المأزق القطري لا يتمثل في اختيارها العزلة عن محيطها وحاضنتها الطبيعية، متمثلا في مشهدها الدرامي بانسحابها من القمة الإسلامية.
المأزق القطري لا يتمثل في اختيارها العزلة عن محيطها وحاضنتها الطبيعية، متمثلاً في مشهدها الدرامي بانسحابها من القمة الإسلامية، مأزق هذا النظام هو في وقوعه الآن وسط الصراع الأمريكي- الأمريكي، وسط الصراع اليميني- اليساري الغربي، فالتيار الشعبوي الذي يمثله ترامب بقوة، تيار صاعد ويزداد قوة وله قاعدته الشعبية، ويملك تأييداً من المحافظين من العسكر، وهو يرى أن المصلحة الأمريكية مع حلفائها التقليديين ولا يثق في الإيرانيين، وتشكل قاعدة العديد بالقرب من الدوحة صورة حية للمأزق القطري، وتيار أمريكي آخر مُصر على التحالف مع إيران، وقطر في المنتصف لا تعرف هل ترضي فلول أوباما أم ترضي ترامب؟
مسكينة «هذه القطر» وقعت بين صراع الأفيال، هذا يدوسها من جهة، وذاك يدعسها من جهة أخرى، تارة تريد أن ترضي إيران، وتارة تغازل تركيا، وتتوسل في القاعدة التي قد تنطلق منها طائرات تضرب حليفتها.
أما الانسحاب القطري من القمة الإسلامية فليس بمستغرب، فهم قد شاركوا بغرض الانسحاب، المشاركة كانت من الأصل، بهدف إيصال رسالة ولاء لأصحاب المشروع عن طريق الانسحاب في توقيت محدد تماماً كما فعلوا في تونس، ففي قمة تونس انسحب الوفد حين جاء الحديث حول التدخلات التركية، وفي قمة مكة انسحب الوفد حين كان الكلام عن التدخلات الإيرانية، في القمتين تحركوا بالريموت كونترول، ليعلنوا عزلتهم عن الموقف الموحد العربي والإسلامي وانضمامهم للحلف التركي الإيراني ضد أشقائهم، فقطر بحاجة لإثبات ولائها وبقائها في الحلف ولا نلومها، فهي ملزمة ومجبرة على البقاء ضمن المشروع، إذ إن هناك فواتير جديدة تحتاج للدفع وهم من تكفل بالتمويل.
قطر المسكينة رهينة للاعبين كبار لا تملك الخروج من لعبتهم، فقد تُطحن إن هي حاولت، إذ يرتبط بقاء هذا النظام بشرط عزلته عن محيطه وتمويله للمشروع، فإن تخلى النظام عن المشروع تخلى عنه اللاعبون الكبار، وترك النظام يواجه مصيره مع محيطه.
قطر مرتبطة بأحد اللاعبين بتيار يساري غربي يحتاج إلى التمويل القطري ويحتاج إلى حاضنة للبدلاء العرب الذين سيصعدون على المسرح حين تحين الفرصة، وقطر حاضنة مناسبة جداً لهؤلاء البدلاء، تيار ما زال مصمماً على مشروع إعادة رسم المنطقة، تيار متحالف مع الأتراك والإيرانيين الذين يشكلون (الإسلام المعتدل) من وجهة نظر هذا التيار، لذلك لا تستطيع قطر أن تتخلى عن المشروع وإلا تخلى عنها حلفاؤها.
لم يتوقع أصحاب المشروع هذه الانتفاضة العربية الشعبية، وهذا الالتفاف وهذا الإجماع الشعبي المضاد، لم يتوقعوا عاصفة الحزم، لم يتوقعوا التفاف الشعوب العربية مع قياداتها، لم يتوقعوا هذا الرفض الشعبي للجماعات ومليشياتها، لم يتوقعوا أن تحظى المملكة العربية السعودية بهذا التأييد الإسلامي الشعبي وهذا التأييد العربي الشعبي.
ورغم أن مشروعهم يترنح، إلا أن الأمل ما زال يحدوهم بالاستمرار، مضللين بتقارير تدفع ثمنها قطر تنشرها مراكز أبحاثهم ووسائل إعلامهم، لإقناع الرأي العام برؤيتهم، مأزق قطر يتمثل في ما يجري على بقعتها محدودة المساحة من تناقضات، ففي حين تجري المناورات والاستعدادات في قاعدة العديد، تصدر التقارير المناهضة والمنحازة ضد هذا التوجه على بعد كيلومترات عدة في الدوحة من مراكز أمريكية ممولة قطرياً.
مسكينة «هذه القطر» وقعت بين صراع الأفيال، هذا يدوسها من جهة، وذاك يدعسها من جهة أخرى، تارة تريد أن ترضي إيران، وتارة تغازل تركيا، وتتوسل في القاعدة التي قد تنطلق منها طائرات تضرب حليفتها.
لذلك فمشهد الانسحاب هو ترضية لواحد من التيارين المتصارعين، وعدم اعتراضها على بيان القمة الخليجية ترضية للتيار الآخر.
نقلاً عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة