لو تركنا جانبا تلك الخسائر الفادحة التي تكبدتها الأمة العربية جرّاء ما سمّي زورا وبهتانا بـ"الربيع العربي"، والتي لعبت به "الجزيرة" دورَ نافخ الكير لوجدنا أن تلك الخسائر كان من الممكن جدا أن تبني عراقا مجيدا ويمنا سعيدا وشاما ومغربا عربيا رغيدا
هل سعى النظام القطري وعبر ذراعه الإعلامية "قناة الجزيرة" للعب دور تكون فيه بلادهم أشبه "بخضراء الدمن" التي حذر منها النبي محمد عليه السلام، إن صح عنه هذا الحديث، والذي عرّفها بأنها الفتاة الحسناء في المحيط السيئ؟
المتابع لتغطيات "الجزيرة" وبرامجها التي تعكس سياسة النظام القطري ككل، يجد لديه الكثير من المؤشرات التي تجعله يجيب على سؤالنا أعلاه بقلبٍ مطمئنٍ بالإيجاب.
فلو تركنا جانبا تلك الخسائر الفادحة التي تكبدتها الأمة العربية من الأرواح والأموال الطائلة جراء ما سمي زورا وبهتانا بـ"الربيع العربي"، والتي لعبت به "الجزيرة" دورَ نافخ الكير، لوجدنا أن تلك الخسائر كان من الممكن جدا أن تبني عراقا مجيدا ويمنا سعيدا، وشاما ومغربا عربيا رغيدا، فقط لو تخلت هذه "البريعصة" النافخة بنار الفتن عن سياستها العبثية الرامية إلى إبقائها وحدها (قطر) تحلم بأن تكون نرجسة في محيط ملتهبٍ تماما كخضراء دِمَن.
لكن هيهات لها أن تحقق مآربها المشينة تلك، حيث استفاقت لها الشعوب الآن، وعلمت بما يراد لها من دمارٍ وهوان، عبر مخططات شيطانية، يرعاها العدوان اللدودان لكل نهضة قومية عربية مأمولة (مرشد الإخوان ومرشد إيران) اللذان لا يرشدان إلا كما ترشد على الخراب الغربان.
لو تركنا جانبا تلك الخسائر الفادحة التي تكبدتها الأمة العربية جرّاء ما سمّي زورا وبهتانا بـ"الربيع العربي"، والتي لعبت به "الجزيرة" دورَ نافخ الكير، لوجدنا أن تلك الخسائر كان من الممكن جدا أن تبني عراقا مجيدا ويمنا سعيدا، وشاما ومغربا عربيا رغيدا
مثالان فقط للتدليل على النوايا الخبيثة لقناة الجزيرة وما تلمه من "زعران"، يمكنك القياس عليهما أيها القارئ "الفهمان"، فلقد بثت القناة الوثائقية للجزيرة قبل عام برنامجا حول مقتل الزعيم الوطني الأردني (وصفي التل) الذي اغتيل على أيدي مجموعة فدائية فلسطينية في القاهرة إثر الفتنة التي نجم عنها حرب أيلول الأسود، بين الأشقاء الفلسطينيين والأردنيين في العام 1970، وقد احتاج الجانبان لعشرات السنوات كي يتناسوا تلك المأساة والدماء التي أريقت فيها ويفتحان صفحة جديدة، لتأتي قناة الجزيرة وتفتح ملفا تحقيقيا جديدا ينكأ تلك الدمامل التي تشافت بمرور الزمان وجهود الأشقاء الطيبة، لقاءاتٌ قميئة ومسمومة مع القتلة يضحكون ويفتخرون بجريمتهم النكراء، وأبناء الشهيد "التل" وأحفاده ما زالوا أحياءً يرزقون، الأمر الذي كاد أن يثير سخطا وفورة غضب عارمة بين الأجيال الجديدة التي لم تعاصر تلك الأحداث، لولا حكمة الحكماء من كلا الجانبين، فهل من تفسيرٍ آخر لفتح هذا الملف الأسود سوى محاولة "الجزيرة" العبث بأمن واستقرار الأردن؟ مستكثرة على هذا البلد القابض على الجمر من الخروج سالما من فوضى الربيع العربي المشؤوم؟
المثال الآخر يكمن هناك في لبنان، حيث أدمت الحرب الأهلية الطائفية التي استمرت فيها لأكثر من عقد بين الأشقاء، وبالكاد راحت تتعافى من تلك الفتنة التي دمرت كل شيء فيها وأعادتها للوراء مئات الأعوام، لتأتي "الجزيرة" وتبث في وثائقيتها غير الوثيقة، شهادات حية تصف بأدق التفاصيل ما كان من أحقاد ودسائس وصور مذابح واغتصاب.. بل ولقاءات مع قتلة يتفاخرون بجرائمهم على مرأى ومسمع أبناء الضحايا والأحفاد.
إنني لم ألُم في بداية الأمر الساسة في قطر (لأنه ليس على المريض حرج)، بل أنحيت باللائمة على النخبة الإعلامية والثقافية والدينية فيها، والتي رأت بعينها ما تنطوي عليه تلك السياسة الرعناء من خطورة تقضي على آخر أمل تبقى لهذه الأمة في البقاء، لكنني سرعان ما عذرتهم على تخاذلهم وقلة حيلتهم حين تذكرت المثل العربي الشائع الذي يقول: "إذا ألقى المجنون حجرا في البئر، فلن يتمكن ألف عاقل من إخراجه".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة