه، وتعددت الجوائز والأوسمة ودرجات الدكتوراه الفخرية، التي حصل عليها، تقديراً لجهوده العلمية والفكرية، واعترافاً بفضله في نشر ثقافة التسامح والحوار الحضاري بين أتباع الأديان السماوية.
ويرتبط الدكتور الطيب بعلاقات متميزة مع قادة وزعماء معظم البلاد العربية والإسلامية، ويعبر دائماً عن اعتزازه بالعلاقة المتميزة بقادة وشعب الإمارات.
التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا
لعب الإمام الأكبر دورا مهما في تصحيح الصور المغلوطة عن الإسلام في الغرب، في ظل تصاعد النبرات التي اتهمت المسلمين بالتطرف، بالتزامن مع ظهور العديد من التنظيمات الإرهابية التي قدمت صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين لسنوات طويلة.
وارتكزت الزيارات الخارجية لشيخ الأزهر على نشر ثقافة السلام العالمي، ومواجهة التطرف، ونصرة القضايا الإنسانية العادلة، ما يدل على أهمية دوره وتأثيره في الحد من التطرف، والإسهام في إرساء قيم السلام عبر الحوار مع الآخر، وتقديم الصورة الصحيحة للإسلام للذين يعانون من الإسلاموفوبيا.
وبفعل جهوده المتميزة، وما يحمله من قيم التسامح الديني والوعي بالمخاطر المحدقة بعالم اليوم، أدرك العديد من قادة المؤسسات السياسية والدينية في الغرب الدور المحوري للأزهر، في مواجهة الإرهاب، وترسيخ السلام العالمي؛ لذلك شهدت المشيخة توافد العديد من الشخصيات والقيادات السياسية والدينية في العالم، بما يؤكد الدور المحوري والمهم للأزهر على مختلف المستويات.
لقاءات تاريخية
تظل لقاءات شيخ الأزهر مع قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، الأبرز والأهم في لقاءاته مع رجال الدين المسيحي، إذ إنهما يمثلان أكبر مؤسستين دينيتين في العالم، وكان العنوان الرئيسي لكل تلك اللقاءات التأكيد على العمل المشترك، من أجل السلام الشامل بين جميع البشر.
مجلس حكماء المسلمين
بفضل جهود وحكمة الدكتور الطيب، فرض مجلس حكماء المسلمين نفسه على الساحة الدولية، وجسد تعاوناً حقيقياً بين الإمارات والأزهر الشريف، إذ عكس دوراً واضحاً في تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة.
وتنوعت أنشطة المجلس بين عقد المؤتمرات والندوات وقوافل السلام، التي تجوب مختلف أرجاء المعمورة، والبيانات التي يسجل من خلالها مواقفه تجاه الأحداث والتطورات الجارية، كما أطلق حواراً مثمراً بين شباب من العالم الإسلامي والغرب.
نصرة مسلمي الروهينجا
وقف شيخ الأزهر بقوة ضد الاعتداءات الممنهجة بحق مسلمي "الروهينجا" في ميانمار، ودعا في بيان ألقاه المجتمع الدولي إلى التصدي بكل السبل ضد أشكال الإبادة الجماعية والتهجير القسري التي ترتكب ضدهم.
وقاد رئيس مجلس الحكماء المسلمين تحركات عالمية لإنهاء مأساة مسلمي "الروهينجا"، بالتنسيق مع المنظمات الإغاثية الإسلامية والعالمية.
وتبني قضية اللاجئين "الروهينجا"، وأطلق قافلة إغاثية كبيرة برعاية الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، إلى مخيماتهم في بنجلاديش.
فلسطين في قلب الأزهر
يشغل الملف الفلسطيني بصفة عامة، والقدس بصفة خاصة، حيزاً كبيراً من اهتمام الدكتور الطيب، فلم يتوقف عن التنديد وإدانة الانتهاكات الصهيونية بحق الفلسطينيين.
وأعلن مرارا وتكرار رفضه قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نقل سفارة بلاده إلى القدس، محذراً من التداعيات الخطيرة المترتبة عليه، مشدّداً على أن القدس المحتلة، وهويتها الفلسطينية والعربية، يجب أن تكون قضية كل المنصفين والعقلاء في العالم.
تطوير التعليم
على الصعيد المصري، نجح الدكتور الطيب في تحقيق نقلة نوعية في التعليم الأزهري؛ لتيسير العلوم من دون تحريفها، والتخفيف عن الطلاب دون تسطيح عقولهم.
وشهدت جامعة الأزهر، بفضل رؤية الدكتور الطيب وتوجيهاته، انطلاقة علمية وتعليمية متميزة، ونجحت في تسجيل إنجازات عدة، سواء فيما يتعلق بتطوير العملية التعليمية، وإضافة مزيد من البرامج والشراكات العلمية المتقدمة، أو على صعيد حصد العديد من الجوائز والتكريمات، داخل وخارج مصر.
دعم المرأة
دعا الدكتور الطيب لرفع الظلم الواقع على المرأة استناداً لمفاهيم دينية خاطئة، وحرص على إبراز كل ما يظهر تكريم الإسلام للمرأة وإنصافها، إيماناً منه ومن مؤسسة الأزهر بدورها الفاعل في المجتمع، وأنها نصف المجتمع، حقيقة لا عدداً.
وخصص الأزهر عاماً كاملاً بغرض النهوض بدور المرأة في جميع المجالات الحياتية والدينية، مع التذكير الدائم بأن تعاليم الإسلام جعلت لها ذمة مالية مستقلة عن الرجل، وسبقت جميع الحضارات في منحها حقوقها كاملة، بعد أن كانت تهمش وتمتهن.
توسع قاري
حرص فضيلة الإمام الأكبر على ترسيخ علاقات الأزهر بالدول الأفريقية، باعتبارها تمثل العمق الاستراتيجي لمصر، وأحد معاقل الإسلام الكبرى في العالم، وساهم في تقديم الدعمين العلمي والدعوي لدول القارة، ومساعدتها على مواجهة الإرهاب.
واستقبل الدكتور الطيب العديد من الوفود الأفريقية الرسمية. وكذلك الأمر بالنسبة للقارة الآسيوية، إذ زارت وفود دول عدة مشيخة الأزهر؛ لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك في المجالات الدعوية والتعليمية.