أعلنت سلطة بورتسودان، في السادس من مايو/أيار 2025، قطْع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات، في خطوة تعكس مأزقًا سياسيًّا عميقًا وتمسك بخطاب عدائي تجاه دولة طالما وقفت إلى جانب السودان في مختلف مراحله، وقدّمت نموذجًا للتعايش والدعم الإنساني والتنمية.
وهنا تبرز تساؤلات مشروعة: هل بات التصعيد الدبلوماسي غطاءً مفضّلًا لتعثر عسكري ميداني؟ وهل يمكن لمثل هذه القرارات الانفعالية أن تعالج مأزقًا داخليًّا مركبًا، أو أنها مجرد محاولة لصرف الأنظار عن الإفلاس السياسي والعسكري المتفاقم؟
جاء هذا التصعيد عقب قرار محكمة العدل الدولية شطب الدعوى التي تقدمت بها سلطة بورتسودان ضد دولة الإمارات، متهمة إياها بدعم قوات الدعم السريع في دارفور.
ولم يكتفِ قرار المحكمة برفض الدعوى، بل أكد بوضوح أن دولة الإمارات ليست طرفًا في النزاع القائم؛ وهو ما أسقط عنها أي مسؤولية قانونية أو أخلاقية عن الأحداث المأساوية في السودان.
وهنا يتجلى الفشل السياسي لسلطة بورتسودان، التي لجأت إلى اتهامات لا تستند إلى أدلة، ولا تحظى بأي اعتراف دولي؛ وذلك في محاولة بائسة لإعادة تأطير الصراع الداخلي بصفته مؤامرة خارجية.
والأكثر لفتًا للنظر هو التناقض الحاد بين خطاب سلطة بورتسودان، وواقع العلاقات الشعبية والإنسانية على الأرض؛ ففي 3 مايو/أيار، أي قبل ثلاثة أيام فقط من قرار قطع العلاقات، احتضنت دولة الإمارات مهرجان بوابة السودان، بحضور أكثر من 20 ألف شخص من أبناء الجالية السودانية؛ وأكد الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان خلال المناسبة عمق العلاقات بين الشعبين، واعتزاز الإمارات بالجالية السودانية وإسهامها الفاعل في نهضة الدولة؛ وفي موقف يحمل أبلغ الردود أكدت الفعالية أن العلاقات بين الشعبين لا تهتز بقرارات سياسية منفصلة عن الوجدان العام.
وما يغيب عن حسابات قيادة سلطة بورتسودان أن هذا النوع من السلوك التصعيدي ينعكس سلبًا على صورتها أمام المجتمع الدولي، الذي يزداد اقتناعًا بأن الصراع في السودان بحاجة إلى حل سياسي لا إلى افتعال خصومات خارجية؛ فدولة الإمارات، التي تبنّت موقفًا ثابتًا بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، وحثت جميع الأطراف على الدخول في حوار سياسي شامل، لم تُظهر يومًا عداءً للشعب السوداني، بل كانت من أبرز الداعمين له، سواء عبر المساعدات الإنسانية أو عبر جهود دبلوماسية لإطلاق عملية سياسية حقيقية تضع حدًّا للصراع.
إن تمسُّك سلطة بورتسودان بخطاب يتهم دولة الإمارات بمحاولة "تقويض السودان" ليس سوى غطاء لتهربها من إخفاقها في إدارة المرحلة الانتقالية، وفي الحفاظ على وحدة البلاد؛ فهذه السلطة، التي فشلت في صدّ التقدم العسكري للقوات المنافسة، اختارت خصومة طارئة مع دولة إقليمية فاعلة لتبرير انتكاساتها بدلًا من مراجعة سياساتها.
وفي المقابل تظل دولة الإمارات ملتزمة بمسؤوليتها الإنسانية تجاه الشعب السوداني، بعيدًا عن المهاترات السياسية؛ وإن قرار البيان الصادر عما يسمى مجلس الأمن والدفاع المرتبط بقطع العلاقات ليس سوى انعكاس لأزمة شرعية داخلية تُغلَّف بفوضى خارجية. إنه مشهد جديد من مشاهد العجز السياسي حين تتحوّل المؤسسة العسكرية من أداة وطنية إلى مصدر أزمة إقليمية.
نقلا عن منصة مفكرو الإمارات
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة