هل تريد قطر أن تكون دولة متميزة ورائدة في إطار محيطها الخليجي؟
بعد مرور عام بالتمام والكمال على مقاطعة دولة قطر؛ سألت نفسي سؤالاً بريئاً يعكس روحانية شهر الصيام؛ لماذا لا نتأمل في فكر من يديرون قطر؟ لعلنا نعرف ماذا يريدون فنتفهم موقفهم، وندعو للوصول إلى حلول وسط معهم، لا يكون فيها ضرر ولا ضرار، ولا ظلم ولا تظالم، ولا ظالم أو مظلوم؛ مثلما تفعل جميع الشعوب المتحضرة التي نعيش معها في هذا الزمان على كوكب الأرض.
هنا وجدتني بداية أسأل نفسي، أين شعب قطر من هذه الأزمة التي مضى عليها عام كامل، وكانت الإجابة أن من يديرون قطر حرصوا على غياب شعبها وتغييبه، وأنه لم يظهر للشعب صوت، ومن ظهر له صوت حرم من جنسيته، وتم الاستيلاء على ماله، وتم طرد القبيلة كاملة إلى خارج حدود الدولة، وأن من ينافحون عن موقف حكومة قطر هم مجموعة من الغرباء المتعاقدين، الذين يقومون بدور النائحة المستأجرة، التي تبالغ في الحزن والبكاء على ميت لا تعرفه، ولا علاقة لها به، ولذلك يسيئون لشعب قطر، ويتطاولون على أعمامهم وأخوالهم، فلا يوجد في قطر إنسان إلا وله قريب بصلة دم أو نسب أو مصاهرة في الدول الثلاث المحيطة بقطر.
ثم قمت بحصر الاحتمالات العقلية التي يمكن أن تجيب عن سؤال.. ماذا تريد قطر؟ فوجدتها لا تخرج عن واحد من الاحتمالات الآتية:
أولاً: هل قطر تريد أن تكون دولة ذات سيادة كاملة واحترام تام ومكانة مثل باقي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي؟ وجدت هذا الأمر قد تحقق بصورة كاملة منذ نشأة دولة قطر، فلم يتدخل أحد في شؤونها، ويفرض رأياً عليها، أو ينتقص من سيادتها، أو يهمش دورها، فقد نالت كامل حقوقها كدولة عربية في إطار جامعة الدول العربية، وكدولة خليجية في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربي.. وهنا وجدت أن هذا الاحتمال لا يجيب عن السؤال، ولا يعكس رؤية من يديرون قطر.
إن من يديرون قطر، هناك من يديرهم، فهم غير مسؤولين عن أفعالهم، ولا يملكون قرارهم، هناك من يتحكم فيهم سواء من الجماعات الدينية مثل الإخوان، أو من الدول الإقليمية مثل إسرائيل وإيران وتركيا، أو من الكيانات الدولية الخفية التي تختفي خلف الدول. لذلك لن نستطيع الإجابة عن السؤال: ماذا تريد قطر؟
ثانياً: هل تريد قطر أن تكون دولة متميزة ورائدة في إطار محيطها الخليجي؟ وهذا أيضاً قد تحقق، ولم يعترض أحد، فكل مبادراتها التي تميزت بها رحب بها الجميع، وتفاعل معها الجميع بكل إيجابية، فمكاتب قناة الجزيرة فتحت في كل مدن العالم العربي عموماً، ودول الخليج خصوصاً، ومبادراتها التعليمية استقطبت لها كفاءات من كل الدول، وقامت مؤسساتها بقرصنة الخبراء والأساتذة من دول الجوار مثل الإمارات، وكنت شاهداً على ذلك، وحين بدأت مبادرة المدارس المستقلة في قطر، وكنت حينها مشرفاً على منهج التربية الإسلامية في دولة الإمارات، وقد طلب مني الدكتور يوسف الحر والدكتور عبدالعزيز الحر والدكتور عبدالله النعمة الحصول على كتب التربية الإسلامية من الإمارات، طلبت رسالة من إدارة المدارس المستقلة لمعالي وزير التعليم في الإمارات وكان حينها معالي الشيخ نهيان مبارك آل نهيان، فأمر على الفور بشحن 35 ألف نسخة من كل كتاب في كل عام دراسي؛ حتى طلبوا هم التوقف، وبعدها عرفنا أنه كان هناك اعتراض على وجود شعار دولة الإمارات على الكتب.. والأمثلة كثيرة لتعاون الجميع مع قطر لتكون دولة متميزة ورائدة، ومنها فتح المطارات لخطوط الطيران القطرية لتسيير رحلات من مطارات الإمارات مثلا أكثر من أي ناقل آخر.. وهنا أدركت أن هذا الاحتمال لا يعبر عن فكر من يديرون قطر.
ثالثاً: هل قطر تريد أن تكون قائداً للخليج والعالم العربي؟ وبعد مراجعة للتاريخ القريب، وجدت أنه لم يعترض أحد على هذا الدور، فكانت الدوحة مركزاً للمؤتمرات العالمية، وكانت وفود دول مجلس التعاون خصوصاً من الدول المقاطعة لها تشارك بصورة دائمة وبدون انقطاع، وتحولت قطر إلى لاعب أساسي في أفغانستان، والصومال، وإرتيريا وجيبوتي والسودان وغزة.. إلخ، وكانت تقود المصالحات، وتجمع الأطراف في الدوحة، ولم تعترض مصر على سبيل المثال رغم أن قطر قد تعدت على الدور المصري، واختطفته اختطافاً، وهمشت دور مصر في عقر دار مصر، في دارفور التي هي على حدود مصر، وفي غزة التي هي في قلب الأمن القومي المصري، ولم تعترض مصر، بل كانت تسمح للوفود القطرية أن تعبر من أرض مصر لتقوم بدور يهمش دور مصر.. ولم يبدِ أحد اعتراضاً على ذلك، على الرغم من أنه كان هناك امتعاض، ولكن الجميع التزم بالمثل العربي القائل " إذا عزَّ أخوك فَهُن ْ".. وهنا أدركت أن هذا الاحتمال أيضاً لا يعبر عما يريد حكام قطر.
رابعاً: هل قطر تريد أن تؤسس إمبراطورية مثل بريطانيا العظمى؟ الحقيقة أنه في التسجيل الذي كان بين الشيخ حمد بن جاسم، والقائد الليبي الراحل معمر القذافي؛ قال الشيخ حمد بالحرف الواحد "إن قطر هي الوحيدة القادرة على قيادة دول الخليج، ونحن لا نرى ذلك غريباً علينا، لأننا نملك الرؤية والقدرات والموارد، ولا يحتج أحد علينا بمساحة قطر، أو عدد سكانها، فبريطانيا العظمى كانت تحكم العالم ومنه دول هي أضعاف أضعاف سكان ومساحة بريطانيا مثل الهند".. هذه رؤية الشيخ حمد بن جاسم، ولكنه هل هذا هو الهدف الأعظم لقطر؟ لو كان كذلك؛ كان من المنطقي أن تعمل قطر على التوسع بطريقة إمبراطورية، تقوم على الاستقطاب تارة، وعلى الجاذبية تارة، وعلى الغزو تارة أخرى.. ولكن لم يحدث أي من هذا.. فلم تمارس قطر أياً من السياسات الإمبراطورية الذكية العميقة التي تتسم بالدهاء، وبعد النظر، والتخطيط طويل الآجل مثلما كانت تفعل بريطانيا.. إذن ماذا تريد قطر؟
وعندما ازدادت حيرتي، ومنعت الشيطان من أن يتسرب إلى عقلي، ويتهم من يديرون قطر بأنهم يستعيدون عقلية الجاهلية فيتخذون من عمرو بن كلثوم ملهماً ويرددون معه "ونشرب إن وردنا الماء صفواً.. ويشرب غيرنا كدراً وطيناً"؛ أم أنهم بعقلية المترف الذي يعيش في فراغ، ويملك ثروات هائلة، ويعيش في دولة قزمية ضعيفة صغيرة، يريد أن يطبق في الواقع العربي رواية "فرانكشتاين" التي كتبتها الأديبة البريطانية "ماري شيلي" عام 1818، والتي تدور أحداثها حول صناعة وحش بشري مسخ يدمر كل شيء، فهل تريد قطر تدمير كل الدول العربية، وإعادة خلق كيان عربي مسخ، متوحش "فرانكشتاين" سياسي يلتهم كل العرب ويعيد تصنيعهم من جديد.. طردت هذا الشيطان، وقلت له: "لا أظن ذلك؛ إن من يدير قطر ليس بهذا التوحش، فهم لا يزالون في صورة البشر".
ووجدت إجابة سؤال: ماذا تريد قطر؟ تكمن في حقيقة سياسية لا تخطئها عين الخبير بأمور السياسة: إن من يديرون قطر، هناك من يديرهم، فهم غير مسؤولين عن أفعالهم، ولا يملكون قرارهم، هناك من يتحكم فيهم سواء من الجماعات الدينية مثل الإخوان، أو من الدول الإقليمية مثل إسرائيل وإيران وتركيا، أو من الكيانات الدولية الخفية التي تختفي خلف الدول. لذلك لن نستطيع الإجابة عن السؤال: ماذا تريد قطر؟ لأننا لا نعرف حقيقة.. من يدير قطر؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة