ساعدت الإجراءات العاجلة التي اتخذها البنك المركزي التركي على ارتفاع الليرة، لكن يبدو على الأرجح أن هذا سيكون هدوءا مؤقتا.
ساعدت الإجراءات العاجلة التي اتخذها البنك المركزي التركي على ارتفاع الليرة، وحالت دون أزمة عملة وشيكة، بعد اضطرابات استمرت على مدى أسبوعين، فرضت خلالهما الولايات المتحدة عقوبات على أنقرة، وزادت الرسوم الجمركية على واردات معادن من تركيا، ردا على احتجاز تركيا مواطنين أمريكيين.
لكن يبدو على الأرجح أن هذا سيكون هدوءا مؤقتا، حيث لا تزال هناك مخاوف من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يفرض مجموعة جديدة من العقوبات ترسل الليرة إلى حافة الهاوية من جديد.
وظل صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير المالية والخزانة بيرات البيرق يلعب بورقة العلاقات الوطيدة مع حكام دولة قطر الثرية، ويسعى لأن يردوا الجميل لتركيا، في مسعى لتأمين موارد حيوية للتمويل من أجل الحيلولة دون استمرار الاتجاه النزولي لليرة التركية.
مبلغ 15 مليار دولار القطري لن يتم ضخه في الاقتصاد التركي دفعة واحدة بكل تأكيد؛ وفي هذه المرحلة الفارقة التي تحتاج فيها تركيا بشكل ملح إلى سيولة، يأتي هذا كشيء أقرب إلى كونه دعما معنويا.
وكانت تركيا هي التي هبّت لمساعدة قطر في عام 2017 عندما قاطعت المملكة العربية السعودية ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين البلد الخليجي الصغير لإيوائه جماعات إسلامية متطرفة وتقديم الدعم لها، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين.
وأمّن التدخل التركي الإمدادات الغذائية والطبية لقطر، ونظم البلَدان تدريبات عسكرية مشتركة وأسسا قاعدة عسكرية تركية على الأراضي القطرية، وهو ما بدا استعراضا قويا للتضامن بين الجانبين.
وبينما أثار بطء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الاستجابة إلى أزمة تركيا اتهامات بالخيانة في عناوين الأخبار، لم يستطع تميم أن يتجنب زيارة أنقرة بعد اتصال هاتفي من أردوغان في 13 أغسطس.
وناقش تميم إمكانية تأمين أموال لتركيا وزيادة الواردات من البلد خلال اجتماع مع البيرق ووزير المالية القطري في أنقرة. ولم يستغرق الأمر طويلا حتى أعلنت الرئاسة التركية أن قطر ستنفذ استثمارات مباشرة في تركيا بقيمة تصل إلى 15 مليار دولار.
وستشتري قطر، التي هي بالفعل شريكة لبعض رجال الأعمال المفضلين لدى أردوغان في عدد من المجالات ومن بينها مشروعات صناعات دفاعية تحظى بحوافز قوية، حصصا في المؤسسات العامة التي استحوذ عليها صندوق الثروة السيادي التركي، وتنفذ مزيدا من الاستثمارات في قطاع السياحة التركي.
لكن مبلغ 15 مليار دولار القطري لن يتم ضخه في الاقتصاد التركي دفعة واحدة بكل تأكيد؛ وفي هذه المرحلة الفارقة التي تحتاج فيها تركيا بشكل ملح إلى سيولة، يأتي هذا كشيء أقرب إلى كونه دعما معنويا.
وما تحتاجه تركيا الآن هو مصدر للسيولة الجاهزة. وبالنسبة لقطر، التي لديها دخل من النفط والغاز بمئات المليارات من الدولارات، وأموال تقدر قيمتها في الأسواق الأمريكية بما يزيد على 200 مليار دولار، فإن أغلب هذه الأموال موجودة في بنوك أمريكية، وبالتالي سيكون من شبه المستحيل أن تصطف في جانب تركيا ضد الولايات المتحدة. هذا هو الوضع، حتى لو كانت لديها رغبة حقيقية في مساندة تركيا في النزاع.
وبعيدا عن علاقاتها بالولايات المتحدة، فإن قطر كانت بالفعل في الجانب الخطأ في أحد صراعات تركيا في الآونة الأخيرة، حيث تعاونت مع القبارصة اليونانيين في حقوق التنقيب عن غاز عليها نزاع مع تركيا. فأنقرة تعارض بقوة التنقيب عن الغاز من قِبل الجمهورية القبرصية التي لا تعترف بها تركيا، إذ تقول إن هذا يعد انتهاكا لحقوق السكان القبارصة الأتراك بشمال قبرص في الجزيرة.
بيد أن شركة الطاقة الحكومية القطرية دخلت في اتفاق للبدء في التنقيب في إحدى المناطق المتنازع عليها بالشراكة مع شركة إكسون موبيل الأمريكية العملاقة العاملة في قطاع الطاقة.
وحقيقة الأمر أن قطر ليست في وضع يسمح لها بتقديم أي شيء لتركيا، وفقا لما قاله حسين باجي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأوسط التقنية في تركيا لأحوال تركية.
وعلق باجي قائلا “لا يمكن لقطر أن تغامر بإثارة غضب ترامب من خلال تقديم أي شيء لتركيا. يمكن للقطريين أن يقدموا ثلاثة إلى خمسة مليارات من تحت الطاولة، لكن هذا لن يفيد تركيا”.
وقال باجي إن فضلا عن ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تمنع قطر من التعامل مع بنوكها المودَعة بها معظم الأموال. وعلى أي حال فإن قطر في حاجة ماسة إلى مساعدة الولايات المتحدة لها مع استمرار المقاطعة عليها.
وبالنسبة لباجي، فإن النتيجة الواقعية الوحيدة ستكون إطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برانسون المحتجز في تركيا منذ أكتوبر 2016، والذي صار في صدارة الخلاف وأصبح أيضا قضية مهمة في الولايات المتحدة.
والمقترحات التي تقدم بها أردوغان في الآونة الأخيرة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فضلا عن الإفراج هذا الأسبوع عن جنديين يونانيين كانا محتجزين منذ شهر مارس، هي تمهيد لذلك الأمر بكل بساطة.
وشأنه شأن الجنديين اليونانيين والصحافيين والنشطاء الأجانب المسجونين في تركيا، يواجه برانسون اتهامات بالتجسس، وهو اتهام هناك إجراء راسخ له حدده القانون الدولي يتمثل في إعلان الجاسوس شخصا غير مرغوب فيه وترحيله إلى بلاده.
وقال باجي إن سياسة أردوغان مع جواسيس مزعومين في السابق، مثل الصحفي الألماني دينيز يوجيل، خلقت انطباعا حول العالم بأن تركيا بلدٌ فقد سيادة القانون ويتعامل مع الدبلوماسية باستخدام رهائن أجانب.
وظل يوجيل محتجزا دون اتهامات حتى ضغطت ميركل على الرئيس التركي. وأضاف “من الواضح الآن كيف يعمل النظام القضائي في تركيا.. اتصل بأردوغان هاتفيا وسيُطلق سراح رهينتك. سيتساءل ترامب لماذا يظل برانسون محتجزا بينما غيره قد تم الإفراج عنهم”.
وعلى الرغم من أن أردوغان ظل يحاول أن يخلق انطباعا بأنه وقف ضد إرادة الولايات المتحدة من خلال فرض رسوم جمركية انتقامية على المنتجات الإلكترونية الأمريكية وغيرها، فإن هذا لا يعدو كونه تظاهرا بهذا المظهر وفقا لباجي.
إن اقتصاد تركيا مرتبط ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة لا فصال فيه، يجعل أي شيء أكثر من دعوة أردوغان الرمزية إلى مقاطعة منتجات أبل أمرا لا يمكن تصوره. وقال باجي إن من الواضح كيف ظل الرئيس ساكتا عن موضوع حيازات المقربين منه الكبيرة من الدولارات.
وقال حسن كوني أستاذ القانون الدولي في جامعة إسطنبول كولتور: “أردوغان والآخرون يتلاعبون بالرأي العام من خلال دعواتهم لمقاطعة البضائع الأمريكية.. كل منتج تركي يصفونه بأنه وطني وقومي يشتمل على مكونات قادمة من الولايات المتحدة ودول أخرى”.
وفي ظل محاصرتها بهذه العلاقات الاقتصادية العميقة، يبقى لدى تركيا القليل من الأمل في أن تنسلخ تماما عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وهو ما يعني أن أنقرة ستضطر للعودة إلى الدبلوماسية.
وقال كوني: “أتوقع الإفراج عن القس برانسون بحلول عيد الأضحى (والذي يحل في الفترة من 21 إلى 25 أغسطس) وبكل تأكيد لن يكون هذا بعد ذلك بفترة طويلة”.
نقلا عن "العرب اللندنية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة