الإعلام القطري ليس قناة الجزيرة وحدها، فهي وإن بدت الأعلى صوتا والأكثر انتشارا فإن ما يدور في فلكها أكثر من أن يحصيه هذا المقال.
يبدو أن ما تنشره وسائل الإعلام القطرية من كذب وزيف وافتراءات وحملات تشويه ممنهجة قد بدأ يأتي بنتائج عكسية وبدا أن السحر في طريقه للانقلاب وبالا على الساحر، فقبل أيام قليلة طالعتنا الصحف القطرية بخبرين بالغي الدلالة وكاشفين عن الطريقة التي تدار بها وسائل الإعلام المملوكة للدوحة وتبث منها، أو تلك المحسوبة عليها والتي تتلقى تمويلها منها وتبث من خارج حدودها، الخبر الأول مفاده تقديم طاقم العمل في قناة "قطر اليوم" الحكومية التي تبث من الدوحة استقالاتهم بشكل جماعي احتجاجا على سياسة القناة، والتجاوزات والتخبط في القرارات، وقلة الدراية بالعمل الإعلامي، وكان من بين اللذين تقدموا باستقالاتهم مدير عام القناة، ورئيس قسم البرامج، ورئيس قسم المذيعين، وعدد كبير من محرري القناة وطواقمها الفنية.
تنظيم الحمدين يمول شبكة بحثية وإعلامية واسعة تنتشر في بلدان عدة وتضم مراكز أبحاث وقنوات وصحفا بعضها مؤثر ومواقع إخبارية بعضها شهير ومعروف، تروج لسياسة الدوحة الخارجية المثيرة للفرقة ولا تهدأ عن بث الفتن ولا تتوقف عن نشر الأكاذيب وتزييف الحقائق وتشويه دول وشعوب
والخبر الثاني كان بعنوان "انقلاب مالك ومدير قناة المستقلة التي تبث من لندن، الإعلامي محمد الهاشمي الحامدي، على دولة قطر وسياستها الخارجية، بعد أن انحاز للدوحة في الأزمة الخليجية الراهنة منذ بدايتها، وهاجم دول المقاطعة على الدوام"
دلالات الخبر الأول تبدو واضحة، فوزارة الثقافة القطرية كانت قد دشنت قناة "قطر اليوم" على قمر سهيل سات في أغسطس الماضي، بهدف ما أسمته مواجهة "الأكاذيب والوقوف على أرضية صلبة وصادقة للدفاع عن الحق الذي يعطي لصاحبه القوة والحجة لدحض الادعاءات كافة"، وقالت في بيان إطلاقها إن "الإعلام القطري كان صادقا وكانت منطلقاته من العدل والحق، فاستطاع أن يدحض جميع الاتهامات التي روجها الإعلام الباطل"، إذن الهدف من إطلاق هذه القناة كان واضحا منذ البداية، والمستهدف برسالتها كان معروفا وتوقيت إطلاقها كان له مغزاه، فمواجهة آثار أزمة المقاطعة الخليجية والعربية التي تسببت فيها سياسات النظام القطري كانت سببا رئيسيا في إطلاق هذه القناة التي استهدفت بالأساس المواطن القطري، فبعد مرور عام على بداية هذه الأزمة واشتداد وطأتها وتأثيرها على المواطنين القطريين، وبدلا من أن يحمل النظام القطري نفسه مسؤولية ما آل إليه وضع مواطني دولته جراء سياساته، وبدلا من مواجهة الأسباب الحقيقية للأزمة التي يعرفها الجميع لجأ النظام القطري إلى إطلاق هذه المنصة الإعلامية بهدف وحيد وهو التأثير على العقل الجمعي للقطريين وإقناعه بعدالة موقفه من الأزمة عبر ترديد أكاذيب وشعارات رنانة تخلو من أي مضمون حقيقي، لا تهدف سوى لخلق حالة من الاصطفاف الشعبي وراء تلك السياسات المدمرة.
لكن أبت رياح المصداقية إلا أن تأتي بعكس ما اشتهت سفن تنظيم الحمدين، فبعد أقل من 4 أشهر على إطلاقها اتضح للقائمين على تلك القناة أهدافها الحقيقة ولم يطق العاملين فيها صبرا على محاولات توجيهها وتسييسها والتدخل في عملها بشكل فج لا يحترم أبسط قواعد العمل الإعلامي ولا يراعي أدنى قواعد المصداقية، وهنا جاءت الاستقالة الجماعية التي حملت حيثياتها إدانة كبيرة للعقلية التي تحكم وتسير منظومة العمل الإعلامي في الدوحة، حيث قال أصحابها إن "تدخل أطراف لا علاقة لهم بالشأن الإعلامي في سير العمل، وتعطيل جدول التصوير" كان سببا في قرار الاستقالة الذي "جاء بعد استنفاد جميع المحاولات لإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي، والحفاظ على هذا الصرح الإعلامي" الذي كانوا من المؤسسين له، وقالوا في بيانهم إن "محاولاتهم باءت بالفشل، رغم التضحيات التي قدموها من أجل أن تستمر القناة".
الخبر الثاني دلالته أكثر وضوحا، فيوم أمس فاجأ الإعلامي والسياسي التونسي المثير للجدل، محمد الهاشمي الحامدي، المقيم في لندن، متابعيه في حسابه الرسمي على موقع "تويتر"، بسلسلة تغريدات تضمنت آراء جديدة مناهضة للدوحة وماكينتها الإعلامية بشكل غير معهود عن الرجل المعروف بمواقفه المساندة للسياسة الخارجية القطرية وأذرع الدوحة الإعلامية منذ بداية الأزمة الخليجية، انقلاب الحامدي على ممولي قناته "المستقلة" جاء بعد زيارة للدوحة استمرت أسبوعين يبدو أنه لم يحقق فيها مبتغاه بالحصول على قدر أكبر من أموال الشعب القطري، ويبدو أنه استصغر حجم ما تحصل عليه قناته من أموال قطرية مقارنة بما تحصل عليه قنوات ومنصات إعلامية أخرى في لندن وغيرها من العواصم الأوروبية الأخرى، الخلاف الطارئ بين الحامدي ومموليه فضح كثيرا من المسكوت عنه، وجعله يغرد بمقولات حق نطق بعكسها كثيرا، فقال إن "حكام قطر لا يهمهم مطلقا تعاطفي معهم، كل ما يهمهم بالأساس هو تعاطف وتضامن ثلاثة أطراف فقط: جماعات اللوبي الصهيوني في واشنطن، تركيا، وإيران"، وفي تغريدة أخرى قال "ما دامت حكومة قطر لا تقدر وقفة قناة المستقلة معها فلا فائدة من الاستمرار في تكراره، أحترم من يحترمني" ، وفي إشارة واضحة لكون الخلاف نشأ بسبب حاجة قناته لمزيد من التمويل القطري، قال الحامدي "كان يمكن للمغردين القطريين أن يلوموا حكومتهم ويقولوا لها إن قناة المستقلة تستحق الشكر والتقدير، وتستحق أن تبث الإعلانات القطرية فيها قبل غيرها، ولكنهم للأسف يقولون لي لماذا تلوم حكومتنا لأنها لم تشركك"، الحامدي ترك باب العودة إلى مواقفه السابقة والتراجع عن موقفه المستحدث مفتوحا، لربما تحتوي الدوحة هذا الخلاف "المالي"، فهو في النهاية اختلاف على التفاصيل وليس خلافا على المبدأ.
الخلاصة أن الحقيقة التي يجب الانتباه لها جيدا هي أن الإعلام القطري ليس قناة الجزيرة وحدها، فهي وإن بدت الأعلى صوتا والأكثر انتشارا فإن ما يدور في فلكها وما يؤدي نفس رسالتها وما ينشر نفس سمومها وما يروج نفس أكاذيبها أكثر من أن يحصيه هذا المقال، وإن بدا بعضها غير معروف للمتابع في المنطقة العربية، فتنظيم الحمدين يمول شبكة بحثية وإعلامية واسعة تنتشر في بلدان عدة وتضم مراكز أبحاث وقنوات وصحف بعضها مؤثر، ومواقع إخبارية بعضها شهير ومعروف تروج لسياسة الدوحة الخارجية المثيرة للفرقة ولا تهدأ عن بث الفتن ولا تتوقف عن نشر الأكاذيب وتزييف الحقائق وتشويه دول وشعوب، فكلما زاد كيل قطر لهم من مال، زاد كيلهم عدوانا على جيرانها وأشقائها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة