بوتين المخضرم يشهر "دبلوماسية الطاولات" بوجه ضيوفه
كسياسي مخضرم وضابط مخابرات سابق يمرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسائل استراتيجية ليس فقط عبر خطابه وإنما من خلال صناعة المشهد.
وخلال الأسابيع الماضية كانت طاولة لقاءات بوتين صندوق بريد يمرر عبرها رسائل رمزية منذ أن التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبيل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
واجتمع الرئيسان أوائل شهر فبراير/شباط الماضي بمواجهة بعضهما بعضا عند نهاية طاولة بيضاء ذات طول غريب، وأصبحت الصورة بمثابة تعبير مجازي عن المفاوضات المشحونة بشأن أوكرانيا.
وحينها أثارت الطاولة الممتدة جدلا بعد أن اعتبرت رسالة من موسكو بشأن حجم التباعد بين روسيا وعواصم غربية حول تحديات الأمن القومي الروسي في ضوء تمدد حلف شمال الأطلسي إلى تخوم حدود البلد الذي كان في يوم من الأيام القطب الثاني في حرب كونية باردة على خارطة العالم.
ورغم أن الكرملين برر بعد المسافة الذي ظهر خلال محادثات بوتين وماكرون بموسكو، قائلا إن الرئيس الروسي أُبقي على مسافة من نظيره الفرنسي خلال المحادثات لرفض الأخير إجراء اختبار كوفيد-19 في روسيا قبل اجتماعهما، إلا أن الطاولة عادت إلى الظهور اليوم الثلاثاء خلال لقاء بوتين مع الأمين العام للأمم المتحدة.
وكان ماكرون حينها متحمسا للقاء بوتين من أجل إيجاد "حل تاريخي" لتهديد اعتبر حينها وشيكا بالحرب، لكن بعد خمس ساعات من المحادثات على الطاولة البيضاء، فشل ماكرون في انتزاع أية تنازلات كبيرة من بوتين، رغم المؤشرات الإيجابية التي أعقبت اللقاء والتي أظهرتها تصريحات مسؤولين في كل من كييف وموسكو.
وفي 24 فبراير/شباط أطلق بوتين عملية عسكرية في أوكرانيا بهدف نزع سلاح البلد السوفيتي السابق الذي كان يسعى للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
وظهر بوتين لاحقا في عدد من اللقاءات مع مسؤولين تعتبرهم روسيا موالين لها على طاولات صغيرة في مشهد بدا أكثر حميمية.
وحدث ذلك خلال لقاء بوتين مع نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أقرب حلفاء بوتين والذي تلعب بلاده دورا رئيسيا لوجيستيا في العملية العسكرية الروسية.
وظهر المشهد الحيمي نفسه خلال لقاء جمع بوتين مع رئيس جمهورية إنغوشيا مخمود علي كاليماتوف في الكرملين في موسكو نهاية مارس/آذار الماضي.
ولم يعرف ما إذا كان القائدان الحليفان قد خضعا لشروط روسيا بشأن اختبارات كورونا وهي الحجة التي رفعت لتبرير الطاولة البيضاء.
وخلال مباحثهما اليوم، قال الرئيس الروسي للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في موسكو إنّه ما زال لديه "أمل" في المحادثات مع أوكرانيا لإنهاء الحرب الدائرة بين البلدين.
وأضاف بوتين لغوتيريش "رغم حقيقة أنّ العملية العسكرية مستمرة، ما زلنا نأمل في أن نتمكّن من التوصّل إلى نتيجة إيجابية" من المفاوضات.
وأوضح بوتين فيما جلس مقابل غوتيريش إلى طاولة طويلة في الكرملين، أنّ الجهود المبذولة في المحادثات مع أوكرانيا تعثّرت بسبب الاتهامات التي وجّهتها كييف إلى قواته بارتكاب فظائع في بلدة بوتشا قرب كييف.
وربما حملت الطاولة البيضاء حماسا أقل من النبرة التي حملتها كلمات بوتين بشأن إمكانية التوصل لنتيجة إيجابية في المفاوضات الدائرة لإنهاء الأزمة التي تلقي بظلالها على العالم.