قطر تسعى على المستوى الدولي للاستثمار في التنظيم الدولي للإخوان خاصة في أوروبا؛ لخلق شعبية وتأثير سياسي له.
عندما نتحدث عن العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والدولة القطرية، لا بد من العودة إلى الجذور والحديث عن تنظيم الإخوان في قطر الذي أسسه جاسم سلطان، الذي تم حل هذا التنظيم بشكل مفاجئ في 1999. وربما ما يطرح الكثير من التساؤلات هو أن قرار حل الجماعة لم يأتِ نتيجة صدامات مع الدولة القطرية أو عقب حملة اعتقالات، ولذلك فإن قرار حل التنظيم الإخواني في قطر جاء نتيجة حالة الذوبان الإخواني داخل الدولة القطرية ولم تعد هناك حاجة لوجود تنظيم بعد أن أصبح الإخوان جزءاً لا يتجزأ من الدولة القطرية، وأصبحت الدولة تتبنى الفكرة الإخوانية، وتعمل على ضمان انتشارها، وأصبح الإخوان إحدى الأذرع الرئيسية لمشروع حمد بن خليفة السياسي، وهو البحث عن الزعامة الإقليمية.
قد سعت الدولة القطرية إلى جعل الفكرة الإخوانية "هوية لها" بعد أن عملت على تأسيس ما تسميه "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي يترأسه الإخواني يوسف القرضاوي. ولذلك لم يعد هناك مجال للفصل بين قطر الدولة والإخوان كجماعة، فقد انصهرت الجماعة الإخوانية في المشروع السياسي للدولة القطرية.
لقد سعت الدولة القطرية إلى جعل الفكرة الإخوانية "هوية لها" بعد أن عملت على تأسيس ما تسميه "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي يترأسه الإخواني يوسف القرضاوي. ولذلك لم يعد هناك مجال للفصل بين قطر الدولة والإخوان كجماعة، فقد انصهرت الجماعة الإخوانية في المشروع السياسي للدولة القطرية، فلو عدنا للخلف ومرحلة عام 2011، أو ما تسمى بمرحلة "الربيع العربي" التي لعبت الدوحة دوراً في الدعم والتمويل، نجد أن مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين جاسم بن سلطان كان له دور بجانب الدولة القطرية في دعم هذا المشروع الفوضوي، فقد اعتمدت الدوحة على المراكز الإخوانية مثل "أكاديمية التغيير" و"مشروع النهضة الذي يترأسه الإخواني جاسم بن سلطان "لتدريب الشباب على صناعة الفوضى وتفكيك الأنظمة".
ومن هنا نجد أن حمد بن خليفة قد سعى لتحويل الإخوان من تنظيم إلى "مشروع استثماري" فقد كان يهدف إلى تحقيق طموحاته للبحث عن الزعامة الإقليمية، والذي يكون من خلال دعم قطر الإخوان للوصول إلى الحكم، في مقابل أن يسعى الإخوان ما بعد الوصول إلى الحكم لتمكين الدوحة من السيطرة على القرار السياسي للدول التي يحكمونها، وهو ما يمكن الدوحة من أن تصنع لنفسها على المستوى الإقليمي وكذلك الدولي قوة وتأثيراً سياسياً. ولكن هذا الاستثمار السياسي القطري في الجماعة الإخوانية فشل، وهذا الطموح القطري سقط بسقوط الجماعة الإخوانية ما بعد وصولها للحكم خاصة في مصر، وأصبحت الجماعة الإخوانية مرفوضة شعبياً.
أما على المستوى الدولي فسعت قطر للاستثمار في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين خاصة في أوروبا، وذلك لخلق شعبية وتأثير سياسي له، والعمل على تغلغله في المراكز الأكاديمية والثقافية. فعلى سبيل المثال، كشفت صحيفة "لوموند الفرنسية" حول طريقة تعيين "طارق رمضان" نجل الإخواني سعيد رمضان وحفيد حسن البنا "أستاذاً للدراسات الإسلامية المعاصرة في جامعة أكسفورد عام 2009 بأنه استفاد من الدعم القطري المتزايد والموجه لدعم الهيئات والمؤسسات التعليمية في أوروبا " وهو بالتالي ما يعكس أن الدعم القطري للمؤسسات والهيئات التعليمية في أوروبا كان من أجل الجماعة الإخوانية، ولإيجاد مدخل للتمكين والتغلغل الإخواني في هذه المؤسسات والهيئات، لذلك فإن الدعم القطري للإخوان في أوروبا هو محاولة خلق ما يمكن تسميته "جماعة ضغط" لأجل خدمة السياسات القطرية.
الاستثمار في الإخوان على الصعيد الإقليمي فشل ما بعد مرحلة الربيع العربي مع سقوط الجماعة الإخوانية التي أصبحت أيضاً مرفوضة على الصعيد الشعبي. وأما على المستوى الدولي فقد توضحت بوادر فشل الاستثمار القطري في الاخوان. ولذلك فإن كتاب "أوراق قطرية" للمؤلفين "كريستيان شينو، وجورج مالبرونو" أوضح الحسابات المفصلة لمنظمة قطرية غير حكومية تدعى "مؤسسة قطر الخيرية" التي تكشف عن تمويل 140 مشروعاً بما يزيد على 72 مليون يورو، ومعظم هذه الجمعيات التي تتلقى الدعم تنشر الفكر الإخواني والثقافة الإخوانية في أوروبا.
هذه الأوراق التي تتكشف عن الدعم القطري للإخوان في الدول الأوروبية الذي تأتي عقب المؤتمر الأوروبي الأول لمكافحة التطرف والإرهاب - والذي طالب الدول إلى ضرورة إنشاء آليات ومراكز خاصة لمراقبة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وكل الجماعات المتطرفة التي تروج لخطاب العنف والكراهية ونشره في المجتمعات - تضع النظام القطري في مأزق، ما يجعلها تحت المجهر الأوروبي وكذلك الدولي، وهو ما يؤدي إلى كشف المزيد من الأوراق حول العلاقة بين قطر والتنظيمات الإرهابية الأخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة