الانسحاب من أوبك.. هل هناك دوافع قطرية أخرى؟
تدهور إنتاج النفط القطري من 800 ألف برميل إلى 610 آلاف برميل مؤخرا مع تقادم حقولها النفطية.
في خطوة مفاجئة، أعلنت قطر الأسبوع الماضي انسحابها من عضوية منظمة "أوبك" بدءا من يناير/ كانون ثاني 2019، وقبل ثلاثة أيام فقط من الاجتماع نصف السنوي العادي للمنظمة.
ومن المعروف أن اجتماع "أوبك" المنعقد الأسبوع الماضي، يعد واحدا من اجتماعاتها المهمة، في ضوء الانخفاض البالغ بأسعار برميل النفط مؤخرا.
ومثّل نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، أسوأ شهر من حيث تراجع الأسعار خلال عقد كامل، إذ انخفض سعر برميل برنت من 86 دولارا للبرميل، في بداية أكتوبر/ تشرين أول الماضي إلى 58 دولارا نهاية الشهر الماضي، ما يمثل انخفاضا بنسبة الثلث تقريبا (32.6%).
والأسبوع الماضي، اتفق أعضاء "أوبك" والبلدان المنتجة المستقلة -ضمن ما يعرف بتحالف "أوبك + -" على خفض إنتاج النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا.
ووفقا لـ "أوبك"، فمن المنتظر أن يزيد الطلب العالمي على النفط في العام المقبل بنحو 1.29 مليون برميل يوميا.
وتقدر المنظمة أن الطلب على نفطها سيقل بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا خلال العام المقبل مقارنة بالعام الحالي.
بينما تقدر وكالة الطاقة الدولية التي تمثل مصالح المستهلكين أن يقل الطلب على نفط "أوبك" بنحو 1.7 مليون برميل يوميا في 2019.
في الوقت ذاته تتوقع المنظمة زيادة الإنتاج من الدول خارجها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والبرازيل بنحو 2.23 مليون برميل يوميا.
ومقارنة بمستوى الزيادة في الطلب السابق الإشارة إليها، يتضح أن هناك ما يقرب من مليون برميل يوميا في إنتاج الدول خارج "أوبك"، قد تضاف لفائض العرض.
ومن هنا تخوفت "أوبك" وحلفاؤها من استمرار تخمة العرض التي ظهرت بوضوح خلال الشهرين الماضيين، بما يسمح بزيادات كبيرة في المخزون لدى الدول المستهلكة وبالتالي الضغط على الأسعار أكثر خلال العام المقبل.
الموقف القطري
في وسط هذا الموقف الدقيق في السوق العالمية، أتى إعلان قطر انسحابها من منظمة "أوبك"؛ وحسب وزير الطاقة القطري فإن "القرار هو لأسباب فنية فقط تعود إلى استراتيجية قطر المستقبلية في مجال قطاع الطاقة".
وذكر الوزير أن قطر تهدف إلى التركيز على إنتاج الغاز الطبيعي. وعلى حين تبلغ احتياطيات النفط الخام في قطر نحو 25 مليار برميل، تبلغ احتياطاتها من الغاز الطبيعي أكثر من 880 تريليون قدم مكعب، تشغل بها مكانة ثالث أكبر بلد من حيث الاحتياطيات في العالم.
وقد تدهور إنتاج النفط من أكثر من 800 ألف برميل منذ عشرة أعوام إلى نحو 610 آلاف برميل مؤخرا مع تقادم حقولها النفطية.
وكما أشار العديد من المحللين إلى أن قطر منتج صغير، فهي خامس أصغر منتج داخل الأوبك، ولا يبلغ إنتاجها سوى أقل من 2% من جملة إنتاج المنظمة، ليستنتجوا من ذلك بأنه لن يكون لانسحابها تأثير على الأوبك أو قرارها.
والواقع أننا نود الإشارة إلى أنه ربما يكون هذا الموقف المعقد قد غذى الخيال القطري، بإمكانية التأثير سياسيا في مثل هذا الوقت.
