انتخابات الرئاسة الجزائرية.. هل تنجح في حل التناقضات؟
هكذا يضطرب المشهد السياسي في الجزائر، إلى الدرجة التي يصعب معها الإجابة على التساؤل من هو المرشح الأكثر حظاً للفوز بالسباق الرئاسي؟.
ألقى إعلان السلطة في الجزائر قائمة المرشحين الخمسة، لانتخابات الرئاسة المُقررة في 12 ديسمبر/كانون الأول المُقبل، مزيداً من الاضطراب في المشهد السياسي في البلاد، بعد موجة من الرفض الشعبي للقائمة التي تضم ـ بحسب الرافضين لها ـ وجوهاً محسوبة كلها على النظام السابق، أو كانت لها علاقة به في مستويات متعددة وأزمنة مختلفة.
مثل هذا الاضطراب، هو ما يدفع الغموض والتوتر إلى الواجهة، خاصة في ظل حالة "الاحتقان"السياسي، التي تُعاني منها الجزائر، في المرحلة الراهنة، بخصوص تنظيم الانتخابات الرئاسية؛ هذا، رغم أن الجزائر قد غيرت نظامها الانتخابي بالكامل؛ بعد نزع كافة صلاحيات تنظيم الانتخابات من الإدارات العمومية، أي وزارات الداخلية والعدل والخارجية، ومَنْحَها للسلطة المستقلة للانتخابات، البالغ عدد أعضائها 50 عضواً، والتي كان نواب المجلس الشعبي الوطني الجزائري قد أقر قانونها، في جلسة علنية.
- قضاة الجزائر يعلقون إضرابهم بعد وساطات هيئات سيادية
- انتخابات الجزائر.. "حرب هاشتاقات" غاضبة بين الناخبين
في سياق هذا الاحتقان المحتدم في البلاد، بات الوضع السياسي في الجزائر أمام حالة معقدة وخاصة جداً، في إطار التناقضات الكثيرة، وحالة الشد والجذب غير المسبوقة التي يعرفها المجتمع الجزائري، بين من يرون أن تنصيب رئيس للجزائر عبر صناديق الاقتراع، هو المخرج الدستوري والقانوني للأزمة؛ وبين من يرونه حلاً متسرعاً قد يساهم في تعميق الأزمة، في ظل عدم توافر الظروف الملائمة لإجرائه.
إذ، يتبدى بوضوح أن تيارين يتقاسمان هذه الحالة من التجاذبات السياسية؛ فمن جهة، هناك التيار الذي تمثله المؤسسة العسكرية وبعض الشخصيات المحافظة وجانب من الحراك الشعبي، ويعد الأكبر في البلاد، ويعتبر أن تنظيم الانتخابات هو الممر الوحيد للخروج من الأزمة.
ومن جهة أخرى، هناك التيار الذي تقوده أحزاب ومنظمات أغلبها علمانية ويسارية، تنضوي تحت ما يُسمى تحالف "قوى البديل الديمقراطي"، وينتقد خيار تنظيم الانتخابات بدعوى أنها سوف تساهم في إعادة إنتاج النظام السابق. ويتداخل مع هذا التيار، الجزء الأكبر من الحراك الشعبي الذي تتصادم مواقفه مع مواقف المؤسسة العسكرية، ومن إصراره على استبعاد كافة رموز النظام.
الملاحظة الأهم، هي تواصل الحراك الشعبي، على مدى 37 أسبوعاً مضت، منذ أن بدأ في 22 فبراير/ شباط ٢٠١٩؛ الحراك الذي يتبنى عدداً من المطالب تكاد تكون ثابتة، وهي ضرورة القطيعة مع العهد السابق وممارساته، مع التأكيد على ضرورة رحيل كافة رموزه.
إلا أن مثل هذه المطالب، كما يرى كثير من المهتمين بالشأن الجزائري، تبدو صعبة التحقيق؛ ففي ظل الظروف التي تمر بها البلاد، تظل المُطالبة بإخراج رموز وأفراد النظام السابق من المشهد السياسي، مُطالبة صعبة، خاصة أن هؤلاء كثيرون نتيجة انتمائهم لحزب "جبهة التحرير الوطني". أيضاً، تبدو المُطالبة بتأجيل عقد الانتخابات الرئاسية، مُطالبة في غير توقيتها؛ فالجيش الجزائري هو الذي دعا إليها ويقوم بتنظيمها وتأمينها والإشراف عليها.
هكذا يضطرب المشهد السياسي في الجزائر، إلى الدرجة التي يصعب معها الإجابة على التساؤل من هو المرشح الأكثر حظاً للفوز بالسباق الرئاسي، كما جرت العادة منذ أول انتخابات رئاسية تعددية تشهدها البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1995.
إذ، بعد فحص ملفات 23 شخصاً تقدموا بأوراقهم لخوض معركة الوصول إلى "قصر المرادية"، من جانب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، تم رفض 18 راغباً في الترشح بسبب عدم استيفاء شرط "الترشح"، المنصوص عليه في قانون الانتخابات، وهو جمع 50 ألف استمارة موقعة من طرف مواطنين مسجلين في القوائم الانتخابية، وأن تكون موزعة على 25 ولاية من أصل 48 ولاية في الجزائر.
قائمة مرشحي الرئاسة
أما من سيخوض معترك السباق الرئاسي فهم خمسة من المرشحين، من بينهم اثنان شغلا منصب رئيس الوزراء، واثنان كانا وزيرين سابقين أحدهما للثقافة والآخر للسياحة، ثم رئيس حزب لم يشغل مناصب وزارية في أي حكومة سابقة.
