لأردوغان هدف سياسي واضح للجميع، وهو لا يجد حرجا في تغيير توجهاته مع حلفائه بصورة كاملة.
هناك إجماع، يكاد أن يكون كاملاً، بين مراقبين للسياسة الخارجية التركية في عهد صاحب طموح إعادة الخلافة العثمانية طيب أردوغان، بأنها عقيدتها تفرض عليها برجماتية التعامل مع الحلفاء قبل الأعداء وأحيانا كثيرة تتصف تلك البرجماتية بالتطرف، بل إنه لا يحمل شيئاً من اسمه نحو تحقيق طموحه السياسي أي صفة "طيب".
لأردوغان هدف سياسي واضح للجميع، وهو لا يجد حرجاً في تغيير توجهاته مع حلفائه بصورة كاملة، لهذا السبب تغيرت سياسة بلاده من "صفر مشاكل" في بدايات حكمه إلى "صفر علاقات" حالياً إلا مع نظام الحمدين، فعلى "نظام الحمدين" أن يكون مستعداً لهذه اللحظة.. لأنها قادمة!!
وعلى العكس لديه استعداد كامل وصريح في الانقلاب على حلفائه الذين يصفهم بالاستراتيجيين إن شعر بخطر قد يمس مستقبله السياسي، وليس مصلحة الدولة التركية أو الإنسان التركي فمسرحية الانقلاب أثبتت ذلك، فما هو معروف لدى الجميع بأنه مهووس بالسلطة إلى حد الجنون، والدليل أنه فعل كل ما يضمن له البقاء على رأس السلطة في بلاده، فبعض تلك السلوكيات لا علاقة لها بأخلاقيات السياسية، مثل الكذب بتعرضه لانقلاب عسكري، والتخلي عن رفقائه الذين أوصلوه للسلطة وفق مبدأ ميكافيلي.
"نظام الحمدين" في قطر هواه السياسي منذ سقوط نظام "الإخوان المسلمين" تركي، حيث وطد علاقته به في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية، واليوم أهداه طائرة بقيمة تصل إلى 400 مليون دولار من أموال الشعب القطري، ربما يظن "الحمدين" أن أردوغان سيكون "طيباً" معه لفترة طويلة، وأنه فعلاً سيبقى حليفاً استراتيجياً إن هو أغدق عليه الأموال وقدم له الدعم السياسي والإعلامي، وأن وضعه ومكانته ستكون مختلفة عما فعل "الطيب" أردوغان مع حلفائه السابقين مثل رئيس النظام السوري بشار الأسد، عدوه الأول حالياً، أو أن "الحمدين" يعتقد الحل لكل أزماته السياسية مع أشقائه في دول مجلس التعاون الخليجي ستكون مع أردوغان.
يتعذر على كل سياسي ذي بصيرة المراهنة على سياسة أردوغان باعتبارها المنقذ لأي موقف، لأنه لا توجد مواقف سواء في داخل تركيا أو في علاقاته الدولية تشفع له بالبناء عليها، بل هو من ترك "بصمة" سياسية عرفت بالمراوغة وسرعة الانقلاب دون مقدمات، لهذا لن يكون مستغرباً أو يفترض أن يكون الأمر كذلك إذا حدث مع "نظام الحمدين" في قطر، لأن الشيء الأكيد بل المنتظر ألا يكون حال قطر بأفضل حال من الدول والأنظمة الأخرى التي سبقته في علاقاتها معه.
فهو (أردوغان) يبحث في علاقاته الخارجية على شيء وحيد، وهو كيفية البقاء أطول فترة على رأس السلطة في بلاده، وربما زاد هذا الطموح بعدما استطاع أن يحول نظام الحكم في بلاده من برلماني إلى رئاسي، لذلك فإن تطرفه مع حلفائه أو غيرهم خلال الفترة المقبلة سيكون أكبر، خاصة إذا كانت دولة بحجم قطر من حيث الثقل السياسي والقوة الاقتصادية.
مصلحة أردوغان حالياً تلزمه التعامل مع نظام الحمدين، المنبوذ سياسياً في إقليمه الجغرافي، فهو يملك ما تحتاجه تركيا، سواء من دعم مالي في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها تركيا بسبب سياسات أردوغان المتشنجة مع العالم، أو الدعم السياسي من خلال إيجاد "موقع قدم" في منطقة الخليج العربي، حيث الطموحات التركية منذ زمن، وكذلك التوسط لها في الدول الأوروبية وإصلاح العلاقات مع ألمانيا وفرنسا، أو الدعم الإعلامي حيث الإيديولوجيا السياسية واحدة من خلال استضافة قيادات "الإخوان المسلمين" الهاربة من بلدانها وتعزيز صورة أردوغان في الدول العربية التي خاصمها مثل مصر وليبيا وتونس، يعني "الطيب" أردوغان يستخدم النظام القطري كورقة متعددة الفوائد في خدمة مشروعه السياسي.
نظام الحمدين، إذا كان يمتلك من الحصافة السياسية شيئاً فإنه لا يحتاج إلى براهين لإثبات مراوغات الرئيس التركي، وأنه لا يبقى على سياسة واحدة بل مصلحته الشخصية هي المعيار المحرك له، فهو كثيراً ما يغير توجهات سياساته مع حلفائه الكبار، فعلها مع روسيا وفعلها مع الولايات المتحدة وألمانيا، لذا نعتقد أن تكرارها وبقسوة مع نظام الحمدين لن يحتاج إلى جهد كبير، بل إن ردة فعله مع "نظام الحمدين" - لعدم توازن الكفتين السياسيتين على اعتبار قطر دولة صغيرة وضعيفة مقارنة بتركيا- ستكون تأثيراتها أضعافاً، ووقتها لن ينفع "الحمدين" سياسة الهدايا وخدمة قضايا الآخرين على حساب مصلحة الشعب القطري وأشقائها.
لأردوغان هدف سياسي واضح للجميع، وهو لا يجد حرجاً في تغيير توجهاته مع حلفائه بصورة كاملة، لهذا السبب تغيرت سياسة بلاده من "صفر مشاكل" في بدايات حكمه إلى "صفر علاقات" حالياً إلا مع نظام الحمدين، فعلى "نظام الحمدين" أن يكون مستعداً لهذه اللحظة.. لأنها قادمة!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة