قطعت الإمارات والسعودية ومصر والبحرين صباح الاثنين الخامس من يونيو علاقاتها مع قطر، وكان القرار الحازم مصحوباً بإجراءات موجعة من بينها إغلاق الحدود والأجواء والمياه الإقليمية أمام قطر
قطعت الإمارات والسعودية ومصر والبحرين صباح الاثنين الخامس من يونيو علاقاتها مع قطر، وكان القرار الحازم مصحوباً بإجراءات موجعة من بينها إغلاق الحدود والأجواء والمياه الإقليمية أمام قطر، وترحيل المواطنين القطريين ومنع مواطني الدول الخليجية الثلاث من السفر للدوحة. وإيقاف كل أشكال التعاون. ولقد اتُّخذ القرار في العواصم العربية الأربع بالطبع، لكن ليس من قبيل التجاوز القول بأن قطر هي من بدأ قطع العلاقات، وهي من قطع كل الجسور، وأضاع كل الفرص التي كانت مطروحة للتفاهم واحتواء الخلافات التي صنعتها هي نفسها بإصرار عجيب، وسعي حثيث نحو هذه النهاية التي لم يكن منها بد.
إن اتخاذ أربع عواصم عربية قراراً على هذه الدرجة من الخطورة، لم يكن له أن يتم لولا أن الكيل طفح وفاض بما أصرت عليه الدوحة من تهديد للأمن وللاستقرار، وتحالفٍ مع أعداء العرب والمتربصين بهم، وتآمر كانت فصوله تتكشف يوماً بعد يوم، وسعي إلى شق الصف في ساحات السياسة كما في جبهات القتال في اليمن، وتحريك صنائع مأجورين في وسائل إعلام بذيئة لا هم لها إلى الإساءة إلى الأشقاء وتشويه صورتهم، وإيواء شذاذ الآفاق والمارقين والمشبوهين من دعاة الكراهية وصُناع الفتنة وأبواق الحقد ومنحهم حقوقاً وامتيازات لا ينالها إخوتنا القطريون أنفسهم.
قطر هي من بدأ قطع العلاقات، وهي من قطع كل الجسور، وأضاع كل الفرص التي كانت مطروحة للتفاهم واحتواء الخلافات التي صنعتها هي نفسها بإصرار عجيب
ومن قبل ذلك ومن بعده، كان التحالف الملعون مع الإرهاب واحتضان جماعاته وتمويلها ودعمها لوجستيا وإعلامياً واستخباراتياً، وهو ما يعني المشاركة في سفك الدماء العربية الزكية التي تسيل بفعل جرائم الإرهاب في كل مكان من العالم العربي.
منذ اللحظة التي بدأت فيها الأزمة الأخيرة، لم تتزحزح حكومة الدوحة قيد أنملة عن سياستها، بل إنها اتخذت منحى الهروب للأمام، فرفعت من حدة هجومها على شقيقاتها الخليجيات، وأوعزت لأبواقها بزيادة منسوب البذاءة والإساءات غير مستثنية أحداً. وقادها تذاكيها أيضاً افتعال قضايا جديدة تشغل الرأي العام بها بعيداً عن مطالبات دول الخليج لها بتغيير سياساتها التي تهدد أمن الخليج وسلامته، فاخترع جهابذة إعلامها الخائبون مسرحيات الاختراقات الإلكترونية، وأقاموا مجالس للطم في ذكرى نكسة 1967 لإلهاء الرأي العام في الداخل والخارج عن الزاوية التي حُشرت فيها قطر، أملاً في وساطة قادمة تنقذها، أو تراجع خليجي تحت ضغط الشعور بالأخوة والجيرة، ولكن هيهات، فقد لُدغنا من هذا الجحر مرات، لا عن غفلة أو سوء تقدير، بل سعياً وراء أمل واهٍ في أن تراجع الدوحة نفسها.
إن اتخاذ أربع عواصم عربية قراراً على هذه الدرجة من الخطورة، لم يكن له أن يتم لولا أن الكيل طفح وفاض بما أصرّت عليه الدوحة من تهديد للأمن وللاستقرار
إن الإجراءات التي اتخذتها الإمارات والسعودية والبحرين ومصر بحق قطر ليست إجراءات انتقامية أو عقابية، ولم تكن نتيجة خلاف على أسلوب مقاربة بعض الملفات الحساسة في المنطقة، فلكل دولة من دول مجلس التعاون طريقتها في مقاربة الأمور التي قد نختلف معها، وهذا واقع نعيشه ونراه، لكن الدافع وراء الإجراءات الأخيرة كان حفظ أمن الخليج وشعبه من سياسات أقل ما توصف به أنها مدمرة للشعب القطري قبل أن تكون مدمرة للآخرين.
إن أهل قطر هم إخوة وأشقاء أعزاء، نأسى لأي ألم يصيبهم، ولا تحمل قلوبنا لهذا الشعب الكريم إلا كل الحب والتقدير، ولم نكن نود أن تؤول الأمور إلى ما انتهت إليه اليوم، لكن تعنت السلطات القطرية وإهدارها الفرصة تلو الفرصة للمصارحة والمصالحة النابعة من صميم القلب، لم يترك أمامنا خياراً، ولم يكن لدى قادة الخليج من حلٍّ إلا اتخاذ هذه الإجراءات الحاسمة.