ربما ترى الدوحة أنه سيكون لكل برميل من النفط وزنه؛ ومن غير المعروف حتى الآن هل ستنسحب قطر من المنظمة وتبقى ضمن الاتفاق باعتبارها من حلفاء "أوبك"، أم تخرج تماما ولا تكون جزءا من أي اتفاق.
ففي هذه الحالة سيكون نصيب الآخرين من التخفيض أكبر للتعويض عن غياب قطر.
كما أن قطر حسب تصريحات وزيرها، تبلغ الطاقة الفائضة فيها ما يتراوح بين 50 - 70 ألف برميل يوميا، ومن هنا قد تحلم الدوحة بأن تلعب دورا في المحاولات الجارية للضغط على "أوبك"، ومحاولة إظهار تحالفها مع هذا الاتجاه بزيادة مستوى إنتاجها بدءا من الشهر المقبل.
الأمر المهم الثاني الذي ربما يداعب خيال الدوحة، هو ارتفاع وزنها النسبي إذا ما أخذنا في الاعتبار إنتاجها من المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي.
فقد أدت زيادة إنتاج الغاز الطبيعي لزيادة إنتاج قطر من المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي، وهي منتجات جانبية لإنتاج الغاز الطبيعي، حيث بلغت نسبة هذه المنتجات نحو 65% من جملة إنتاج قطر من النفط الخام والمكثفات وسوائل الغاز الطبيعي؛ علاوة على مشاريعها لتحويل الغاز الطبيعي لسوائل.
هناك مشروعان للتحويل، أولهما هو مشروع أوريكس جي تي إل وتبلغ طاقته الإنتاجية نحو 32.4 ألف برميل في اليوم. والمشروع الثاني هو مشروع اللؤلؤة جي تي إل الذي ينتج 120 ألف برميل يوميا من سوائل الغاز الطبيعي والإيثان، و140 ألف برميل يوميا من منتجات تحويل الغاز إلى سوائل.
وتشمل المنتجات الناجمة عن تحويل الغاز أنواعا من وقود النقل، وزيوت المحركات، والمكونات اللازمة لإنتاج منتجات مثل البلاستيك، والمنظفات، ومستحضرات التجميل.
وقد انخفض إنتاج مشروع اللؤلؤة منذ نهاية نوفمبر الماضي دون إعلان واضح عن الأسباب.
والخلاصة، أن المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي تعامل معاملة النفط الخام المرتفع الجودة، أي تعد نوعا من النفط الخفيف.
وإذا كانت قطر لا تشكل سوى أقل من 2% من إنتاج النفط الخام داخل "أوبك"، فإن حصتها ترتفع إلى نحو 5% من جملة إنتاج "أوبك" من النفط والمكثفات وسوائل الغاز الطبيعي.
وحسب بعض التقديرات، يبلغ إنتاج قطر من المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي نحو 1.3 – 1.4 مليون برميل يوميا (نحو خمس جملة إنتاج أوبك من هذه المواد).
ويقدر أن طاقة إنتاج المكثفات والسوائل تزيد عن الأرقام المذكورة ربما بما يتراوح بين 200 ألف إلى 300 ألف برميل يوميا. وتصبح جملة إنتاج قطر من النفط والسوائل نحو 1.9- 2 مليون برميل يوميا.
والأكثر أهمية في هذا السياق، أنه مع طموح قطر لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي من 77 مليون طن سنويا في الوقت الحالي إلى 100 مليون طن بحلول 2022 فستزيد كمية إنتاجها من المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي.
فهل يذهب الخيال بقطر فعلا من إعلان الانسحاب من "أوبك" إلى التأثير سلبا على قرار المنظمة وحلفائها؟ وهل تهدف فعلا إلى الضغط من أجل بقاء الأسعار منخفضة؟
في هذه الحالة وباعتبارها بلدا يعتمد إلى حد كبير على إيراداته من صادرات المواد الهيدروكربونية، تكون كمن يطلق النار على قدميه، في مقابل ما نراه مكاسب سياسية متوهمة في الأجل القصير.
aXA6IDE4LjIyMy4yMTAuMjQ5IA== جزيرة ام اند امز