كره تميم ونظام الحمدين لقطر أن تكون دولة حرة أبية تمتلك زمام أمرها، ورضيا لها أن تكون تابعا ذليلا وولاية جديدة في الدولة العثمانية.
ليست واقعة الطائرة الرئاسية التي أهداها تميم بن حمد لرجب طيب أردوغان هي الأولى في سجل الذل القطري والشعور بالضعة إزاء تركيا أردوغان، التي استعارت من تاريخ الدولة العثمانية عنجهيتها وتعاليها على الأتباع، والاستصغار والاحتقار الذي تعامل به سلاطين الباب العالي مع الولايات التي أوقعها سوء حظها تحت حكمهم الظلامي.
حين اكتشفت الدوحة حجمها الضئيل آثرت الارتماء في أحضان تركيا التي رأت أن تميم والحمدين لا يستحقان أكثر من موقع التابع الذليل، وأن قطر بعد فقدان المظلة الخليجية ليست أكثر من ولاية تركية خاضعة يجب عليها إثبات الولاء وتقديم فروض الطاعة
فكما كان أي تابع يبالغ في التودد والتزلف والوقوف بالأعتاب السنية للسلاطين العثمانيين، مريقاً ماء وجهه وباذلاً الرشاوى والهدايا من أجل نيل الرضا السامي، وقف تميم بن حمد بباب رجب طيب أردوغان منتظراً من السلطان المتورم غروراً أن يتعطف بقبول هدية ثمنها نصف مليار دولار من حر مال الشعب القطري، لا لشيء إلا لأن تميم بن حمد سار على نهج أبيه في تدبير المؤامرات والفتن وتصدير الفوضى والإرهاب إلى أشقائه في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وواصل ما بدأه تنظيم الحمدين من الكذب والمماطلة والنكث بالعهود والمكر السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله، فأصبحت قطر منبوذة تتسول الحماية والمساندة من أطراف إقليمية لا تُضمر لقطر وأهلها إلا الشر والاحتقار، ولا تريد لدول الخليج العربية والعالم العربي بأسره إلا الخراب والتدمير.
كره تميم ونظام الحمدين لقطر أن تكون دولة حرة أبية تمتلك زمام أمرها، ورضيا لها أن تكون تابعاً ذليلاً، وولاية جديدة في الدولة العثمانية ترهن قرارها السياسي والاقتصادي لمصلحة الجناب العالي، ولا تتحرك إلا بإذنه، وتدفع صاغرة الإتاوات التي يفرضها عليها ورثة أسوأ ما تركته الدولة العثمانية من تقاليد.
لقد أصبح على قطر أن تتحرك من أجل إنقاذ تركيا من أزماتها السياسية والاقتصادية والمتلاحقة، وأن تدفع مليارات الدولارات لمحاولة إنقاذ العملة التركية التي انهارت نتيجة رعونة أردوغان وطغيانه وإدارته الفاشلة، وأن توقع قطر مع تركيا اتفاقات ومعاهدات اقتصادية مكرسة جميعها لخدمة الجانب التركي، وأن يحج تميم إلى إسطنبول كل شهر تقريباً فيما يشبه الاستدعاء الذي يهرول لتلبيته؛ لأنه لا يجرؤ على غير ذلك، بعد أن رهن دولته وثروتها واقتصادها وأمنها لصالح تركيا، ولم يعد أكثر من دمية يتلاعب بها أردوغان، ومن هم أدنى منزلة منه في العصابة التي تحكم تركيا الآن.
رفض تميم ونظام الحمدين الاستجابة لمطالب الأشقاء الخليجيين والعرب المشروعة، التي تهدف فقط إلى إيقاف خطر الإرهاب وتجفيف منابع تمويله، وإغلاق منابر الفتنة والكراهية والشقاق التي تسببت في مآس وكوارث سياسية عصفت بالمنطقة، وجعجع تميم بالسيادة التي لا يقبل بها مساساً، لكنه نسي السيادة والكرامة الوطنية حينما ارتمى تحت أقدام أردوغان وترك له مفاتيح الأمر والنهي، دون أن يرى أن أردوغان نفسه لم يعد قادراً على حماية بلده، أو إيقاف الانهيار الذي يشمل كل المجالات في تركيا، ويظهر في صورة تردّ كامل في العلاقات الخارجية التركية مع معظم دول العالم، وتصاعد حملة القمع والتخويف والقهر في الداخل التركي، والتراجع الاقتصادي المخيف الذي تتفاقم آثاره يوماً بعد يوم، ولا يبدو أن له نهاية قريبة، والتنازلات التي يُضطر أردوغان ونظامه إلى تقديمها في ملفات إقليمية كثيرة تحت وطأة الضعف والفشل.
لقد أدت المقاطعة الرباعية العربية لقطر إلى انحسار تأثيرها السياسي وتفاقم خسائرها الاقتصادية، واهتزاز صورتها في العالم بأسره بعد انفضاح دورها في دعم الإرهاب ورعايته، وبدلاً من أن تستمع إلى صوت العقل والحكمة فإنها انطلقت تعدو بكل ما في وسعها باتجاه الهاوية، وراهنت على الجوادين الخاسرين: إيران وتركيا، من باب النكاية والمكايدة ليس إلا، فأصبح الضباط الأتراك يأمرون وينهون في الدوحة، ويتحكمون في أهلها، وتعلو كلمتهم على كلمة الضباط القطريين الذين لم يعد أمامهم إلا الخضوع وتنفيذ الأوامر، فأي هوان تسبب فيه نظام الحمدين؟ وأي مذلة يتجرعها تميم وأركان حكمه؟
كانت قطر عزيزة منيعة في ظل الحاضنة الخليجية، يلقى حكامها كل التقدير والاحترام على الرغم من أن مؤامراتهم لم تكن خافية على أحد، وكانت الدوحة مقصد السياسيين والاقتصاديين من كل أنحاء العالم، استناداً إلى مكانة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والقوة السياسية والاقتصادية التي تمتلكها هذه المنظمة الفاعلة، ولكن نظام الحمدين لم يلق بالاً لكل ذلك، وكان لا بد من وقفة حازمة معه، وحين اكتشفت الدوحة حجمها الضئيل آثرت الارتماء في أحضان تركيا التي رأت أن تميم والحمدين لا يستحقان أكثر من موقع التابع الذليل، وأن قطر بعد فقدان المظلة الخليجية ليست أكثر من ولاية تركية خاضعة يجب عليها إثبات الولاء وتقديم فروض الطاعة، ولم يكن أمام تميم إلا القبول، فليس للتابع قرار أو اختيار، وليس لمن يخون أهله وأشقاءه غير هذا المصير المهين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة