قيس سعيد.. أستاذ القانون الدستوري الذي لقن الإخوان الدرس الأخير
أبى أن يختتم عامه الثاني في الرئاسة قبل أن يكتب اسمه في تاريخ تونس بقرارات استثنائية ستجني البلاد ثمارها لاحقا بعد التخلص مما يوصف بـ"الشر الأكبر" وهو تنظيم الإخوان المتمثل في حركة النهضة والإطاحة بها من مفاصل الحكم.
قيس سعيد أو الرئيس الفصيح كما يحلو للبعض أن يلقبه، أصبح حديث القاصي والداني بعد جملة قرارات ثورية اتخذها بعد أن طفح الكيل ووصل اليأس منتهاه للتونسيين جراء تعنت حركة النهضة الإخوانية وتعطيلها للمسارات الديمقراطية مستغلة مظلة البرلمان والحصانة.
وبين ليلة وضحاها سحب سعيد البساط من تحت أقدام الإخوان وأعلن تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن جميع أعضائه، وأقال رئيس الحكومة الموالي لحركة النهضة هشام المشيشي، وترأس هو شخصيا السلطة التنفيذية في انتظار قرارات أخرى لاحقة تكتب نهاية غير سعيدة للتنظيم الإرهابي.
ومنذ وصول سعيد لسدة الحكم في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، لم تتوقف مؤامرات الإخوان لتقييد حركته ومنعه من الوفاء بوعوده الخاصة بالقضاء على الفساد، والنهوض بالاقتصاد الذي عانى خلال الفترة الماضية، الأمر الذي جعل الفترة الماضية مليئة بالصدام والصراع مع شيخ الفتنة والتخريب راشد الغنوشي.
ومنذ ظهوره الأول عقب انتخابه رئيسا غزا عقول قسم واسع من التونسيين بذات اللكنة التي لطالما ميزته، وبذات اللغة العربية الفصحى التي دائما ما يتحدث بها في السر والعلن.
سعيد "الرجل الغامض" يقلب معادلة المشهد السياسي في تونس، ويسرق الأضواء من الأحزاب، فيحلق فوقها، الأكاديمي الصارم الذي لم يكن طلابه يعتقدون أنه قادر على التحدث بالعامية كما يفعل الجميع، أو على الخروج من ذلك المظهر الصارم لأستاذ القانون الدستوري الذي لم يعرف في حياته عملا سوى التدريس بالجامعات.
واليوم، هاهو يرسم معادلته الخاصة، بنواميسه وقواعده التي فرضها، وبذات الاختلاف الذي ربما قد يكون سر قدرته على جذب الشباب وحتى قواعد الأحزاب.
وأعلن سعيد أمس الأحد تجميد كلّ أعمال مجلس النوّاب وإعفاء المشيشي من منصبه بعد يوم شهد مظاهرات ضدّ حركة النهضة الإخوانية في كثير من المدن في أنحاء البلاد على الرغم من انتشار الشرطة بشكل كثيف للحدّ من التنقّلات.
وأعلن سعيّد عن هذه القرارات بموجب الفصل 80 من الدستور عقب اجتماع طارئ في قصر قرطاج فيما تُواجه البلاد أزمة غير مسبوقة على المستوى السياسي والصحي أيضا في صراعات على السلطة وتعنت الإخوان.
الطريق إلى قصر قرطاج
لم يكن الثالث عشر من أكتوبر/تشرين أول 2019، يوما عاديا يعيشه سعيد، وهو يرى حلم حياته يتحقق بتصدره نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية.
فبقليل من المال وكثير من الغموض، استطاع الوافد الجديد على الساحة السياسية في تونس، أن يفك شيفرة شريحة كبيرة من أبناء شعبه الذين استعصى عليهم حتى وقت قريب من الانتخابات فهم شخصيته الغامضة.
تقشفه واضح من الوهلة الأولى التي تطأ فيها قدماك تلك الشقة المتواضعة التي احتضنت حملته الانتخابية في نهج ابن خلدون الشعبي بالعاصمة تونس، نهج اكتظ بمطاعم شعبية وباعة يجرون عرباتهم.
بيد أن تلك الشقة الصغيرة التي تتراءى للمارة بنوافذ مهشمة وأبواب متهالكة وقليل من الكراسي البلاستيكية، صنعت من حلم الجلوس على كرسي قرطاج حقيقة.
ملامحه الصارمة ومقهاه الذي تعود على الجلوس فيه محاطا بطلبة وشباب ازدحموا حوله يبغون السفر في مكامنه ومحاولة فك البعض من غموضه، جميعها تشي بأنك أمام شخصية مختلفة بكل المقاييس.
قيس سعيد في سطور
عام 1958, ولد قيس سعيد في تونس العاصمة سنة 1958، ليلتحق بدراسة القانون الدولي العام، ويحصل على شهادته العليا من كلية الحقوق والعلوم السياسية في البلاد.
بعد أن نال شهادته الجامعية من كلية الحقوق والعلوم السياسية، استكمل الشاب دراساته العليا في الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري في تونس، ليسافر إلى إيطاليا وينخرط في المعهد العالي للقانون الإنساني في سان ريمو.
في حياته المهنية التي بدأها عقب تخرجه عام 1986، التحق قيس سعيد بقطاع التعليم، حيث عمل مدرسًا في كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية في سوسة، شرقي تونس.
وخلال العمل في كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية، شغل منصب مدير قسم القانون العام بين 1994 و1999.
لكنه في العام 1999 انتقل للتدريس في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس العاصمة.