لا شك أن الذي وضع أسس واستراتيجية علاقة الدوحة المتآمرة على السعودية هو حمد بن جاسم بن جبر.
علاقة حمد بن جاسم مع الرياض غريبة ومتشابكة ومعقدة، بدأت عندما كان شابا فقيرا يعمل في وزارة البلديات القطرية الناشئة عام 1980، حمد بن جاسم أسس شركة للمقاولات وباشر نشاطا تجاريا في الأحساء، ولأن السعودية تنظر لكل مواطني دول مجلس التعاون باعتبارهم مواطنين فقد سمح له بالعمل، إلا أنه ولسوء عمله فقد تعثر المشروع وهرب بن جاسم بأموال المناقصة، السعودية الحالمة وتقديرا منها لأسرة آل ثاني في قطر سلمت المشروع لمقاول آخر وتجاوزت عن سرقة بن جبر.
رحلة طويلة من الصبر قامت بها المملكة على الكيان القطري ورموزه، كان ابن جاسم خلالها المحرك «الخفي» مع تقديم نفسه لكبار الرياض على أنه مجرد أجير مأمور من حمد بن خليفة، وأن من يتآمر على المملكة هو الأمير وليس هو، كل ذلك لم ينطل على «الرياض» التي اتخذت قرارها بأنه لم يعد هناك مجال للصبر.
خلال منتصف الثمانينيات قفز حمد بن جاسم إلى وزارة البلديات القطرية واستطاع إقناع حمد بن خليفة باغتيال وزير خارجية قطر حينها الشيخ سحيم آل ثاني، ليقفز فيما بعد لهذا المنصب المهم، الذي يحول صاحبه تلقائيا إلى جزء من السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي.
ومن هنا تبدأ ملامح شخصية ابن جبر المضطربة بل المتآمرة على الخليج شعوبا وقادة.
خلال الفترة نفسها من الثمانينيات الميلادية اتفقت دول الخليج مع بعض الحلفاء الغربيين على وضع رادارات فوق جزر بحرينية وسط الخليج لمساندة المجهود الحربي العراقي ضد إيران، ومنع طهران من استهداف ناقلات النفط، كالعادة كان ابن جاسم حاضرا واقترح على حكومة بلاده احتلال الجزر، وقامت قوات من المرتزقة باقتحام الجزيرة وعطلت مهمة الاستطلاع لحين طردها لاحقا.
عام 1990 وفي خضم الأزمة الطاحنة التي واجهت دول الخليج إثر دخول العراق للكويت اقترح حمد بن جاسم مقايضة دول الخليج على جزر حوار البحرينية، بمعادلة أقف معكم ضد العراق على أن تسمحوا لقطر باحتلال الجزر البحرينية، بالطبع سقط مشروع الدوحة في الابتزاز، لكن التآمر استمر بعد ذلك كما سنرى.
في عام 1993 قامت قطر باعتداء آخر لكن هذه المرة على السعودية، حين اعتدت قوات مستأجرة تابعة للدوحة على موقع الخفوس الحدودي، أيضا كان حمد بن جاسم بن جبر هو مهندس التحريض، ودفع حمد بن خليفة للتهور والاعتداء على المركز السعودي، الذي لم يدم ساعات إلا و قامت قوات حرس الحدود وليس الجيش السعودي باستعادة المنفذ بدوريات وسيارات رباعية الدفع فقط.
بعد الانقلاب الذي قام به حمد بن خليفة بدعم من شريكه حمد بن جاسم عام 1995 بدأت العلاقات السعودية، بل الخليجية، مع قطر تأخذ منحى تصاعديا نشهد آثاره حاضرة الآن في الأزمة الحالية مع الدوحة.
خلال ستة أشهر تقريبا من الانقلاب صدف انعقاد قمة خليجية في مسقط، وخلال القمة توترت الأجواء بين المجلس وحمد بن خليفة بسبب تعامله مع القادة بطريقة غير معتادة، حتى كادت القمة أن تفشل لولا تدخل الدولة المستضيفة، الأمر الذي اضطر حمد بن خليفة للمغادرة قبل انتهاء أعمالها.
لا شك أن الذي وضع أسس واستراتيجية علاقة الدوحة المتآمرة على السعودية هو حمد بن جاسم بن جبر، وما انكشف اليوم من حجم المؤامرات العلنية كان مستترا ويقاد في الخفاء، ولذلك فإذا أردت أن تعرف ما يدور فعليك أن تفكك طريقة ابن جاسم في التفكير والتخطيط، ولعلنا نلمس أسلوبه ونَفَسَه في كل المشاهد.
وخط العلاقات الذي بناه ابن جاسم يقوم على العناصر التالية.
أولا.. محاربة السعودية في كل مكان وفوق كل أرض وتحت كل سماء، بمعنى ملاحقتها سياسيا واقتصاديا وإعلاميا ورياضيا، ومحاولة عرقلة مشاريعها الوطنية والقومية والإسلامية ومع المجتمع الدولي.
ثانيا.. تشويه سمعة متعمد وممنهج من خلال توظيف وشراء ورشوة سياسيين وإعلاميين وكتاب ومنظمات حقوقية حول العالم ووسائل إعلام وناشطين، واغتيال الشخصية السعودية قيادة وشعبا في كل الأوساط.
ثالثا.. تعمد فصل السعودية عن محيطها الدولي بتهمة التطرف وتقديمها للمجتمع الغربي على أنها دولة متخلفة تنمويا وحقوقيا، وهو ما يغيظ قطر اليوم بعد مجموعة الإصلاحات الاجتماعية التي تقوم بها المملكة حاليا.
ثالثا.. محاولة فصل الرياض عن محيطها العربي والإسلامي من خلال تشويه سمعتها وتزوير الحقائق، خاصة في قضايا المسلمين مثل فلسطين والروهينجا واللعب على العواطف.
رابعا.. ارتكاب الجرائم والثورات وإلصاق التهمة بالسعودية، لعل آخرها ما يحدث في الأردن هذه الأيام، إضافة لعشرات الجرائم، أكبرها تعاونها مع القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين بالتخطيط وتنفيذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثم استقطاب خمسة عشر شابا سعوديا والدفع بهم للقيام بالعملية لتوريط الرياض، كان الهدف من تلك العملية الإرهابية الأعنف في التاريخ دفع واشنطن لاحتلال المملكة أو ضربها عسكريا، ولذلك توجه حمد بن جاسم بن جبر إلى واشنطن واستقر لأسابيع هناك ملتقيا مئات من أعضاء الحكومة والكونجرس ومفكرين وخبراء ومراكز بحث لإقناعهم أن من قام بالعملية هي السعودية، حتى أن ابن جاسم قام بدفع ثلاثين مليون دولار لمركز راند للأبحاث لبناء فكرة فصل السعودية لعدة دويلات وتسويقها أمريكيا.
خامسا.. بناء علاقات خفية مع تنظيمات القاعدة وداعش والحوثيين للقيام بالأعمال القذرة نيابة عن الدوحة لابتزاز السعودية والمجتمع الدولي ومقايضتهم على مواقف سياسية.
إنها رحلة طويلة من الصبر قامت بها المملكة على الكيان القطري ورموزه، كان ابن جاسم خلالها المحرك «الخفي» مع تقديم نفسه لكبار الرياض على أنه مجرد أجير مأمور من حمد بن خليفة، وأن من يتآمر على المملكة هو الأمير وليس هو، كل ذلك لم ينطلِ على «الرياض» التي اتخذت قرارها بأنه لم يعد هناك مجال للصبر.
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة