"صفقة الدم" بين قطر وكريم واد.. "حمم" تميم تطال السنغال
وسائل الإعلام السنغالية فضحت ما أسمته "صفقة الدم" المبرمة بين تميم وكريم واد نجل الرئيس السنغالي السابق.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، غادر أمير قطر تميم بن حمد السنغال خائبا غاضبا، بعد أن رفض رئيسها ماكي سال الانخراط في المخططات القطرية التخريبية، وهو ما كان بمثابة الصفعة المدوية التي لم تغفرها الدوحة أبدا على ما يبدو.
ولرد الصفعة التي تسببت للدوحة في إهانة تردد صداها عبر القارات، كان لا بد لتميم أن يلعب كالعادة على وتر التجاذبات الداخلية للسنغال، واستقطاب الطرف المعارض للسلطة من أجل دعمه وإشعال نار الفتنة والفوضى.
وهذا بالضبط ما كشفته بعض وسائل الإعلام السنغالية مؤخرا، بفضحها لما أسمته «صفقة الدم» المبرمة بين تميم وكريم واد نجل الرئيس السنغالي السابق، عبد الله واد، التي أعلن بمقتضاها الأخير ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة ببلاده في 2019.
إعلان يمهد لعودة كريم إلى البلاد، ولمواجهة سال والصعود إلى الحكم، مع ما يحمله من سيناريو مماثل لمخاطر انزلاق البلاد إلى أتون أزمة سياسية خانقة، واقتتال داخلي بين أنصار سال ومعارضيه.
داكار ترد بقوة
مخطط سرعان ما استشعرته السلطات السنغالية، بل قد يكون متوقعا بالنسبة لها بالنظر إلى النتائج المخيبة لآمال تميم في زيارته الأخيرة لداكار، حيث لم يفلح الأخير في استقطاب البلد الإفريقي إلى صفوفه، وضمان وقوفه معه في مواجهة الدول التي قاطعته منذ يونيو/حزيران الماضي، لدعمه الإرهاب، وفق إعلام محلي.
وبما أن حساسية الوضع تفرض تحركا فوريا من قبل داكار، فقد اتهمت الأخيرة الدوحة صراحة بالتواطؤ مع نجل الرئيس السابق، واصفة الأمر بأنه «خديعة» للسنغاليين ترمي للزج بهم في اقتتال داخلي وخيم العواقب.
ولوضع اللمسات الأخيرة على المخطط القطري، ادعى كريم واد مؤخرا أنه في «نفي قسري» بالدوحة، ما يصنفه ضمن قائمة المعارضين السياسيين المنفيين من قبل النظام، مع أن الرجل غادر سجنه بداكار عقب الإفراج عنه بوساطة قطرية، مباشرة نحو الدوحة، كما أن «النفي القسري» يشترط توفر عنصر الإكراه على مغادرة البلاد، وهذا ما نفته السلطات السنغالية، ونفاه تسلسل الأحداث المتعلقة بالإفراج عن واد الابن.
بوابة «ليرال» السنغالية، وصفت ادعاءات كريم الأخيرة بـ«الخديعة»، وبأنها محاولة من الدوحة لاستثمار وجوده على أراضيه لاستخدامه ورقة ضغط على نظام سال، تمهيدا للإطاحة به، انتقاما من السلطات السنغالية التي رفضت الانخراط في الأجندة القطرية الداعمة للإرهاب.
"مناورة سياسية" أضاف الموقع السنغالي أن شعبه لن يتسامح معها أبدا، محذرا من تبعات خطوة مماثلة، خصوصا أن كريم مدان في قضايا متعلقة بـ«الإثراء غير المشروع» أي بالفساد، ما يقصيه آليا من الترشح لقيادة البلاد، دون إغفال ما يعنيه ترشحه في حد ذاته من إثارة الفوضى التي قد تلقي بظلالها على استقرار البلاد.
عودة وترشح تدرك الدوحة جيدا ما قد يحملانه من مخاطر على داكار، خصوصا أن كريم يعد خيار حزب والده «الحزب الديمقراطي السنغالي» في انتخابات 2019، مع ما يستبطنه هذا الأمر من إمكانية تحالف الحزب مع أحزاب معارضة أخرى لتشكيل جبهة تفرش لكريم سجاد الوصول إلى القصر الرئاسي، لتصبح السنغال تحت الوصاية القطرية، هذا في حال نجحت في تجاوز حمام الدم الذي تفجره عودة كريم إلى البلاد، قبل كل ذلك.
الحكومة السنغالية لم تتأخر بدورها في الرد على ادعاءات كريم الكاذبة، وعلى المخطط القطري من ورائه، حيث قال سايدو جي، المتحدث باسمها وباسم حزب «التحالف من أجل الجمهورية» الحاكم، في بيان، إن كريم اختار طوعا الإقامة بقطر، وإن نظام الرئيس سال أفرج عنه في عفو رئاسي، لـ«أسباب إنسانية».
كريم واد.. ورقة الضغط القطري
بدأت محاكمة كريم واد (49 عاما) في 30 يوليو/تموز 2014، بتهمة «الإثراء غير المشروع»، غير أنّ المحكمة اضطرّت لتعليقها مرارا بسبب احتجاجات المحامين في اختصاص المحكمة وأهليتها للحكم على موكّلهم.
وتمكن كريم من جني ثروة تقدر بمئات الملايين من الدولارات، وقد طالبته المحكمة بتبرير مشروعية اقتنائه لمنزلين و8 سيارات فاخرة وعدد من شركات الطيران وبعض الممتلكات في إمارة موناكو الفرنسية وفي سنغافورة.
وفي مارس/آذار 2015، أدانت محكمة سنغالية خاصة واد الابن، وقضت بسجنه 6 سنوات نافذة للتهمة نفسها، خلال توليه مناصب رفيعة في عهد والده (2000 ـ 2012).
وتقلّد كريم واد منصب وزير البنية التحتية والتعاون الدولي والمواصلات الجوية في فترة حكم والده، وقامت السلطات بسجنه منذ أبريل/نيسان 2013، أي بعد عام من هزيمة والده في الانتخابات السنغالية عام 2012.
لكن بعد 3 سنوات من سجنه، قالت وسائل إعلام سنغالية إن الدوحة تدخلت لإطلاق سراحه واستضافته على أراضيها، قبل أن يعلن واد الابن من هناك ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما أثار غضب ماكي سال.
وترجح المصادر نفسها أن هذا الملف هو ما غير مجرى زيارة تميم إلى داكار نهاية العام الماضي، وهو السبب الذي جعله يغادر سرا وقبل المبعاد المحدد لنهاية زيارته.
نيران يبدو أنها تأججت في اللقاء الثنائي بين تميم وسال، ما بتر حتى الشكليات البوتوكولية التي تفرض عقد مؤتمر صحفي مشترك عقب اللقاء، ودفعت أمير قطر إلى المغادرة محملا بخيبتين: أولاهما رفض داكار على ما يبدو للاصطفاف وراء المخطط التخريبي القطري في إفريقيا والعالم العربي، والأخرى حنقها على ملف نجل الرئيس السابق وتوظيفه من قبل الدوحة.