في مقدمة هؤلاء، من حيث عدد الاستمارات التي يشترطها قانون الانتخابات، يأتي عبد المجيد تبون، الذي جمع أكثر من 100 ألف توقيع. وقد تولى تبون عدداً من المناصب، منها رئاسة الوزراء لفترة قصيرة، في عام 2017؛ فضلاً عن عدة مناصب وزارية في حكومات متعاقبة منذ عام 1999، عندما تولى وزارة الاتصال والثقافة، ثم وزير الداخلية والجماعات المحلية عام 2000، ووزير السكن والعمران عام 2001، ثم تولى المنصب ثانية بين عامي 2012 و2017.
ويلي تبون، عبد القادر بن قرينة، الذي جمع 83 ألف توقيع. وكان بن قرينة قد شغل منصب وزير السياحة لمدة عامين (1997 - 1999). وفضلاً عن كونه رئيس حزب "البناء الوطني"، فهو الوحيد من بين المرشحين الذي ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي؛ إذ إنه كان قد أسس مع محفوظ نحناح حركة "المجتمع الإسلامي"، في عام 1989.
ثم يأتي علي بن فليس ليحل ثالثاً بعد تبون وبن قرينة، من حيث عدد التوقيعات، حيث جمع 81 ألفاً منها. وكان بن فليس قد تولى منصب رئيس الوزراء مرتين، الأولى بين عامي 1999 و2000، والثانية بين عامي 2002 و2003؛ وذلك قبل أن يُقيله بوتفليقة، وينتقل إثر ذلك إلى جبهة المعارضة، ويترشح لمنصب رئيس الجمهورية مرتين، في عامي 2004 و2014.
وفي المركز الرابع، يأتي عبد العزيز بلعيد، أصغر المرشحين للرئاسة سناً، والذي استطاع جمع 77 ألف توقيع. وهو رئيس حزب "جبهة المستقبل" الذي تأسس عام 2012؛ وهو، أيضاً، الوحيد من بين المرشحين الخمسة الذي لم يشغل مناصب وزارية في الحكومات السابقة، إلا أنه ترشح لانتخابات الرئاسة عام 2014، وحل ثالثاً في الترتيب بعد بوتفليقة وبن فليس.
وفي الأخير، يحل عز الدين ميهوبي الذي جمع 65 ألف توقيع، والذي عمل مديراً للمؤسسة الوطنية للإذاعة بين عامي 2006 و2008؛ ثم تولى وزارة الثقافة منذ عام 2015، وحتى العام الحالي 2019.
الملاحظ، أن ثلاثة من المرشحين كانوا ينتمون إلى حزب "جبهة التحرير" هم تبون وبن فليس وبلعيد. كذلك، يبدو أن هذا الأخير، بلعيد، هو الوحيد الذي لا يمكن اعتباره من رموز نظام وتفليقة، من حيث إنه لم يتقلد مناصب وزارية سابقة. إضافة إلى ملاحظة وجود مرشح واحد ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي هو بن قرينة.
خلافات الإخوان
هذه الملاحظة الأخيرة، بوجود مرشح واحد ينتمي إلى تيار الإخوان، يشير إلى وجود خلافات بين أحزاب هذا التيار؛ حيث لا يُمثل بن قرينة ـ واقعياً ـ المرشح التوافقي للإخوان في الجزائر، بقدر ما يُعبر عن الحزب الذي يترأسه.
يبدو ذلك بوضوح عبر القرار الذي اتخذته بعض الحركات الإخوانية، وفي مقدمتها حركة مجتمع السلم "حمس"، بمقاطعة الانتخابات؛ وهو القرار الذي يأتي على الأرجح كذريعة لتفادي انتكاسة جديدة، مثلما حدث في انتخابات مايو/آيار عام 2017. فقد حاولت هذه الحركات والأحزاب، حينذاك، الدخول في تكتلات وتحالفات في ما بينها، ودخول الانتخابات بقوائم مشتركة، في محاولة منها لتغيير الخريطة الانتخابية؛ رغم ذلك، لم تحقق هذه التحالفات الأهداف المرجوة منها، بل جاءت النتائج على عكس التوقعات.
وبحسب رأي الكثيرين، فإن عجز الإخوان عن طرح مرشح توافقي للرئاسة، يعود ليس فقط إلى الخلافات بينها، ولكن أيضاً نتيجة التشتت في الأصوات الذي يطغى على هذه الحركات، في المرحلة الراهنة؛ لاسيما أنها فقدت نسبة كبرى من قاعدتها الشعبية، بسبب دعمها للنظام السابق، ومشاركته في الحكم. ولعل ذلك هو ما دفع بعضها إلى عدم تقديم مرشح لهذه الانتخابات؛ مثل "حمس"، المقربة من حركة الإخوان الإرهابية، والتي كانت قد شاركت في السلطة على مدى عشر سنوات، في إطار التحالف الرئاسي الداعم لبوتفليقة، قبل أن تنسحب في عام 2012.
في هذا السياق، تتبدى حقيقة مفترق الطرق الذي تقف في مواجهته الجزائر..
فمن جانب، سيكون أول امتحان يواجهه المرشحون الخمسة هو احتمال عزوف نسبة ليست بالقليلة عن حملة "الرئاسية"، التي ستنطلق منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وسوف تستمر ثلاثة أسابيع. ومن جانب آخر، تبدو هذه الأسابيع حاسمة؛ إذ يليها امتحان تاريخي، ينتظره شعبًا ونظامًا، لا تتوقف نتائجه على مجرد إنجاز الاستحقاق الرئاسي؛ ولكن، وهذا هو الأهم، على الرئيس الجديد الذي سوف يختاره الجزائريون.. وهو بالقطع "اختيار صعب".