السياسي الفرنسي البارز يكشف عن أسرار علاقات قطر المتعددة وصفقاتها لتقسيم الشرق الأوسط ودعم الإرهاب في فرنسا والدول الأوروبية.
قال القيادي الفرنسي جان مسيحة، إن مخطط التخريب القطري في المنطقة بدأ قبل 22 عاما.
وجان مسيحة أو حسام بطرس مسيحة، سياسي فرنسي بحزب الجبهة الوطنية، مصري الأصل، وعمل مدير البرنامج السياسي لحملة مارين لوبان المرشحة السابقة للرئاسة الفرنسية.
مسيحة الذي كان لفترة مّا موظفًا رفيع المستوى في وزارة الدفاع الفرنسية، ينتمي للحزب الذي حذر قبل أكثر من 20 عامًا مضت من دولة قطر والإخوان وتأثيرهما لاحقًا على دوائر القرار الفرنسي.
مسيحة تحدث لـ"بوابة العين" الإخبارية شارحا أسرار علاقات قطر المتعددة وصفقاتها لتقسيم الشرق الأوسط وكيف نجحت في دعم الإرهاب في فرنسا والدول الأوروبية؟
ما المؤشرات التي دفعت حزب الجبهة الوطنية لإطلاق تحذيرات بشأن مخططات قطر؟
بداية القلق عندما انقلب الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على حكم والده سنة 1995، وليكتسب شرعية، كان لا بد أن يحصل الأمير المُنقلب وحكومته على اعترافات دولية، في ذلك الوقت أرسل الشيخ حمد، ابن عمه محمد بن جاسم، الذي أصبح من كبار دولة قطر لاحقًا، في جولة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول القارة الأوروبية.
آنذاك الإدارة الأمريكية قالت له "موافقون على الاعتراف بحكمكم الجديد"، ولكن ليتوازن الأمر فلا بد أن تلعبوا دورًا في الشرق الأوسط، وفي الوقت ذاته مطلوب منكم إبداء ما يؤكد الاعتراف بدولة إسرائيل حتى ولو لم يكن اعترافًا رسميًا دبلوماسيًا.
وخلال العامين 1996 و1997 أصبح هناك مكتب تمثيل إسرائيلي في قطر، وآخر قطري في إسرائيل، ومثلما علمنا رحلات العائلة الحاكمة القطرية إلى تل أبيب مستمرة، وهناك تبادلات ثنائية حتى ولو سرية أو مستترة لكنها موجودة.
عندما حصلت قطر على الاعتراف الأمريكي بالانقلاب، ودّت قطر أن تلعب دورًا استراتيجيًا أكبر من حجمها وأهميتها الجغرافية الصغيرة جدًا، فبرغم صغر مساحتها إلا أنها من خلال إمكاناتها المادية، أرادت تعميق حجمها استراتيجيًا وقهر صغر حجمها الجغرافي الضئيل.
ومنذ أن بدأت قطر تنفيذ خطتها وتوسيع مجالاها الاستراتيجي اصطدمت بالمملكة العربية السعودية، وهي دولة عظمى في منطقتها، لذلك أرادت قطر أن تحاصرها من جميع الجهات، وكان الربيع العربي أداتها لتنفيذ الهدف.
كيف كان ما يسمى بـ"الربيع العربي" أداة قطر لتنفيذ أهدافها؟
الربيع العربي باختصار تنفيذ خطة الشرق الأوسط الأكبر الأمريكية التي انطلقت سنة 2003، والذي غزت من خلاله أمريكا العراق لتشكيل الشرق الأوسط بأكمله، وتراجعت عن الأمر في إطار الكارثة الاقتصادية في 2008 و2009، التي خلقت مشكلات اقتصادية عميقة في الطبقات الفقيرة بالدول العربية، لكن الأمريكان حينها استغلوا نقطة الضعف هذه بإشعال الموقف أكثر من خلال الجمعيات غير الحكومية.
قطر آنذاك استغلت هذه الظروف أيضًا بالدخول في فوضى هذه الثورات لدعم تنظيم الإخوان، فكان في ذلك الوقت التعاون كبيرا وواضحا بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع دولة قطر التي تعد الذراع التنفيذية لهذه الخطة في الشرق الأوسط.
وكان هدف قطر أن يكون على رؤوس الدول العربية حكومات تخضع لتأثيرها المباشر ماديًا وسياسيًا، وذلك بدوره يمكّنها من عزل الكتلة الاستراتيجية السعودية في الوسط، وبالفعل حاولت قطر تنفيذ الخطة في مصر وتونس وليبيا وفي الشرق في سوريا والجنوب باليمن.
الخطة لم تكتمل بسبب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعد أن وقف فردًا في وجه هذا المخطط راميًا بكل الاعتبارات السياسية وراء ظهره بما فيها ما تدفعه أمريكا من مساعدات عسكرية لمصر، لم يلق بالاً بأي من هذه الأمور في سبيل حماية مصر، ومن خلال حمايته مصر، السيسي حمى الشرق الأوسط كله، فكيف تتخيلون الوضع لو كان الإخوان قد استمروا على سدة حكم مصر حتى اليوم، حتمًا كانت ستتغير تمامًا خريطة الشرق الأوسط.
لذا كان المحرك الأساسي للتعاون القطري الأمريكي خلال تلك المرحلة حماية انقلابات قطر الداخلية، وتشكيل ساحة بالشرق الأوسط تخدم مصالحهم.
وإلى أي مدى توغل الإخوان وقطر في أوروبا.. خاصة فرنسا؟
دعم قطر للإخوان في الشرق الأوسط هو نفسه ما يفعلونه في أوروبا وكل مكان، فهناك جاليات إسلامية كبيرة في أوروبا، وفي فرنسا يُمثل المواطنون المسلمون 10% من السكان، واستطاعت قطر أن تعطي احتكارًا للإخوان والجمعيات الإخوانية فيما يخص تمثيل الجالية الإسلامية الفرنسية.
الحكومة الفرنسية والسلطات الفرنسية بصفة عامة يجهلون طبيعة الإخوان، هم يظنون أن هؤلاء طالما يحملون لقب "مسلمون" فهم مسلمون حقًا، فهناك نوع من السذاجة والجهل لهذا الأمر، فليس هناك تقييم حقيقي لشرعية الإخوان، فجهل الحكومة الفرنسية بطبيعة الإخوان والفكر الإرهابي، نتيجة لما يروجه الإخوان عن أنفسهم أنهم أوصياء على الدين الإسلامي، وأنهم أفضل مَن درس القرآن الكريم، هذا بدوره يرسخ جهل السلطات الفرنسية بطبيعة الإخوان وجمعياتهم المشبوهة، وهذا طبيعي في إطار جهل القيادات الفرنسية بالأساس لتاريخ الإخوان في الشرق الأوسط.
كيف استفادت قطر مما تصفونه بـ"جهل" الحكومة الفرنسية بطبيعة تاريخ الإخوان؟
يكفي أن تعلموا أنه خلال حكم أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، كانت سفارة الدوحة في باريس تسمى (الخزنة)، وكانت تأخذ اعتمادات سنويًا وكأنها وزارة فرنسية.
وهذا كتبه صحفيون مستقلون آنذاك، أثبتوا حينها أن سفارة قطر كانت تمول برلمانيين فرنسيين ولها سياسة تأثيرية واسعة المدى للسيطرة على الرأي العام الفرنسي وإدخال أكبر عدد ممكن من الجمعيات الإسلامية في تمثيل الجالية الإسلامية الفرنسية أمام السلطات الفرنسية، فهذه الجمعيات الإرهابية فرضت نفسها من خلال معرفتهم السطحية وادعائهم أنهم الأعرف بالإسلام، وثانيا جهل السلطات الفرنسية عن حقيقتهم، وثالثًا الدعم والتمويل القطري لهذه الجمعيات ليعطوهم هذه المساحة السياسية والاجتماعية في البلد.
النظام القطري استخدم ثغرات دستورنا وقانوننا الفرنسي ضدنا، فهناك جملة في الدستور تقول (كل ما هو غير ممنوع في القانون مُصرّح به)، والقانون على سبيل المثال لا يحمي حقوق الإنسان ولا يمنع أحدًا من أن تكون له أفكار خاصة طالما لم تأخذ شكل عمل خارج عن القانون، لذلك يصبح من حق أي إنسان أن يكون له فكرٌ متطرف، والقانون يحميه طالما لم يرتكب بيده جريمة إرهابية، هكذا استعملوا الثغرات القانونية.
كيف نشر الإخوان الإرهاب في فرنسا؟
أساء تنظيم الإخوان استخدام حقوق الإنسان وعمّق الفكر الإرهابي، فعندما تُموِّل فكرًا إرهابيًا، هناك ضعفاء، اجتماعيًا صالحون لتلقي هذا الفكر وتنفيذه في صورة عملية إرهابية، وغالبًا هؤلاء يمتلكون صحفًا جنائية وتاريخًا إجراميًا بالأساس.
يتلقف الإخوان المدعومون من قطر مثل هؤلاء ويقنعونهم بأن حياتهم السيئة التي يعيشونها سببها أنهم يعيشون في بلد كافر ويحملون جنسيتها، ويغسلون عقولهم تمامًا كما يحدث في مصر، وينفذ الشخص من هؤلاء، بعد عمل غسيل دماغ له، العملية الإرهابية وهم يجلسون أساتذة وراء الكواليس، فقط يديرون الفكر ويجنون النتائج.
هل لقطر دور في العمليات الإرهابية التي شهدتها فرنسا مؤخرا؟
بالفعل، تمارس قطر هذا الدور من خلال تمويل بعض المساجد لبث الأفكار الإرهابية، وإذا كانت تمول الإرهاب بالسلاح فقط فهو أمر قابل للسيطرة، فكما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في آخر زياراته لفرنسا (إن الإرهابيين هم إخوان مسلمون في المرحلة الأخيرة)، فعندما تُموّل مقاتلا بطريقة مباشرة يسهل السيطرة على الأمر بالقبض على هؤلاء المقاتلين، لكن الأخطر تمويل الفكر لأن مكافحته أصعب بكثير.
فقطر تمول الإرهاب وجمعياته في الشرق الأوسط، والعناصر التي نفذت إرهابًا في فرنسا سنة 2015، كانوا قادمين من العراق وسوريا من تنظيم داعش، لكن ذلك خطأ كبير تتحمله الحكومة الفرنسية.
وكيف تتحمل فرنسا جانبًا من المسؤولية؟
نحن دولة في إطار الوحدة الأوروبية ليس لدينا حدود، ونحن كدولة عظمى اسمها فرنسا لا نستطيع معرفة من يدخل أو يخرج من حدودنا بسبب (شينجن)، فلا تأشيرات للمرور، وأي شخص يستخدم هذه الصلاحية للتنقل بين دول الاتحاد الأوروبي، فيدخل فرنسا مثلًا بدون توقيف، ولذلك عبد الحميد عبود الإرهابي الذي ضرب الباتاكلان في 2015، كان له ملف في السلطات الجنائية الدولية، واسمه مسجل في وزارة الداخلية الفرنسية، ورغم ذلك دخل وخرج من الحدود الفرنسية 6 أشهر قبل أن ينفذ عمليته دون أن يعلم أي جهاز في الدولة تحركاته، ونحن كحزب معارض نطالب باسترجاع الحدود فورًا، ولذلك لا يوجد تمويل مباشر للإرهاب في فرنسا، لكنه تمويل للفكر الإرهابي بفرنسا والتمويل على بعض الساحات الأخرى، لا سيما العربية.
كيف تنظرون لانشقاق قطر عن محيطها العربي والخليجي وأخذها على عاتقها تمويل الإرهاب؟
لا بد أن يُفهم الواقع في سياقه التاريخي، فيجب أن نعرف أنه في سنة 1995 عندما حدث الانقلاب القطري الأبرز، لم تكن قطر الدولة الغنية التي نعرفها اليوم، لأن والد حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر السابق كان رافضًا لاستخراج الغاز بصفة صناعية لاعتقاده أنه سيغيّر وجه البلد وعاداته وتقاليده، فكان يستخرج الغاز بحكمة بحيث يوفر الحياة الكريمة فقط لشعبه، وعندما انقلب حمد على والده قلب الوضع تمامًا، حيث فتح وخصص شمال قطر كمنطقة استخراج الغاز، وحدثت لهم طفرة في المستوى الاقتصادي بسبب استخراج الغاز، بداية الألفية.
عدد سكان قطر 3 ملايين نسمة، بينهم 200 ألف قطري فقط، وشعرت قطر بتعارض بين أهميتها المادية والسياسية، وفكرت في استغلال هذا الغِنى جراء الغاز لتوسيع أهميتها السياسية والاستراتيجية، فأصبح دفتر الشيكات ذراعا دبلوماسية لسياسة قطر الخارجية.
وعندما بدأت قطر توسيع أهميتها الاستراتيجية فعلت ذلك على حساب جيرانها، وأولهم السعودية، فالعلاقات الدولية ما هي إلا تصادم مصالح دولية، والمصالح تكبر على مصالح دول أخرى وأولها الجيران، وفي حالة قطر دول الجيران السعودية والإمارات ودول المنطقة العربية عمومًا.
وفعلت قطر كل ما تستطيع لتجعل تأثيرها السياسي في مستوى تأثيرها المالي، كإحدى وسائلها لدعم الإرهاب.
وإلى أي مدى تستطيع قطر المضي في عنادها وخروجها عن الإجماع؟
خلال الـ20 سنة الماضية لم تفعل قطر شيئا سوى محاولة تسديد ضربات للدول من حولها، وحدث تصادم بين مصالح قطر ومصالح الدول حولها، وخلال تلك الفترة وهي تحاول نفخ أهميتها الاستراتيجية وأداتها هي المال، ولم يكن التأثير الوحيد دعم الفكر الإرهابي.
aXA6IDMuMTM3LjE4MC42MiA=
جزيرة ام اند امز
US