من أجل شراء الصمت في إيطاليا إزاء أنشطتها لجأت الدوحة إلى إبرام صفقات عسكرية ضخمة، منها شراء خمس سفن حربية إيطالية
قبل أسبوعين تطرَّقنا إلى تأثير قطر على الرأي العام الغربي من خلال وسائل الإعلام، في كل من الولايات المتحدة، فرنسا، إسبانيا ضمن بلدان أخرى، اليوم سنتحدث عن إيطاليا؛ حيث تستعمل قطر تقنية مصنفة ضمن العمليات النفسية، وهو مفهوم يستخدم في ميدان الاستخبارات، فبدل العمل المباشر داخل وسائل الإعلام يتم القيام بذلك بطريقة غير مباشرة في بعض الأحيان، ومن خلال شراء ذمم الصحفيين المنوط بهم الكتابة عن قطر في وسائل الإعلام الإيطالية في أحيان أخرى.
من أجل شراء الصمت في إيطاليا إزاء أنشطتها لجأت الدوحة إلى إبرام صفقات عسكرية ضخمة، منها شراء خمس سفن حربية إيطالية مقابل خمسة ملايين يورو، إضافة إلى 28 طائرة هليكوبتر بمبلغ ثلاثة ملايين يورو، ناهيك عن الاتفاق على اقتناء قطر 24 مقاتلة من طراز "يوروفايتر"
قبل عزل قطر بسنوات، وبالتحديد سنة 2012، استحوذت مجموعة الاستثمار القطرية على دار الأزياء الإيطالية الفاخرة "فالنتينو"، مقابل 700 مليون يورو، وفي السنة نفسها اشترت قطر أيضاً المجمّع السياحي الفاخر "كوستا ازميرالدا" الواقع بجزيرة سردينيا مقابل 650 مليون يورو، وتعهدت ببناء مستشفى جديد بمدينة أولبيا، وبغرض تعزيز سيطرتها على القطاع السياحي اقتنت قطر في السنة الموالية 49% من أسهم شركة الطيران "ميريديانا" المعروفة حالياً بآير إيطاليا، هذه الرغبة القطرية الجامحة في مساعدة إيطاليا تضاعفت فجأة بعد عزل الدوحة من طرف جيرانها بسبب دعمها مجموعات إرهابية، يبدو أن المجاملة القطرية تجاه إيطاليا ليست سوى طريقة لتفادي أسئلة محرجة حول روابط قطر بالتنظيمات الإرهابية.
ومن أجل شراء الصمت في إيطاليا إزاء أنشطتها لجأت الدوحة إلى إبرام صفقات عسكرية ضخمة، منها شراء خمس سفن حربية إيطالية مقابل خمسة ملايين يورو، إضافة إلى 28 طائرة هليكوبتر بمبلغ ثلاثة ملايين يورو، ناهيك عن الاتفاق على اقتناء قطر 24 مقاتلة من طراز "يوروفايتر"، وهي الصفقة التي كانت بمثابة جرعة الأوكسجين لإيطاليا، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين السنة الماضية 2.6 مليار يورو، بزيادةٍ تُقدَّر بـ 23.2% مقارنة بسنة 2017.
وحسب ما كشفت عنه وثائق قطر، فإن الدوحة استعملت مؤسسة "قطر الخيرية" لتمويل بناء العديد من المساجد بإيطاليا، ففي سنة 2014 لوحدها وزعت هذه المنظمة، التي تمول أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، 22 مليون يورو في إيطاليا، ذلك النشاط جعل الكثير من أجهزة المخابرات تضع هذه المنظمة تحت مجهر المراقبة؛ لأن جزءاً كبيراً من تلك الأموال الموجهة لبناء أماكن العبادة ينتهي إلى غير وجهته وبصورة مثيرة للرِّيبة، وقد أنكر الممولون القطريون في أكثر من مناسبة أن تكون وجهة الأموال غير تشييد المساجد.
ولم يشتكِ أحد في إيطاليا من هدايا قطر المسمومة باستثناء النائب البرلماني عن رابطة الشمال اليمينية المتطرفة باولو جريمولدي، الذي يقترح مراجعة التحذيرات السعودية والإماراتية حول مصدر ووجهة التدفق المالي الموجه لبناء المساجد.
وفي سنة 2018، تحدث اللواء خليفة حفتر من ليبيا عن الروابط التي تجمع تنظيم القاعدة بقطر، وأشار إلى تحويلات مالية كبيرة تمَّت بواسطة فرع بنك قطر الوطني بتونس، وهي العمليات التي لم تعرها الحكومة الإيطالية الاهتمام اللازم، وعندما نظَّمت إيطاليا قِمّة باليرمو للبحث عن حلٍّ سياسي للأزمة الليبية، قامت باستدعاء قطر وهو ما جعل اللواء خليفة حفتر -زعيم الشرق الليبي وأحد أهم قوى الحل- يرفض المشاركة بشكلٍ فعّال، وهي الخطوة التي كانت لها انعكاسات سلبية على علاقات إيطاليا بالجزء الليبي الذي يحكمه حفتر.
ومنذ سنة 1990، منحت إيطاليا اللجوء السياسي لعدد كبير من منتسبي حركة النهضة بالجارة تونس، هذا الحزب الذي يصف نفسه بالمعتدل كان يتبع روحياً الإخوان المسلمين، ويستفيد من تمويل أحزاب أبعد ما تكون عن الاعتدال مثل الجماعة السلفية للدعوة والقتال أو أنصار الشريعة (القاعدة وداعش).
في نوفمبر سنة 2018، حلَّ بالعاصمة الإيطالية روما ولمدة خمسة أيام أمير قطر، وهي الزيارة التي تزامنت مع وجود راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية. وإن كانت أسباب هذه المصادفة مجهولة إلا أنه يمكن التكهن بها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة