في كل مرة تحل فيها ذكرى أحداث 11 سبتمبر 2001، تنطلق التحليلات الإعلامية بإثارة واسعة عن منفذيها ومخططيها، وعلى رأسهم أسامة بن لادن
في كل مرة تحل فيها ذكرى أحداث 11 سبتمبر 2001، تنطلق التحليلات الإعلامية بإثارة واسعة عن شخصية منفذيها ومخططيها، وعلى رأسهم أسامة بن لادن، زعيم تنظيم «القاعدة» الإرهابي السابق ويده اليمنى أيمن الظواهري، لكن يظل اسم خالد شيخ محمد يأخذ الحيز الأهم من المساحات والتقارير الصحفية على أنه العقل المدبر للهجمات الإرهابية الأكثر دموية في التاريخ الأمريكي. خالد شيخ محمد، كويتي من أصل باكستاني، ولد في 1 مارس 1964 تربى في مدرسة «الإخوان» الإرهابية لينتقل بفكرها إلى مرحلة القيام بأعمال إجرامية، حيث اعترف خالد شيخ محمد بالتخطيط لـ29 عملية إرهابية أخرى، بما في ذلك شن هجمات على مبنى ساعة «بيج بن» ومطار هيثرو في لندن. ومن بين تلك الهجمات، التي قال محمد إنه مسؤول عن التخطيط لها، محاولة تفجير طائرة ركاب فوق المحيط الأطلسي، باستخدام متفجرات مخبأة في أحذية، وتفجير ملهى ليلي في جزيرة «بالي» بإندونيسيا، بالإضافة إلى هجوم آخر على مركز التجارة العالمي عام 1993.
طالما أن قطر الرسمية، ممثلة في وزير داخليتها، متورطة في رعايتها للإرهاب، ولدى الإدارة الأمريكية كل تلك المعلومات والوثائق القطعية، فلماذا لا تحاسب قطر، وتوضع في قفص الاتهام؟
عن علاقة الإرهابي خالد شيخ محمد بالنظام القطري يشير ريتشارد كلارك، منسق الأمن ومكافحة الإرهاب في إدارتي كلينتون وبوش، في مقال بصحيفة «نيويورك دايلي نيوز»، إلى أن الأغلبية يربطون اسم أسامة بن لادن بأحداث سبتمبر، لكن الأساس في هذه الهجمات خالد شيخ محمد، الذي كان على صلة مباشرة بتفجير مركز التجارة العالمي في 1993، وكانت المؤسسة الأمنية والقيادة السياسية في واشنطن تعتبرانه أخطر إرهابي هارب في التسعينيات، وبعدها اكتشفت الإدارة الأمريكية أن خالد شيخ محمد كان يعمل في قطر تحت غطاء رسمي. فعلى الرغم من طلب إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون سنة 1996 من أمير قطر- وقتها حمد بن خليفة آل ثاني - تسليم خالد شيخ إلى السلطات الأمريكية المختصة في ملاحقة الإرهابيين، والتي أوفدت فريق اعتقال لنقله للولايات المتحدة الأمريكية، «تمكن» فجأة من الهروب من الدوحة.
إذ أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى رسالة وجهها مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي «أف. بي. آي» في حينه «لويس فري» إلى وزارة الخارجية القطرية وجاء فيها: «تلقيت معلومات مزعجة تفيد بأن خالد نجا من مراقبة سلطاتكم الأمنية وأنه على علم باهتمام FBI به. إن الفشل في اعتقاله سيساعده ومعاونيه على مواصلة تنفيذ عمليات إرهابية».
صحيفة «ذا هيل» الأمريكية هي الأخرى قد رصدت الدور الذي لعبته قطر في إيواء خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر الإرهابية في عام 2001، وأوضحت الصحيفة في مقال نشرته في أغسطس 2017، أن «شيخ محمد» استخدم قطر مركزاً لإطلاق الإرهاب بدعم مباشر من أميرها حمد بن خليفة، مشيراً إلى أنه عمل في الدوحة وعاش فيها، ومنها خطط ونفذ أفعاله الإرهابية.
وفي جلسة عقدتها لجنة الشرق الأوسط في مجلس الشيوخ الأمريكي عن العلاقات بين قطر وواشنطن، كشفت رئيسة اللجنة «إيليانا روز ليتنين» عن تورط قطر في دعم الإرهاب، مؤكدة أن هناك مسؤولاً قطرياً رفيع المستوى قدم دعماً للإرهابي خالد شيخ محمد. المسؤول القطري رفيع المستوى هو الشيخ عبدالله بن خالد آل ثاني الذي شارك ابن عمه الشيخ حمد بن خليفة في إنجاح الانقلاب على الوالد الأمير، حيث جعل من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فرصة تمويل أنشطة التنظيم الدولي لـ«الإخوان»، وقادة في فروع تنظيم «القاعدة»، كما مكّن لتنظيم السروريين بالاستيلاء على هياكل الوزارة وإدارة مسجد محمد بن عبدالوهاب بالدوحة. وبعد الانقلاب تولى الشيخ عبدالله وزارة الداخلية إلى عام 2013. وبعد أن تنازل الأمير الأب لولده تميم تم إعفاؤه.
وصنّفت الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب الشيخ عبدالله بن خالد آل ثاني ضمن قائمة المحظورين لديها، إذ يستضيف في مزرعته في الدوحة أكثر من مئة إرهابي مجرم على مرأى من السلطات القطرية من بينهم مقاتلون في أفغانستان من «طالبان» وعرب، وقام بمدهم بجوازات سفر لتسهيل تنقلاتهم عبر الدول باستخدام ماله الخاص وأموال الدولة لتمويل أنشطتهم الإرهابية.
لقد استطاع خالد شيخ محمد وغيره، بدعم مباشر من الشيخ عبدالله بن خالد آل ثاني، أن يجعل من قطر حلقة وصل بين مقاتلي «القاعدة»، فقد سافر عضو «القاعدة» إلى الفلبين عام 1994 للعمل على مؤامرة بوجينكا، التي كانت تهدف لتدمير 12 طائرة تجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وشرق آسيا وجنوب شرق آسيا.
ويذكر عدة محاولات للاستخبارات الأمريكية لاعتقال شيخ محمد ونقله من قطر قبل فراره منها، لكنها باءت كلها بالفشل لتنقله المستمر بعدة جوازات سفر غير مراقبة. من ناحية أخرى، ذكرت مجلة «يو أس نيوز آند ريبورت» أن اعتقال شيخ محمد جاء نتيجة التنصت الذي كان يمارس على أكثر من عشرة هواتف نقالة كان يستعملها.
السؤال المطروح: طالما أن قطر الرسمية، ممثلة في وزير داخليتها، متورطة في رعايتها للإرهاب، ولدى الإدارة الأمريكية كل تلك المعلومات والوثائق القطعية، فلماذا لا تحاسب قطر، وتوضع في قفص الاتهام؟
ولماذا الإصرار على ابتزاز المملكة العربية السعودية على الرغم من أن القضاء الأمريكي برّأها في فبراير 2016 من أي علاقة بأحداث 11 سبتمبر 2001؟ كما قضى بتغريم إيران 10.7 مليار دولار، لتصرف كتعويضات لصالح أسر ضحايا الهجمات، بعد ثبوت تورطها في الأمر. وأصدر الحكم القاضي جورج دانيلز، بعد انتهائه من نظر دعوى رفعها مدّعون أمريكان، في وقت سابق، قدموا خلالها أدلة حول «مساعدة طهران للإرهابيين الذين نفذوا الهجمات»، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية «تسنيم».
وأوضح المصدر أن القاضي، حكم بوجود مسؤولية لإيران عن الهجمات المذكورة، وقضى بتغريمها 7.5 مليار دولار، تصرف لعائلات الضحايا، و3 أخرى لصالح شركات التأمين التي تضررت أيضاً.
هنا يجب ملاحظة أن اكتمال هذه القضية، كان في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، ومعروف عن هذا الرئيس أن لديه أجندة تمكين الإسلام السياسي في المنطقة العربية بدعمه لهم بتونس ومصر وليبيا وسوريا، واستطاع أن يحقق جزءاً من مشروعه مدعوماً بإعلام الجزيرة وفتاوى القرضاوي والمال القطري. وعندما انتهت فترة حكم أوباما وتولى الرئيس دونالد ترامب السلطة، كان من أوائل الإجراءات التي تبناها كهدف استراتيجي لسياسته، الحرب على الإرهاب، وتوجيه الاتهام إلى قطر كراعية أولى، وممولة، وداعمة للإرهاب. فهل يستطيع الرئيس ترامب ملاحقة قطر كراعية للإرهاب وتحميل جماعة «الإخوان» مسؤولية الوعاء الفكري والأيديولوجي للإرهابيين بمختلف أسمائهم، أم سيحجب المال والنفط وتجارة الأسلحة الإقدام على ذلك؟
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة