الحراكات الشعبية بغزة.. سمة ٢٠١٩ وتطلعات نحو التغيير
عام 2019 شهد أبرز الحراكات "بدنا نعيش" في 14 مارس وأهمها من حيث قوته وزخمه واستمراريته رغم القمع والملاحقة والاعتقال
انفجر غضب الشباب الفلسطيني الثائر في وجه القهر والقمع.. ربما يكون هذا تلخيصا للمشهد في قطاع غزة خلال 2019 بعد انطلاق حراك "بدنا نعيش".
حراك "بدنا نعيش" الذي استمر عدة أيام في مواجهة قمع حماس وأجهزتها الأمنية، حيث دشن الحراك مرحلة جديدة في مواجهة الانسلاخ عن السلطة الشرعية الفلسطينية.
حراك "بدنا نعيش"
في 14 مارس/آذار 2019، فاض الكيل، وخرج شباب غزة غاضبا وثائرا في الشوارع، يتحدون هراوات البطش ورصاص القمع، هاتفين ضد حماس وحكمها وصوتهم الموحد "بدنا نعيش" بحرية وكرامة.
ما حدث على مدار 4 أيام تقريبا، كان مفاجئا لحماس التي واجهت المظاهرات بالقوة المفرطة، وفق توصيف المؤسسات الحقوقية الفلسطينية التي وثقت خلال المدة بين الرابع عشر من مارس/آذار 2019 وحتى تاريخ السابع عشر من الشهر نفسه، جملةً من الانتهاكات أبرزها فض التجمعات السلمية والاحتجاز التعسفي.
غير أن ما حدث لم يكن مستغربا للمتابعين للأوضاع في غزة، الذين استقرأوا نبض الشارع والشباب الفلسطيني الرافض للظلم وكان تقديرهم أن الانفجار مجرد مسألة وقت.
وقال أمين عابد الناشط الشبابي وأحد نشطاء الحراك، الذي اعتقل في سجون حماس عدة مرات، إن عام 2019 شهد أبرز تلك الحراكات وأهمها "حراك بدنا نعيش" الذي كان في 14 مارس/آذار من حيث قوته وزخمه واستمراريته وديمومته رغم القمع والملاحقة والاعتقال.
وأشار عابد في حديث لـ"العين الإخبارية" إلى أنه قبل 2019 كانت هناك عدة حراكات، لكن لم تكن بمستوى وقوة حراك مارس/آذار 2019.
مطالب الحراك
الشباب كان مطلبهم في الحراك واضحا، وفق عابد: "نريد توفير الحد الأدنى من المعيشة، لكن الأمن تعامل معنا بعنف مفرط واتهمونا بالعمل لحساب أجندة خارجية والعمل ضد المقاومة والنيل من الوحدة الثورية والإخلال بالأمن العام".
وتسبب الحصار والانقسام الفلسطيني في ارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة إلى 53%، في حين وصلت نسبة الفقر إلى 75% بينما يتلقى أكثر من 80% من العائلات مساعدات.
ومنذ عام 2007 انعدمت فرص العمل أمام الشباب الفلسطيني بغزة، ما أدى إلى ارتفاع البطالة في صفوفهم إلى أكثر من 67%.
وانطلقت المظاهرات في مختلف محافظات قطاع غزة، لكن أقواها كان في مخيم جباليا، ودير البلح وسط قطاع غزة، وجنوبه، ذلك بقمع شديد من أمن حماس.
وقال عابد: "اعتقل المئات من المتظاهرين وتعرضوا لإهانات وضرب قاسٍ، تلك المعاملة دفعت عددا كبيرا من نشطاء الحراك نحو 70% للهجرة من غزة بعد قمع الحراك بحثا عن أمن وعمل".
وبحسب تقرير للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان؛ فإن أجهزة أمن حماس استخدمت القوة المفرطة في فض التجمعات التي تجاوز عددها 25 تجمعاً في قطاع غزة، والاعتداء على المشاركين فيها، في حين اعتقلت أكثر من 1000 شخص سواء من المشاركين في التجمعات أثناء فض التجمعات أو من خلال ملاحقات سابقة أو لاحقة للمظاهرات عبر مداهمة منازل المواطنين واحتجاز كثير منهم على خلفية المشاركة فيها.
حراك غير مسبوق
يؤكد محمد أبو هاشم، الباحث الحقوقي، أن الحراكات بغزة في 2019 غير مسبوقة، وذلك جراء تفاقم الوضع الاقتصادي ثم كبت الحريات.
وقال أبو هاشم لـ"العين الإخبارية"، إن الحراكات أدت إلى زيادة حدة القمع، لأن السلطة بغزة صارت خائفة على وجودها فاستخدمت الاعتقالات، وإن تراجعت الآن لكن الاستدعاءات مستمرة.
وأشار إلى أن حماس استخدمت خلال الحراك القوة المفرطة، حيث تم تكسير أطراف مواطنين خلال اقتحام منازل عائلة البحيصي بمدينة البلح وسط قطاع غزة.
أنماط القمع
ووثق تقرير للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، خلال الحراك اعتقال مواطنين من داخل المستشفيات، رغم إصاباتهم بكسور ورضوض وجروح جراء الضرب من قبل أفراد الأمن.
وأكد التقرير الذي حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، أن عشرات المعتقلين تعرضوا لمعاملة حاطة بالكرامة الإنسانية، بما في ذلك الضرب المبرح وتكسير الأطراف، والتعرية وسكب الماء البارد عليهم، وحلق رؤوس بعضهم، وجرى تحويل بعضهم للمستشفيات جراء ذلك.
وبالقمع الصارخ، وافتعال مواجهة عسكرية مع إسرائيل، احتوت حماس ثورة الغضب الأكبر ضدها مؤقتا، بعد نحو 6 أيام من تفجرها؛ لكنها لم تقضِ على كوامن الغضب لدى الشباب الفلسطيني.
حراكات ولكن!
شهد قطاع غزة عدة مظاهرات محدودة أخرى، قبل أن يجري في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي الدعوة لحراك جديد تحت شعار "بكفي تعبنا".
وقال أبوهاشم: "هناك حراك تمت الدعوة له قبل نهاية العام، لكن تم قمعه قبل أن يبدأ من خلال حملة اعتقالات واسعة".
بدوره، يؤكد الناشط عابد أن عام 2019 شهد دعوات عدة للخروج في حراكات شعبية، لكنها لم تنجح كما حراك "بدنا نعيش"، وذلك جراء الخوف الشديد الذي انتاب الناس من حجم العنف المستخدم في حراك مارس/آذار.
ومع ذلك يؤكد عابد أنه رغم خوف الناس من المشاركة في حراكات الشارع، فإن حجم الرفض لحكم حماس في مواقع التواصل وفي الشارع زادت وتيرته بشكل غير مسبوق والناس تتجرأ الآن على الحديث علنا عن رفض حكم حماس.
ورأى أن "الانفجار مقبل وقد يأتي من حادث صغير"، مستدركا: "نتمنى أن نخرج من السيناريوهات المرعبة عبر الذهاب للانتخابات التشريعية والاحتكام لصناديق الاقتراع بدلا من صناديق الرصاص".
ويعتقد أبوهاشم أن الاحتلال الإسرائيلي هو السبب الرئيسي لتردي الأوضاع الاقتصادية بغزة، وهو يساومهم بين لقمة العيش والاستقلال.. "لكن هذا لا يعفي السلطة بغزة من فشلها في إدارة الأزمة"، مشددا على أن "الحل يكون بإنهاء الانقسام".
وفي تقدير الخبراء الفلسطينيين، فإن عام 2020 سيكون عام الحسم، فإما انتخابات تطوي صفحة الانقسام، وإما جولة جديدة من الثورة ضد القمع والتفرد.