أمام حكومة الدوحة أن تمضي بقطر وشعبها إلى المجهول في أحضان إيران، أو أن تعود إلى البيت الخليجي الواحد الذي يضمن لها كرامتها وعزتها
إنني أستغرب الهلع والذعر اللذين أصابا أبواق قطر وأذرعها الإعلامية الملوثة فجر اليوم، فهذه الأبواق ذاتها هي من كانت حتى ليلة أمس يضج الفضاء بصخبها وعنترياتها وتطاولها واستهزائها بالرموز الخليجية. ووجه استغرابي أن الحزم الخليجي الذي نزل على رؤوسهم كالصاعقة فجر اليوم لم يكن تحولاً مفاجئاً أو سلوكا نبت في فراغ، إذ حذرتهم دول الخليج منه مرارا وتكرارا، وأعلن قادة الخليج بوضوح أن اليوم يختلف عن الأمس، فهل عمي المغيَّبون وصموا عما كان ظاهراً لكل ذي عينين؟ إلى هذا الحد يعيشون في أوهامهم البلهاء ويتصورون أن جماعات تافهة مثل الإخوان المسلمين أو دولاً طائفية مثل إيران يمكن أن تكون درعاً حامياً لهم، وبديلاً عن أشقائهم الأقربين؟ إلى هذا الحد تحكمت فيهم سفاهاتهم وضلالاتهم؟
هل كانت حكومة قطر التي فتحت أبوابها لقطعان الإخوان المسلمين ومنحتهم منابر لسبّ أهل الخليج وقادته تتصور نهاية غير هذه بعد كل ما تلقوه من رسائل خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة؟ ماذا كانوا ينتظرون من رد على سعيهم الدؤوب عبر منابرهم التخريبية لبث الفرقة والفتنة بين أبناء المنطقة وحكوماتهم، والتشكيك في أجهزتها الأمنية والقضائية، وخلق حالة من التشتت في المجتمعات الخليجية استعداداً للفوضى التي عصفت بعدد من الدول العربية خلال السنوات الماضية؟
إن هذه الأبواق المذعورة هي من كانت بالأمس القريب مسعورة، وهي اليوم تنوح وتناشد الخليج "الله والرحم" بعد أن كانت -حتى ساعات قليلة- تهزأ بالخليج وقادته وتبذل كل جهدها لفك عرى الروابط الخليجية وتمزيق لُحمتها، وعوضاً عن الاعتراف بالذنب والندم على ما اقترفت لا تزال هذه الأبواق تُمارس الكذب والخداع وادعاء التقوى وترديد الأدعية والتذكير بالأخوة التي كانوا هم أول من أهدرها وسعى في تخريبها.
لقد اكتشف هؤلاء المغيبون عن الوعي أن القرارات الخليجية الحازمة حظيت بتفهم وترحيب عربياً وعالمياً، وباستثناء عبارات انتهازية من إيران، لم تنل قطر أي تعاطف أو دعم، حتى من الدول التي كانت قطر تراهن عليها وتتوقع منها مساندة غير محدودة. ولعل هذا الموقف العالمي ينبه بعض الغافلين إلى الوزن الحقيقي لقطر خارج منظومة دول الخليج العربية. وقد فرض هذا الموقف العربي والدولي المساند للإجراءات الخليجية عزلة على قطر تماثل ما فُرض عليها بإغلاق حدود جاراتها الخليجيات، ومجالها الجوي، ووقف كل أشكال التعامل معها.
لقد قوبلت القرارات الحازمة التي اتُخذت اليوم بتأييد وترحيب غير مسبوقين في بين شعوب الخليج والأغلبية الساحقة من الشعوب العربية، حيث ضاقت هذه الشعوب بدورها بعبث قطر، ولمست حرص القادة الخليجيين على احتواء قطر وتمهيد سبل العودة إلى الصف الخليجي، وهو ما قوبل بتعنت قطري غير مفهوم، وإصرار منها على المضي في سياساتها التخريبية.
هذه لحظة الحقيقة، وأمام حكومة الدوحة أن تمضي بقطر وشعبها إلى المجهول في أحضان إيران، أو أن تعود إلى البيت الخليجي الواحد الذي يضمن لها كرامتها وعزتها. وطريق العودة ليس بالصعب، لو أحسنت سلطات الدوحة الفهم، وأولى الخطوات على هذا الطريق هي التوقف عن تهديد أمن الخليج عبر اتفاقيات وتعاملات سرية مع أعداء الخليج، وهم على وجه التحديد إيران وجماعات الحشد الشعبي والحوثيون.
الخطوة الثانية هي فك الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين التي لا تجرّ على محالفيها غير الخراب، ووضْع هذه الجماعة في الموقع الذي تستحقه، ضمن المنظمات الإرهابية، كما فعلت شقيقاتها الخليجيات.
والخطوة الثالثة هي إغلاق قنوات الفتنة، وتحديداً سيئة الذكر "الجزيرة"، وغيرها من الصحف والمواقع الإلكترونية التي يتغذى شياطينها على المال القطري، وكذلك التوقف عن تمويل مرتزقة مواقع التواصل الاجتماعي الذين يهاجمون دول الخليج ويسيؤون إلى قياداتها ورموزها، ومحاسبتهم قانونياً عن ما بدر منهم من إساءات.
إننا نتمنى، مخلصين، أن تستجيب قطر لمطالب أشقائها الخليجيين به، وهو ليس بالكثير، وستدرك الدوحة إذا فعلت ذلك أنها تخلصت من همّ كبير، وطرحت عنها عبئاً تحملته سنين طويلة دون أي عائد، وعلى الله قصد السبيل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة