شقيق بوتفليقة.. محاكمة تاريخية لحاكم الظل
السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري المستقيل متهم بـ"التآمر على سلطتي الدولة والجيش".. فمن يكون هذا الرجل الغامض؟
اتجهت أنظار الجزائريين، الإثنين، إلى محاكمة تاريخية لم يسبق أن عاشتها البلاد منذ استقلالها لأركان نظام رئيسهم السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الذي أجبروه على الاستقالة في 2 أبريل/نيسان الماضي، عقب أضخم مظاهرات شعبية تشهدها الجزائر.
- انطلاق محاكمة "تاريخية" بالجزائر لشقيق بوتفليقة و3 آخرين
- سجن الحَرَّاش الجزائري.. جامع رموز بوتفليقة الأغنياء
ولعل شقيقه الأصغر ومستشاره الخاص "السعيد" من أبرز تلك الوجوه، بل "الرمز رقم 1" في نظام بوتفليقة، وأكثرهم إثارة للجدل والغموض، كما يقول المتابعون.
برز اسم السعيد بوتفليقة في 2013 عقب غياب شقيقه عن المشهد السياسي نتيجة الوعكة الصحية التي أدخلته مستشفى فال دوغراس بفرنسا لمدة 88 يوماً، ويصبح منذ ذلك الوقت اسم "السعيد" الأكثر تداولاً سياسياً وإعلامياً أكثر من شقيقه الأكبر بوتفليقة.
كان يوصف بـ"الحاكم الفعلي للجزائر من وراء الستار" "أو رجل الظل في المرادية" (قصر الرئاسة)، يعين ويقيل كبار المسؤولين ويصدر القرارات باسم الرئاسة الجزائرية، لكن ذلك لم يتأكد إلا في 2 أبريل/نيسان الماضي، عندما أصدرت وزارة الدفاع الجزائرية بياناً وصفت فيه شقيق بوتفليقة ومن معه بـ"القوى غير الدستورية والعصابة التي تحكم البلاد بختم الرئاسة".
وعقب استقالة بوتفليقة "تحررت حناجر" مسؤولين سابقين في نظامه، ليكشفوا عن خبايا شقيقه في دهاليز الحكم، وكيف "حوّل مرض الرئيس إلى علة دولة لم تشف منها بعد"، كما يقول المراقبون.
من هو السعيد بوتفليقة؟
هو الشقيق الأصغر للرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، واسمه الحقيقي "السعيد بلزعر" وفق ما أكدته مصادر أمنية جزائرية في وقت سابق لـ"العين الإخبارية".
ولد السعيد بوتفليقة في الأول من يناير/كانون الثاني 1958 بمدينة وجدة المغربية، قبل أن يعود مع عائلته إلى الجزائر بعد استقلالها عام 1962.
وجد السعيد نفسه شقيقاً لمسؤول كبير في الدولة الجزائرية حينما تولى عبدالعزيز بوتفليقة حقيبة وزارة الشباب والرياضة في عهد الرئيس الراحل أحمد بن بلة (1962– 1965) ثم وزيراً للخارجية في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين (1965– 1978).
سمح ذلك له بأن يتعلم في مدارس "أبناء المسؤولين"، بدءاً من الطور الابتدائي والمتوسط في مدرسة "سانت جوزيف للآباء البيض" بالعاصمة (1964– 1973)، ثم في ثانوية "اليسوعيين" التي حصل فيها على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) عام 1976.
حصل بعدها على شهادة مهندس من جامعة باب الزوار بالعاصمة الجزائرية سنة 1981، ليلتحق بشقيقه "عبدالعزيز" إلى فرنسا ويكمل دراسته في جامعة "بيير وماري كوري" التي حصل منها على دكتوراه درجة ثالثة في اختصاص "الذكاء الاصطناعي".
عاد السعيد بوتفليقة إلى الجزائر سنة 1987 ليشتغل أستاذاً في الفيزياء بجامعة باب الزوار إلى غاية تولي شقيقه عبدالعزيز حكم الجزائر في أبريل/نيسان 1999، وينتقل معها من أروقة الجامعات إلى دهاليز الحكم.
لم يكن "السعيد" معروفاً عند الجزائريين "لا اسماً ولا صورة"، إلى أن جاءت انتخابات الرئاسة في أبريل/نيسان 2009 حين ظهر مع الرئيس السابق وشقيقهما عبدالناصر في مركز التصويت.
ومنذ ذلك الوقت، ظل مرافقاً ملتصقاً بـ"شقيقه الرئيس" في ظهوره الرسمي واستقباله المسؤولين والشخصيات العامة، قبل أن تخرج وسائل الإعلام الجزائرية بأخبار تفيد بأنه "مستشار بوتفليقة" دون أن تصدر الرئاسة الجزائرية أي قرار بذلك.
واتضح بعد ذلك أن السعيد بوتفليقة كان المشرف الأول أيضاً على الحملات الانتخابية للرئيس الجزائري المستقيل في جميع الانتخابات، التي ترشح فيها وفاز بها (2004، 2009، 2014).
السيد 15%
بعد استقالة الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة، بدأت تتكشف جوانب كثيرة من أسرار حكم بوتفليقة للبلاد، وكان بيرنار باجولي، السفير الفرنسي الأسبق بالجزائر (2006 – 2008)، من بين الذين قدموا شهادات "صادمة" عن "مستشار وشقيق الرئيس الجزائري".
وفي مقابلة له مع القناة الفرنسية – الألمانية "Arte" شهر يوليو/تموز الماضي، وصف السفير الفرنسي الأسبق السعيد بوتفليقة بـ"السيد 15%"، وكشف عن أنه كان "يشترط على كثير من المستثمرين الأجانب والمحليين نسبة 15% من المشاريع والصفقات العمومية التي كانت تُمنح بقرار مباشر منه".
"صانع" رجال الأعمال
كما كشفت "الحرب على الفساد" التي شنتها الأجهزة القضائية والأمنية الجزائرية منذ مارس/آذار الماضي ضد رموز نظام بوتفليقة، عن المزيد من فضائح الفساد التي طبعت حكم الرئيس المستقيل، الذي عمد بحسب ما ذكرته قيادة الجيش الجزائري، إلى "حماية الفاسدين قانونياً من الملاحقة مع شقيقه".
وأثبتت التحقيقات القضائية أن السعيد بوتفليقة كان وراء ظهور عدد كبير من رجال الأعمال، حتى إن من وصفهم بـ"وكلاء أعمال شقيق الرئيس" وليسوا رجال أعمال كما كان يروج لهم، والموجودين جميعهم في سجن الحراش بتهم فساد عديدة؛ من أبرزهم علي حداد، ورضا كونيناف ومراد عولمي، وإسماعيل بن حمادي وغيرهم.
كما كشفت مرحلة "ما بعد بوتفليقة" بحسب تقارير إعلامية جزائرية، أن كبار المسؤولين القابعين في السجن بتهم فساد من رؤساء حكومات ووزراء كانوا يتلقون أوامرهم مباشرة من السعيد بوتفليقة.
بالإضافة إلى تدخل رجال الأعمال المقربين منه في تعيين بعض الوزراء وإقالة آخرين ورؤساء الشركات الحكومية، والتدخل في سن بعض القوانين المرتبطة بالاستثمار التي عرضت على البرلمان الجزائري في العشرية الأخيرة.
وبفضل تحكمه في القرار بالجزائر، تمكن السعيد بوتفليقة من التأسيس لـ"شبكة فساد واسعة ومتشعبة في البلاد" كما ذكرت قيادة الجيش أكثر من مرة، امتدت إلى غالبية القطاعات من البنوك والوزارات والشركات الحكومية والخاصة.
وأظهرت مصادر إعلامية جزائرية وعالمية في السنوات الأخيرة، أن فترة حكم بوتفليقة للجزائر شهدت "تهريب نحو 500 مليار دولار خارج البلاد، من بينها أكثر من 320 مليار دولار في العشرية الأخيرة"، وفق ما جاء في وثائق بنما.
السعيد وسقوط بوتفليقة
يقول المتابعون للشأن الجزائري، إن خروج ملايين الجزائريين في 22 فبراير/شباط الماضي، لم يكن مرتبطاً فقط بترشح بوتفليقة لولاية خامسة، بل نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية تسبب فيها تدخل شقيقه في حكم البلاد.
وبعد ظهور بوتفليقة في يناير/كانون الثاني الماضي في جولة بالعاصمة بذلك الوضع الصحي المتردي، أمل جزائريون في أن تكون ذلك الظهور بمثابة "حجة الوداع" كما ذكر عدد منهم لـ"العين الإخبارية".
لكن تسارع الأحداث بعد الإعلان عن انتخابات الرئاسة في 18 أبريل/نيسان الماضي، غيّر من معادلة اللعبة السياسية في الجزائر، ونجم عن "ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة" كما كشفته الأحداث، التي كان وراءها شقيقه ومقربون منه من أحزاب وشخصيات أمنية وسياسية موجودة حالياً بالسجن، وضع سياسي "غير الذي خطط له المحيطون به".
لتخرج المؤسسة العسكرية الجزائرية عقب أكبر اجتماع لقادتها منذ ربع قرن بقرارات حازمة، تدعوا بوتفليقة والمقربين منه إلى الانسحاب من السلطة والتعجيل في تطبيق المادة الـ102 التي تقر بشغور منصب الرئيس.
موقف الجيش الجزائري فاجأ الجميع، وطرح المتابعون تساؤلات عن الأسباب التي دفعته إلى سحب البساط من تحت أقدام عبدالعزيز بوتفليقة وشقيقه وكل أركان نظامه، رغم حديث قائد الأركان عن اجتماعات مشبوهة مع أطراف أجنبية لـ"الانقلاب على قيادة الجيش".
وبعد قرابة شهر عن استقالة بوتفليقة، خرج وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار (1990 – 1993) عن صمته، وكشف في مقابلة مع صحيفة جزائرية نهاية أبريل/نيسان الماضي، عما أسماه "كواليس اللحظات الأخيرة من حكم بوتفليقة".
وكشف "نزار" عن أن السعيد بوتفليقة كان بصدد اتخاذ قرارات خطيرة، تتمثل في إعلان حالة الطوارئ وإقالة قائد أركان الجيش للتمسك بمقاليد الحكم"، وأكد في المقابل أنه "كان صانع القرار الوحيد في الجزائر مع مجموعة من المحيطين به".
كما أكدت وسائل إعلام فرنسية لقاء السعيد بوتفليقة برفقة شخصيات أمنية وسياسية أخرى بمسؤولين رفيعي المستوى من المخابرات الفرنسية في باريس، شهر مارس/آذار الماضي، لبحث "إمكانيات تمرير مشروع الولاية الخامسة، أو تمرير مشروع آخر يبقي على نفوذ السعيد بوتفليقة وبعض المقربين من الدوائر الفرنسية في الجزائر".
وفي 4 مايو/أيار الماضي، ألقت قوات أمنية خاصة القبض على السعيد بوتفليقة ورئيسي جهاز المخابرات السابقين محمد مدين وبشير طرطاق ونقلتهم إلى المحكمة العسكرية بالبليدة.
وفي اليوم نفسه، أمر قاضي التحقيق بوضعهم في السجن بتهم ثقيلة تتعلق بـ"التآمر على سلطتي الدولة والجيش"، وهي التهم التي تصل عقوبتها حد "الإعدام".