انتخابات الجزائر.. رغبة بالتغيير يقابلها توجس من عودة نظام بوتفليقة
لم يسبق أن عاشت الجزائر جدلاً واسعاً على انتخابات رئاسية كما يحدث مؤخراً بين رافض ومشكك في الضمانات ومؤيد لانتخابات 12 ديسمبر المقبل.
لم يسبق أن عاشت الجزائر جدلاً واسعاً على انتخابات رئاسية كما يحدث مؤخراً حول الانتخابات المزمع إجراؤها في 12 ديسمبر/كانون المقبل بين رافض ومشكك في الضمانات ومؤيد لها.
وفي الوقت الذي لم يتبق أمام البلاد لاختيار "أول رئيس جديد" منذ 30 عاما وتاسع رئيس في تاريخ الجزائر سوى أقل من شهرين فقط، يجعل انقسام الشارع الجزائري ومعه الطبقة السياسية حول ظروف تنظيم انتخابات الرئاسة، مصير الانتخابات "غامضاً" بحسب المراقبين.
وتباينت آراء الجزائريين بين مؤيد ومعارض لها ومطالب أخرى بضمانات أكثر، وظهر في المقابل أيضا نقاش بين تيارين متفقين على أن الانتخابات هي الحل الأنسب لأزمة الجزائر "أو بداية لحلها"، ومختلفين بين أولوية إجرائها في "أقرب الآجال وأولوية أحسن الظروف".
مخاوف "تدوير" نظام بوتفليقة
ومنذ تحديد موعد الانتخابات الرئاسية منتصف الشهر الماضي، انتقلت مطالب المتظاهرين من رحيل رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى "رفض إجراء الانتخابات بوجود تلك الرموز"، معتبرين أن "شبح النظام القديم قد يعود من بوابة الانتخابات".
ولم يهدأ الشارع الجزائري رغم تعهد قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح بـ"عدم تزكية أي مرشح" وبأن "عهد صناعة الرؤساء قد ولى"، وتحول الجمعة والثلاثاء إلى موعدين لنزول كل رافض لإجراء الانتخابات.
كما لم تخل نقاشات الجزائريين في شوارعهم ومقاهيهم وأماكن عملهم من الحديث عن من يمكنه تمثيل "شعب كسر قالب العزوف عن السياسة"، وتباينت آراؤهم وحتى هواجسهم من مخرجات انتخابات الرئاسة القادمة بين "الخشية من عودة نظام بوتفليقة من أوسع الأبواب بعد أن أُخرج من أضيق النوافذ"، وبين "هاجس تكرار سيناريو التسعينيات".
وظهر طرف ثالث يرى في تلك الانتخابات "فرصة ثمينة لحشر التزوير في زاوية المشاركة المكثفة وفرض رغبة التغيير عبر صناديق الاقتراع".
موقف الرافضين لإجراء انتخابات الرئاسة وفق أجندة السلطة، لم يستند فقط على ما يعرف ببقاء "الباءتين الاثنتين" في الحكم وهما الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح ورئيس الوزراء، نور الدين بدوي، بل على "نوعية" المرشحين المحتملين فيها.
حتى إن كثيراً من المقتنعين بأن "حل أو بداية" حل الأزمة السياسية في الجزائر لن يكون إلا عبر صناديق الاقتراع، إلا أن سحب أسماء محسوبة على نظام الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة استمارات الترشح، دفعهم إلى "التحذير من تدوير نظام بوتفليقة"، لكنهم "دعوا إلى معاقبتهم بالتصويت المكثف" على حد تعبيرهم.
ومن أصل 139 مرشحاً محتملاً حتى نهاية الأسبوع الماضي، برزت أسماء "ثقيلة" تولت مناصب كبيرة في عهد بوتفليقة، أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق عبدالمجيد تبون، ووزير الثقافة الأسبق عز الدين ميهوبي بصفته أميناً عاماً لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، ووزير السياحة الأسبق الإخواني عبد القادر بن قرينة.
بالإضافة إلى بلقاسم ساحلي رئيس حزب "التحالف الوطني الجمهوري" الذي كان من "أشد المدافعين" عن ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
كما "لم تشفع" المواقف المعارضة لـ"علي بن فليس" رئيس الوزراء الأسبق ورئيس حزب "طلائع الحريات" لنظام بوتفليقة عند الرافضين أو المتخوفين من عودة النظام السابق، ويعتبرونه "ابن نظام حكم الجزائر منذ استقلالها".
ورأى كثير من الجزائريين أن "بن فليس وتبون" مرشحا السلطة، ومن المعارضين من ذهب إلى حد القول إنهم "تلقوا الضوء الأخضر للترشح من جهات نافذة".
فيما يرد عليهم التيار المصر على إجراء الانتخابات في موعدها بـ"التعهدات والضمانات غير المسبوقة للمؤسسة العسكرية، والتي تحدد عمل السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات" التي تشرف للمرة الأولى على كافة مراحل العملية الانتخابية.
ووسط كل ذلك الجدل، طرح المتابعون تساؤلات عدة عن مستقبل الأزمة السياسية بالجزائر، من بينها: هل ستكون انتخابات الرئاسة القادمة "ولاية خامسة لبوتفليقة بوجه جديد"؟ أم أنها ستكون بداية لـ"جزائر جديدة" كما يطالب الحراك؟ وهل الضمانات المقدمة لنزاهة الانتخابات كافية لإقناع الرافضين لها؟ أم مصيرها مرتبط بأجندات خفية؟ وما هي الشروط الواجب توفرها في مرشح انتخابي والتي بإمكانها إقناع "ناخب ثائر"؟
انتخابات "موجهة"
ويرى المحلل السياسي والأكاديمي محمد سي بشير أن الاستحقاق الانتخابي سيجرى في موعده المبرمج، مرجعاً ذلك إلى أن السلطة الجزائرية وضعت كل ثقلها السياسي والقانوني والأمني سعياً للذهاب نحو هذه الانتخابات التي يمكن أن نقول إن تنظيمها سيكون بـ"أحب من أحب وكره من كره".
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية" أعطى الأكاديمي الجزائري "الموانع" التي قد تقف أمام تنظيم انتخابات الرئاسة بـ"الطريقة التي يراد إجراؤها"، وذكر بأن "السلطة ترى نزاهة الانتخابات بغير المنظور الذي يراه المتظاهرون والطبقة السياسية، وبالتالي نحن اليوم أمام هوة بين الجانبين".
ومن بين السيناريوهات التي توقعها "سي بشير" من "خلال متابعة آراء الجزائريين حول مواقع التواصل والشارع، فرض حالة الطوارئ في حال رفع الحراك من سقف مطالبه مقابل إصرار السلطة على إجراء الانتخابات".
وفي اعتقاد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر أن "سبب رفض المتظاهرين للانتخابات لوجود مؤشرات على أنها ستكون موجهة"، وتساءل عن "سبب ترشح رئيس الوزراء الأسبق عبدالمجيد تبون في مثل هذه الظروف الحساسة، وهو ما يعني إعادة سيناريو 1999".
و"شكك" المحلل السياسي في "ترحيب" أحزاب وشخصيات معارضة بالصلاحيات الممنوحة للسلطة المستقلة للانتخابات، واستغرب مما أسماه "رفع سقف معارضتها قبل تحديد موعد الانتخابات، ثم إبدائها ليونة تجاهها".
واعتبر الأكاديمي أن الانتخابات القادمة "أمام مشكل كبير"، مبرراً تحليله بـ"ترشح أسماء من النظام الجزائري مثل علي بن فليس وعبدالمجيد تبون، مقابل مقاطعة أسماء أخرى مثل رئيسي الوزراء الأسبقين مولود حمروش وأحمد بن بيتور".
حراك "مخترق"
تحليل الأكاديمي الجزائري، رأى فيه خبراء سياسيون آخرون أنه "لا يستند على معطيات واقعية".
وأكد 3 أكاديميين جزائريين لـ"العين الإخبارية" بأن "الحراك الشعبي بات مخترقاً اليوم من قبل أطراف تعرف جيداً بأن الرئيس القادم لن يكون من خزائنها أو أنه لن يضمن تحقيق مصالحها".
والتقت تحليلات الأكاديميين قادري حسين وعبد الرحمن بن شريط ولزهر ماروك في مسألة "اختراق الحراك من قبل الدولة العميقة التي تعودت على صناعة الرؤساء بمباركة خارجية" على حد تعبيرهم.
وأرجعوا ذلك إلى "الصلاحيات الممنوحة للسلطة المستقلة للانتخابات، والتي تسحب للمرة الأولى تنظيم ومراقبة الانتخابات من الإدارة التي تسيطر عليها الدولة العميقة"، وهو ما يعني وفق تصريحاتهم أن "صناديق الاقتراع ستفرز رئيساً غير خاضع لأجندة الدولة العميقة ومن يدعمها من أطراف أجنبية".
واستندت قراءات المحللين السياسيين أيضا على "سجن عدد كبير من رؤوس الدولة العميقة بتهم فساد"، واعتبروه "ضماناً مسبقاً لعدم توجيه الانتخابات، كون الحرب على الفساد حيدت كبار رموز جناحي الدولة العميقة بما فيها نظام بوتفليقة".
حق دستوري
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر حسين قادري قال، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إن "انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول ستجرى بنسبة كبيرة، رغم وجود احتمال لتعطيلها، ولكن بنسبة ضئيلة".
وأوضح أن ما يؤشر على عدم إلغاء الانتخابات هو "ترشح أسماء ثقيلة بصفتها المستقلة أو ممثلين عن أحزاب، مع إمكانية مقاطعة بعض المناطق التي يسيطر عليها الحراك الشعبي، لكن أتوقع مشاركة أغلبية الولايات".
ولم يستبعد المحلل السياسي مرور انتخابات الرئاسة القادمة إلى الدور الثاني للمرة الأولى، وظهور تحالفات سياسية لدعم المرشحين.
وأضاف: "أتوقع بأن تكون الانتخابات عرساً انتخابياً رغم انتقاد البعض لسلطة مراقبة الانتخابات، وإن تمت الانتخابات، فإن السنوات الخمس المقبلة ستكون بمثابة المرحلة الانتقالية لإعادة بناء مؤسسات الدولة بعد وضع شرعية لرئيس الجمهورية، تتبعها إصلاحات سياسية تؤسس لجمهورية جديدة كما يطالب الحراك".
وعن مواقف الرافضين لإجراء الانتخابات في موعدها بعد ترشح وجوه من نظام بوتفليقة، رأى "قادري" بأن "الدستور الجزائري يعطي الحق لأي شخص تتوفر فيه الشروط القانونية الترشح لمنصب رئيس البلاد".
واعتبر أن بداية الحراك الشعبي كان "بشكل عفوي وبالملايين، لكن هذه الفترة انتهت، ونحن أمام حراك مخترق ولم يعد بريئاً بسبب بعض الذين يحاولون توجيهه إلى مطالب معينة، والملايين الذين أوقفوا ولاية بوتفليقة الخامسة التي كان سيباد فيها ثروات الجزائر الظاهرية والباطنية، يتحملون مسؤولية إيقاف العصابة عبر صناديق الاقتراع لبناء نظام جديد".
وأشار إلى "أنه لا يمكن تقييم الانتخابات القادمة على بقايا الحراك الذي يضم اليوم عشرات الآلاف، كما أن الحراك لم يفرز لنا مرشحاً، ومع ذلك سيجد الشعب المعارض والموالي ويمكنه معاقبته، كما سيجد من استقال من عهد بوتفليقة من يمكن أن يشفع له، وبالتالي فإن الناخبين أمامهم عدة خيارات، والشعب يحتفظ جيداً بصور تلك الوجوه التي كانت في النظام السابق لا يمكن أن ينساها، وهي التي ستدفع الجزائريين إلى انتخاب هذا ومعاقبة ذلك".
وختم بالقول "إن الشعب الجزائري يحسن الانتخاب إذا وجد الحرية وإذا تأكد بأن صوته مؤتمن عليه، أما إذا وقع له الشك في ذلك فإنه يعاقب بالمقاطعة أو بالتصويت الأبيض".
مانع أخلاقي سياسي
المحلل السياسي والأكاديمي، عبدالرحمن شريط، رأى أن الضمانات لنزاهة الانتخابات لا تتوقف فقط على الإجراءات القانونية والإدارية والأمنية.
وقال في تصريح لـ"العين الإخبارية" إن "أهم شرط لشفافية الانتخابات هو معرفة إن كان للسلطة مرشحا أم لا"، وتساءل عن أسباب ترشح أسماء من عهد بوتفليقة يرى بأنها "منبوذة شعبياً".
واعتبر أن "مشاركتها في النظام السابق يحتم عليها أخلاقياً عدم الترشح للانتخابات".
وأوضح الأكاديمي أن المرشح الذي بإمكانه الفوز في انتخابات الرئاسة القادمة "ألا يكون شخصاً غير معروف وهي القاعدة الأولى في الحالة الجزائرية، إضافة إلى أنه يجب أن يكون معروفاً بأياديه البيضاء في المنظومة السياسية القديمة، ولا يمكن رهن مستقبل البلاد بشخصيات مشبوهة حتى من التي ظهرت في الحراك، وتبقى شخصيات لا تحقق الإجماع، وأتوقع أن يرفض الجزائريون كل راقص في العرس البوتفليقي، ولا يمكن أن تشفع له أي مواقف لاستقطاب الناخب وإقناعه بانتخابه".
مشاركة ضعيفة
في مقابل ذلك، توقع الأكاديمي حسين قادري أن تشهد الانتخابات الرئاسية القادمة بالجزائر "نسبة مشاركة ضعيفة".
وأوضح أن "قياس نسبة المشاركة بالجزائر يبدأ من مرحلة التسجيل في القوائم الانتخابية، لكننا لاحظنا إقبالاً ضعيفاً خاصة من فئة الشباب على تسجيل أنفسهم في القوائم الانتخابية، وهو ما يعد مؤشراً قوياً على أن الانتخابات القادمة ستعرف مشاركة ضعيفة، وقد لا تتعدى 30 %".
وعلق المحلل السياسي عبدالرحمن شريط على توقعاته بخصوص مشاركة الجزائريين في انتخابات الرئاسة بالقول إنه "عندما يشتم الجزائريون رائحة التزوير، فإن ذلك لا يشجعهم على الذهاب إلى مراكز الاقتراع، والعبرة ليست بعدد المرشحين بل في سيرتهم ومسارهم السياسي، والجزائريون يملكون كل أسباب هذه التوجسات والمخاوف، رغم أنني من أكثر المقتنعين بأن حل الأزمة يمر عبر الانتخابات".
aXA6IDMuMTM1LjE4NC4xMzYg جزيرة ام اند امز