أزمة "صناعة النشر" في مصر عقب التعويم .. هل تنقذها الدولة بالدعم؟
سوق النشر المصري مضطر للبحث عن بدائل جديدة لإنقاذ صناعته التنويرية، مواكبا في ذلك التغيرات الاقتصادية المتلاحقة.
يبدو أن سوق النشر المصري مضطر للبحث بدائل جديدة من لإنقاذ صناعته التنويرية، مواكبا في ذلك التغيرات الاقتصادية المتلاحقة، لا سيما قرار البنك المركزي المصري الأخير بتعويم الجنيه في 3 نوفمبر /تشرين الأول 2016."صناعة النشر تواجه صعوبات عقب قرار التعويم بعدما ارتفعت أسعار الورق بشكل كبير، والذي يدخل في صناعة ما يتراوح بين 55 إلى 60% من الكتاب" يقول رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد، في تصريحات لـ"بوابة العين".
يتابع "يكفي القول إن طن الورق كنا نشتريه العام الماضي بثمانية آلاف جنيه، ومع أوائل العام ارتفع إلى نحو 18 ألف جنيه ومن المتوقع أن يرتفع سعره لأكثر من ذلك".
يضيف أن بعض الناشرين يحاولون الآن إلى اللجوء إلى بعض الحلول مثل تقليل هامش الربح الذي يحصلون عليه، والاتفاق مع المؤلفين لتقليل هامش ربحهم، في محاولة لأن يصبح سعر الكتب مقارباً لما كان عليه في الماضي قبيل التعويم، معلّقا "مع ارتفاع سعر الدولار سيصبح الكتاب الذي كان يباع بثلاثين جنيهاً مثلاً يصل سعره إلى 120 جنيهاً ولكن مع محاولات تقليل هامش الربح منّا يمكن أن يصبح بخمسين جنيهاً مثلاً أو في هذا النطاق".
وحول تأثير غلاء مستلزمات الطباعة على معرض الكتاب في مصر لهذا العام، قال رشاد إنه من المتوقع ألا يتضمّن المعرض الكثير من المؤلفات والعناوين الجديدة، إذ اضطرت الأزمة بعض دور النشر إلى الإغلاق أو التوقف عن الطباعة، كما اضطرت دور أخرى إلى تقليل إنتاجها بنسبة 50% وأكثر، لكن يبقى التفاؤل قائماً في نجاح المعرض هذا العام في استمرار القراء المصريين في شراء الكتب لحرصهم عليها.
وزراء الثقافة العرب
رئيس اتحاد الناشرين العرب يرى أن الحل هو تدخّل الدولة لدعم الناشرين، إذ إن زيادة أعداد النسخ المطبوعة من الكتب يمكن أن يكون حلاً، وتقوم الدولة بتخصيص ميزانية معينة للمكتبات المدرسية والجامعية والعامة لتحصل على تلك الكتب، في الوقت نفسه عليها تفعيل مشاريع التحفيز على القراءة، مضيفاً "قدمنا كاتحاد مذكرة للأمين العام لجامعة الدول العربية نطالب فيها بتدخل الحكومات العربية لدعم صناعة النشر ومن المقرر أن يناقش هذا الأمر في مؤتمر وزراء الثقافة العرب الذي سينعقد في مصر في عام 2018".
رشاد يطالب في السياق نفسه بتفعيل الدولة بصرامة لقوانين الملكية الفكرية، والتي من شأنها الحد من السرقات الورقية والإلكترونية.
من جانبه، قال الناشر محمد البعلي، مدير دار "صفصافة للثقافة والنشر" إن الناشرين لا يزالون حتى الآن غير قادرين على التحديد الدقيق للمدى الذي تأثرت به صناعة النشر في مصر عقب التعويم، لأن دائرة النشر بطيئة وتستغرق خطاً زمنياً يتراوح ما بين ثلاثة وستة أشهر، ولكن هناك مشكلة واضحة تحدث بعد ارتفاع مستلزمات الطباعة لأكثر من 100% .
يتابع البعلي، في تصريحات لـ"بوابة العين"، أن الآثار الناجمة عن التعويم ستظهر في معرض الكتاب المقبل، إذ سترتفع تكلفة الكتب بعدما ارتفعت تكاليف كل مدخلات صناعتها من مستلزمات الطباعة والتخزين والنقل وأجور العاملين عليها، والذي سيؤثر بالضرورة على دور النشر التي توقع أن تتراجع مبيعاتها بفعل الأزمة.
البعلي يلقي الضوء على الجانب الآخر للأزمة والمتمثل في انخفاض القدرة الشرائية للقراء المصريين، إذ يقول إن ارتفاع سعر الدولار خلق حالة من التضخم ورفع أسعار السلع الأساسية في الوقت الذي ظلّت فيه مرتبات المواطنين ثابتة بدون زيادة.
يعلّق بقوله "القارئ النخبوي ربما يتحمل، لكن لا يوجد لدينا تأكيد أن القارئ العادي سيتحمّل هذا الارتفاع في التكاليف لأن التضخم سيدفعه إلى التركيز على أولوياته الاقتصادية".
البعلي يتفق مع رئيس اتحاد الناشرين العرب في أن دعم الدولة غير المباشر للصناعة من خلال التركيز على المكتبات العامة، سيساعد على تحريك السوق وإنقاذ الهيكل الرئيسي لصناعة النشر، مضيفاً أن هناك أنواعا من الكتب ثقيلة المحتوى أو التي تتضمّن دراسات ومعلومات تاريخية يجب التركيز على إنتاجها لأنها تصنع الثقافة.
وعلّق بقوله "بجانب ارتفاع الأسعار لا يمكن أن نغفل التحديات الأخرى التي تواجهها صناعة الكتب مثل الإنترنت الذي أتاح الكتب الإلكترونية، وخطر القرصنة".
دائرة جهنمية
في السياق نفسه، يقول وائل الملاّ ،مدير دار "مصر العربية للنشر والتوزيع"، في تصريحات لـ"بوابة العين":إن الصناعة تواجه دائرة مغلقة وجهنمية من الصعوبات التي تبدأ بارتفاع مستلزمات الطباعة وتنتهي بضعف القدرة الشرائية للمواطنين.
يتابع :"كنّا نشتري رزمة الورق بحوالي 128 جنيهاً والآن أصبحت بـ280 جنيهاً أي أكثر من الضعف".
دار النشر التي يديرها الملاّ لجأت إلى بعض الحلول لمحاولة التصدي للأزمة، فيقول :"حاولنا تقليل العناوين "الكتب" التي ننشرها واكتفينا في بعض الأوقات بتقليل عدد النسخ المطبوعة من الأعمال فأحياناً نطبع ألف نسخة فقط من بعضها، أيضاً لجأنا إلى الطباعة المشتركة في بعض الأوقات مع دور نشر أخرى لاقتسام التكاليف".
يتوقع الملاّ أن يختلف معرض الكتاب هذا العام في مصر بعدما اضطرت بعض دور النشر الكبرى والمطابع إلى الإغلاق، بعدما وجدت نفسها تتعرض لخسائر كبيرة لا تستطيع معها الاستمرار، في الوقت نفسه قال عن الناشرين اضطروا إلى رفع الأسعار بعد الزيادات الأخيرة .
يتابع أن المعرض هذا العام سيضم عددا لا بأس به من الكتب، ولكن سيشهد حركة بيع ضئيلة لأن القراء سيفكرون في توفير أموالهم للسلع الأساسية في حياتهم التي ارتفعت أسعارها بفعل التعويم وفي الوقت نفسه ظلّ دخلهم الشهري كما هو، مؤكداً أن نسبة المبيعات ستشهد انخفاضاً خلال الفترة القادمة.
مدير "مصر العربية" لا يتفق مع سابقيه في المطالبة بدعم الدولة لصناعة النشر، فيقول:" لا أظن أن الدولة حالياً معنية بصناعة النشر إذ إنها منشغلة بصناعات تراها أكثر أولوية مثل صناعة الأدوية والغذاء وغيرها من الأساسيات التي يعد الكتاب بالنسبة لها منتجاً ثقافياً وترفيهياً، هذا مع إيماني الكامل بأن الكتاب سلعة لها نفس أهمية السلع الأساسية".
aXA6IDMuMTUuMzEuMjcg جزيرة ام اند امز