الحريات الشخصية والإعلامية أضيق في قطر بعد الأزمة، فلا محاكمات علنية للمعارضين، وليس إلا الإخفاء القسري ولا عدالة أو قانون.
لا تلام المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية لولوة الخاطر كثيراً أو قليلاً على ترددها وارتباكها وهي تجيب عن أسئلة الصحفي البريطاني المتمرس تيم سيباستيان، حيث وضعت في موقف لا تحسد عليه، هذه مقابلة لا تشبه مقابلات الأبواق والمنصات القطرية من قناة «الجزيرة» الإرهابية، مروراً بمنصات عزمي بشارة وصبيانه كـ «العربي الجديد» و«القدس العربي» وغيرهما، وصولاً إلى «ميدل إيست آي» وسواها من المنابر التي أنشأتها قطر لتكون مصادر مساندة لـ«الجزيرة» وغيرها. هنا صحفي خبير وذكي يسأل أسئلة حقيقية ويريد أجوبة حقيقية، الأمر الذي لم تتعود عليه السيدة الخاطر التي وضعت تلقائياً في خانة الدفاع فبدت ضعيفة مفككة وفاقدة الحجة، وفشلت فشلاً ذريعاً أمام أسئلته المحددة والدقيقة حول دعم قطر الإرهاب والتطرف، وتعاملها مع استحقاقات الديمقراطية وانتهاكات حقوق العمالة، ولم تنفعها المحاولات المكرورة للتخفي خلف إجراءات الدول الأربع، نعم لا تلام لولوة الخاطر وهي تدافع عن باطل قطر وإرثها المتراكم منذ تسعينيات القرن الماضي، خصوصاً حين تكون مدربة على الخطابات والمقابلات المعد لها سلفاً في الأفق الضيق لمنصات إعلامية بين قوسين تحولت إلى أدوات الصوت الواحد والرأي الوحيد، وأصبحت وسائل لنشر الأكاذيب وبث روح التمييز والبغضاء والكراهية.
إرهاب قطر مستمر وبما هو أشد وأعظم، لا ضد جيرانها فقط، وإنما ضد أفراد شعبها معهم وقبلهم، بل أبعد من ذلك، فمن شأن هذه السياسات الانتهازية الإضرار بنظام قطر نفسه في المديين المنظور والبعيد
إجابات الخاطر «مهلهلة» وهي تدافع عن إرهاب الدوحة، تحاول الهروب والتقدم إلى الأمام ويطلب منها المحاور التزام أسئلته والإجابة عنها مباشرة، تحاول المراوغة وهي تجيب عن الأسئلة الخاصة بدعم قطر للإرهاب وتأخرها في نشر القوائم الخاصة به، وكذلك بأحوال العمالة المزرية التي لا تحقق حتى الاحتياجات الأساسية للعمال، يسألها المذيع: هل تخجلين كقطرية من هذه الأوضاع؟ وتستميت في محاولة الهروب، يسألها عن وعود انتخابات مجلس الشورى التي قطعتها قطر على نفسها منذ عام 2003 أي منذ 16 عاماً، وهنا تجيب الجواب المضحك المبكي في آن معاً: سبب التأخر في الانتخابات جيراننا الذين.. هنا يقاطعها المذيع مذكراً بالإرادة السياسية لقطر فيسقط في يد الخاطر غير المعدة أو المستعدة لهذا النوع من المقابلات.
أسئلة المقابلة ذاتها يمكن أن يوجهها إلى الخاطر أو غيرها من القطريين أي صحفي متمرس ومخلص لمهنته في الإمارات أو السعودية والبحرين ومصر، والمستغرب أنها قبلت هذا «المأزق» وكأنها غلطت «غلطة الشاطر»، والأكيد أنها ندمت بعد ذلك، فحين يتناقض الخطاب مع الواقع يبدو ذلك واضحاً، وبصورة لا يمكن إخفاؤها أو تجميلها أو «تعطيرها».
وإذا كان سيباستيان قد ركز على إرهاب قطر ما قبل الأزمة أي الإرهاب الذي أدى إلى أزمة قطر، فإن التركيز هنا على إرهاب ما بعد الأزمة، منذ ذلك الاتهام «الإرهابي» حين ابتكرت قطر أكذوبة قرصنة وكالة الأنباء القطرية.. الدول الأربع تريد مقاطعة قطر لكنها محرجة وتريد تبرير فعلتها. هنا اجتمعت وقررت. ملفات قطر ناصعة ونظيفة ومغسولة جيداً؛ لذلك لا يمكن مقاطعتها من دون إعداد خطاب على لسان تميم يفضح فيه علاقة نظام قطر المشبوهة مع أعداء المنطقة، وعلى رأسهم إيران وتنظيم الإخوان المسلمين وجماعة الحوثي.
وهكذا كانت القرصنة ثم المقاطعة وفق رواية قطر الساذجة، والسؤال الذي لم يوجهه للخاطر: هل اختلفت سياسة قطر تجاه هذه الكيانات بعد المقاطعة عن مضمون خطاب تميم الذي قالت قطر إنه من إعداد الإمارات والسعودية والبحرين ومصر بعد أن اجتمعت هذه الدول الأربع بليل؟ العلاقة زادت أضعافاً مضاعفة، وما كان يقال في السر أو همساً أصبح يقال علناً جهاراً نهاراً في نوبة متتالية من التهور والجنون والطيش السياسي غير المحسوب. قطر أقرب إلى إيران منها في خطاب تميم الذي فبركته الدول الأربع، وكذلك الانتصار للحوثيين والترويج لهم، وكذلك احتضان قطر الإخوان المسلمين وتمويلهم وإيواء قياداتهم، وكذلك التدخل في شؤون الغير خصوصا الدول الأربع ذاتها (قطر وتركيا وحدهما تصفان ثورة الشعب المصري على حكم الإخوان المستبد بالانقلاب حتى الآن أي بعد 6 سنوات).
فأي تطرف وإرهاب؟
وقناة الجزيرة تخلت، كقطر، عن ورقة التوت الأخيرة، أكثر وأكثر وأكثر، بعد أزمة قطر.
والحريات الشخصية والإعلامية أضيق في قطر بعد الأزمة، فلا محاكمات علنية للمعارضين، وليس إلا الإخفاء القسري ولا عدالة أو قانون.
الانتهازية سمة السياسة والإعلام القطريين، وإذا عدنا مثلاً إلى وعد الانتخابات في قطر ثم عدم التنفيذ فإننا نقبل الحالة؛ لأن هذا شأن قطري خالص، الطامة الكبرى أن قطر التي تؤجل انتخاباتها إلى أجل مسمى تطالب، تحت طائلة التحريض وإثارة الفتنة، بالانتخابات والديمقراطية، في كل بلد عربي، فأي إرهاب؟
يمكن الحديث أيضا عن الأوضاع المزرية للمجتمع المدني في قطر، حيث الحديث حديث الوجود أولاً لأنه لا نشاط مجتمعياً أبداً، في مشهد معبر جداً تبدو معه الانتخابات نوعاً من الترف الذي يلائم الجميع عدا أبناء الشعب القطري العزيز.
ومرة ثانية وعاشرة، ترتعش قطر وتنتفض لو أن غيرها لم يسمح ولو بصفة مؤقتة (هل هناك من لا يسمح غير قطر؟)، فأي إرهاب؟
وفضحت قطر من اليمن فطردت فاشتغلت أجهزة قطر محاولة التشويه، وصولا إلى تأييد مليشيا الحوثي حتى وهي تدعي توجيه صواريخها المسيرة إلى مطارات الإمارات، أو توجهها بالفعل إلى مناطق حيوية في الأماكن المقدسة والرياض والمنطقة الجنوبية، مستهدفة المدنيين الآمنين، فألا يعد تأييد الإرهاب إرهابا؟ قطر متورطة في دعم الحوثي من قبل وقد تعهدت بعدم دعمه ووقعت على ذلك في اتفاقي الرياض والرياض التكميلي.
إرهاب قطر مستمر وبما هو أشد وأعظم، لا ضد جيرانها فقط، وإنما ضد أفراد شعبها معهم وقبلهم، بل أبعد من ذلك، فمن شأن هذه السياسات الانتهازية الإضرار بنظام قطر نفسه في المديين المنظور والبعيد، فهو كمن يلف حول رقبته حبلا خفيفا سرعان ما يقوى ويشتد حول العنق حتى يقطع حبل الوريد.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة