يُشكل إنتاج السعودية والإمارات والكويت نصف إجمالي إنتاج «أوبك»، لذلك من حقها أن يكون لها القول الفصل في الاتفاقيات.
كما هي عادة الإعلام القطري أثار ضجة لا معنى لها بسبب قرار قطر الخروج من منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك»، علماً بأن تاريخ المنظمة شهد من قبل خروج بلدان أهم من قطر من ناحيتي الاحتياط النفطي وحجم الإنتاج، كإندونيسيا التي خرجت من المنظمة وعادت أكثر من مرة، وكذلك فعلت قبلها الإكوادور والجابون، مما يعني أنه لا جديد في هذا الجانب، سوى الإثارة الإعلامية بهدف خلط الأوراق ولفت الانتباه في وضع متقلب لأسواق وأسعار النفط.
من مصلحة معظم بلدان «أوبك» البقاء في المنظمة، وهذا ما لم تستوعبه القيادة القطرية في مجمل سياساتها الخارجية حتى الآن، إذ تعتقد خطأ أن كل شيء يمكن أن يُشترى ويُحدد بالمال وحده
تقول «أمريتاسين» رئيسة تحليلات النفط لدى «إنرجي أسبكتس للاستشارات»: إن قطر لاعب صغير جداً في سوق النفط، ونحن نضيف إنها صغير جداً جداً، فهي تنتج أقل من 2% من إجمالي إنتاج «أوبك»، وهو ما ينطبق على احتياطياتها النفطية أيضاً، كما أنها تحتل المرتبة الحادية عشرة من بين الدول الخمسة عشرة الأعضاء في المنظمة، وبالتالي، فإن خروجها لن يترك أية آثار على إمدادات أو أسعار النفط.
خروج قطر جاء في وقت متأخر جداً، لذلك لن تحقق من خلاله ما رمت إليه من خلط الأوراق ومحاولة الإضرار ببقية البلدان الأعضاء، فموازين القوى في سوق النفط العالمية تغيرت كثيراً في السنوات الخمس الماضية، فبعد أن كانت «أوبك» اللاعب الأساسي والمحدد الأول، برزت روسيا بعد تنسيق سياساتها مع أوبك والولايات المتحدة بفضل النفط الصخري وتحولتا إلى لاعبين أساسيين، بحيث أضحى من يحدد اتجاهات سوق النفط اليوم هو التعاون الاستراتيجي بين أهم منتجي أوبك، وهما السعودية والإمارات والكويت والعراق من جهة وروسيا من جهة أخرى، وهو تطور مهم أدى إلى توازن أسواق النفط واستقرار الأسعار عند معدلات عادلة للمنتجين والمستهلكين.
لقد حاولت قطر كسر هذا التحالف بالقول إن هناك دولة واحدة تتحكم في المنظمة في إشارة إلى السعودية لتحريض بقية الأعضاء، متناسية أنها تتعاون مع دول تملك سياسات واستراتيجيات لا تتأثر بالضجيج الإعلامي، فالسعودية باعتبارها أكبر منتج تنسق بصورة كاملة سياساتها في العديد من المجالات، بما فيها النفط مع دولة الإمارات من خلال مجلس التنسيق الإماراتي السعودي، كما أن الاتفاق مع روسيا انعكس إيجابياً على كافة البلدان المنتجة للنفط من داخل أوبك وخارجها، وبالتالي فإنه محل ترحيب هذه البلدان، فالعبرة بالنتائج وليست بالأقوال.
من جهة أخرى، يُشكل إنتاج السعودية والإمارات والكويت نصف إجمالي إنتاج «أوبك»، لذلك من حقها أن يكون لها القول الفصل في الاتفاقيات، مع أن ذلك لا يلغي دور الآخرين والذين يسهمون من خلال الاجتماعات الدورية للمنظمة ومن خلال ممثليهم فيها، مما يعني أن هناك عملاً جماعياً من قبل كافة الدول الأعضاء.
ربما التساؤل المهم يدور حول إمكانية قطر في رفع إنتاجها أو تخفيضه للتأثير في الأسواق، حيث يمكن الإشارة إلى أن نسبة هذا التأثير صفر، فقطر ليست السعودية أو الإمارات أو الكويت أو روسيا أو الولايات المتحدة، فإنتاجها البالغ 600 ألف برميل يومياً يمكن أن يرتفع بحده الأقصى، وفي حالة الإنتاج بكامل طاقتها الإنتاجية ما بين 800 – 900 ألف برميل يومياً، منها 200 ألف برميل استهلاك محلي، وبالتالي فإنها كمية غير مؤثرة.
أما في حالة توقفها عن الإنتاج، فإنه من السهولة بمكان تغطية حصتها عن طريق إحدى الدول الخليجية الثلاث، فخروج إيران التي تُصدر أكثر من 2.5 مليون برميل يومياً كان تأثيره محدوداً وأمكن سد الفجوة، مما يعني أن تغطية 450 ألف برميل يومياً من قطر مسألة لا تستحق النظر. بالتأكيد قطر تتوقع أن تتبعها دول أخرى للانسحاب من «أوبك»، إلا أن الدول الأخرى تتبع مصالحها وليس الضجيج الإعلامي، فالمصالح هي المحدد الأول والرئيسي لسياسات الدول، حيث من مصلحة معظم بلدان «أوبك» البقاء في المنظمة، وهذا ما لم تستوعبه القيادة القطرية في مجمل سياساتها الخارجية حتى الآن، إذ تعتقد خطأ أن كل شيء يمكن أن يُشترى ويُحدد بالمال وحده.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة