ثقافة وتعليم وصحة وفضاء.. نقلة نوعية في التعاون الإماراتي الروسي

تعاون إماراتي روسي متنام في مجالات الثقافة والتعليم والصحة والفضاء، يرتقب أن يشهد دفعة جديدة بعد زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى روسيا.
وبدأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، زيارة رسمية إلى روسيا، الخميس، يبحث خلالها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مختلف جوانب الشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين وسبل تعزيزها خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة وغيرها من المجالات التي تخدم التنمية المشتركة، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
قمة أكتوبر.. حصاد وافر
وتعد هذه الزيارة الثانية لرئيس دولة الإمارات إلى روسيا خلال 10 شهور، بعد الزيارة التي أجراها أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وافتتح خلالها الزعيمان "مركز الشيخة فاطمة بنت مبارك للتعليم" في مدرسة بريماكوف الدولية في العاصمة موسكو، في مبادرة تعبر عن الحرص المتبادل على تعزيز التعاون المشترك بين البلدين.
جاء افتتاح المركز عقب قمة إماراتية-روسية، استعرض خلالها الزعيمان مسار تطور العلاقات الإماراتية-الروسية خلال الفترة الماضية خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والفضاء والطاقة، وغيرها من الجوانب في ظل شراكة البلدين الاستراتيجية، مؤكدين حرصهما على تطوير هذه العلاقات على مختلف المستويات.
وفي لفتة امتنان ووفاء حرص رئيس دولة الإمارات على توجيه الشكر لروسيا لتعاونها مع بلاده في قطاع الفضاء، عبر كلمات، قال فيها "من الأمور التي أثرت في قلوب الإماراتيين ونتذكرها دائما أن روسيا قدمت مساهمة كبيرة في تحقيق حلم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان المؤسس رحمه الله بالوصول إلى الفضاء".
وأضاف "فقد ذهب هزاع المنصوري، أول رائد فضاء إماراتي، إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة فضاء روسية وتدرب مع سلطان النيادي صاحب أطول مهمة عربية في الفضاء في مركز يوري جاجارين الروسي".
كان هزاع المنصوري وسلطان النيادي تلقيا مجموعة تدريبية في مركز "يوري جاجارين" لتدريب رواد الفضاء بمدينة النجوم في موسكو في سبتمبر/أيلول عام 2018، ضمن مراحل الاستعدادات قبل الانطلاق إلى محطة الفضاء الدولية، التي خضع فيها رائدا الفضاء الإماراتيان، إلى تدريبات مكثفة تكللت بالرحلة التاريخية لهزاع المنصوري لمحطة الفضاء الدولية.
وحققت دولة الإمارات إنجازا تاريخيا على الصعيد العربي، في 26 سبتمبر/ أيلول 2019، بعد أن وصل رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية، ليكون بذلك أول إماراتي وعربي تحط قدماه على تلك المحطة منذ إنشائها في عام 1998.
نجاح جاء ثمار نتيجة تعاون إماراتي روسي بعد أن وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة، ممثلة في مركز محمد بن راشد للفضاء وجمهورية روسيا الاتحادية، ممثلة في وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس"، اتفاقية تعاون في يونيو/ حزيران 2018 لإرسال أول رائد فضاء إماراتي للمشاركة في الأبحاث العلمية ضمن بعثة فضاء روسية إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة "سويوز إم إس" الفضائية الروسية.
وقضى المنصوري 8 أيام على متن محطة الفضاء الدولية، في رحلة تاريخية أجرى خلالها 16 تجربة علمية بالتعاون مع شركاء دوليين، منهم وكالة الفضاء الروسية.
وجسدت تلك الرحلة طموح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في وصول أبناء دولة الإمارات إلى الفضاء.
وخلال زيارته لدولة الإمارات في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، التقى الرئيس الروسي رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري وزميله البديل في المهمة سلطان النيادي اللذين حرصا على الترحيب به في دولة الإمارات وتحيته باللغة الروسية.
وأعرب بوتين حينها عن سعادته بلقائهما متمنيا لهما التوفيق في مهامهما المستقبلية في خدمة بلدهما والإسهام في تقدمه وتطوره في مجال علوم الفضاء، وهنأ دولة الإمارات بانطلاق أول رائد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.
ثم جاء إنجاز سلطان النيادي "أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب" والتي استمر خلالها 6 شهور خلال عام 2023 على محطة الفضاء الدولية، ليعزز هذا الشغف ويدعم هذا الطموح، بما حققه من إنجازات غير مسبوقة خلال المهمة، من بينها المشاركة في 200 تجربة علمية، وإنجاز أول مهمة عربية للسير في الفضاء خارج محطة الفضاء الدولية.
التعليم والثقافة.. مسار واعد
خلال القمة التي جمعت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات وفلاديمير بوتين الرئيس الروسي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تم التأكيد خلالها أيضا على أن تعزيز التعاون بين البلدين في مجال التعليم والثقافة يعد مسارا واعدا.
ومنذ عقد تلك القمة، وحتى اليوم، شهد التعاون بين البلدين في هذه المجالين وغيرهما نقلة نوعية.
وقبل أيام، أعلنت وزارة التربية والتعليم، بدء تنفيذ برنامج "الصيف بالخارج" لعام 2025، لإيفاد 270 طالبا وطالبة من الصفين العاشر والحادي عشر في المدارس الحكومية خلال شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب، يمثلون نخبة من الطلبة المتفوقين والمشاركين في البرامج الوطنية والمسابقات النوعية، إلى مجموعة من أبرز الجامعات والمعاهد والمؤسسات البحثية والعلمية حول العالم، من بينها روسيا.
تأتي هذه الخطوة في إطار الرؤية الإستراتيجية للوزارة لبناء جيل وطني متمكن معرفيا ومهاريا.
أيضا شارك عدد من الكوادر التربوية بالإمارات في برنامج تدريبي متخصّص ينظمه مركز "سيريوس" التعليمي في روسيا الاتحادية، خلال الفترة من 18 إلى 28 يوليو/ تموز الماضي، وذلك في إطار التعاون القائم مع مؤسسة "الموهبة والنجاح التعليمية" في إقليم سيريوس الفدرالي.
تأتي هذه المبادرة ضمن جهود الوزارة المستمرة لتعزيز كفاءة المعلمين وتزويدهم بأحدث المعارف والمهارات التربوية، بما يرسخ قدرتهم على تطبيق أفضل الممارسات التعليمية العالمية في بيئات التعلم المختلفة.
أيضا، نظمت وزارة التربية والتعليم مايو/ آيار الماضي مخيماً تدريبياً تخصصياً في مجال الكيمياء بالتعاون مع مركز سيريوس التعليمي ومؤسسة الموهبة والنجاح في روسيا الاتحادية.
جاء ذلك في إطار الشراكة الوثيقة التي تجمع بين الوزارة والمؤسسات التعليمية الريادية في روسيا، واستكمالاً للتعاون المتواصل معها في المجالات التربوية، بما يحقق رؤية الوزارة الرامية إلى تعزيز تبادل الخبرات وتطوير المهارات الأكاديمية في المجالات العلمية المتقدمة.
وكانت وزارة التربية والتعليم قد وقعت مذكرتي تفاهم مع كل من وزارة التعليم في روسيا الاتحادية، ومؤسسة "الموهبة والنجاح" التعليمية في إقليم سيريوس الاتحادي الروسي فبراير / شباط الماضي وذلك في إطار مساعيها المتواصلة للارتقاء بالمخرجات التعليمية الوطنية، وتعزيز التعاون الدولي في مجالات التعليم، وتبادل المعرفة والخبرات في البحث العلمي والابتكار، وتنمية المواهب الطلابية.
ومن أبرز محطات التعاون بين البلدين في قطاع التعليم افتتاح المدرسة الروسية في أبوظبي سبتمبر/ أيلول 2022، والتي تعد أول مؤسسة تعليمية إماراتية تقدم المنهج الروسي في إمارة أبوظبي.
تعزيز مكانة التراث
على صعيد التعاون الثقافي، شاركت دولة الإمارات بجناح وطني للمرة الأولى في النسخة السادسة من “أسبوع موسكو للتصميم الداخلي”، في شهر مايو/ أيار الماضي ، بمشاركة أكثر من 1100 شركة روسية ودولية متخصصة في تصميم وتصنيع الأثاث والديكور.
وضم الجناح الإماراتي، الذي أقيم بدعم من “مجلس إرثي للحرف المعاصرة”، معرضاً يبرز إعادة تفسير حديثة لتراث الحرف اليدوية الإماراتي، من خلال تصاميم معاصرة تشمل منتجات يدوية نفذتها حرفيات إماراتيات، إلى جانب مصابيح وأوانٍ من الطين والزجاج الموراني، وكراسٍ فولاذية مطلية، وسلال فواكه من الجلد النباتي المعالج.
مشاركة مهمة تعزز من مكانة الحرف الإماراتية على الساحة العالمية.
نشر قيم التسامح
أيضا على صعيد تعاون البلدين لنشر قيم التسامح، بحث الدكتور عمر حبتور الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة مع الشيخ راوي عين الدين مفتي روسيا رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا سبل تعزيز التعاون الثنائي لتحقيق الأهداف المشتركة ودعم جهود نشر ثقافة التسامح والتعايش واحترام التنوع والتعددية وقبول الآخر وعكس الوجه المشرق والحضاري للإسلام.
جاء ذلك خلال زيارة قام بها للإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية في العاصمة الروسية موسكو أبريل/ نيسان الماضي واطلع خلالها على جهود الإدارة الدينية في خدمة المسلمين في روسيا وتوفير كل متطلباتهم الدينية وتمكينهم من أداء شعائرهم وصلواتهم وفهم قيم الدين السمحة وتعزيز التمسك بمظاهره وتعاليمه السامية التي فيها سعادة المجتمع وازدهاره.
أيضا في الشهر ذاته، دشن مركز جامع الشيخ زايد الكبير، مجسماً للجامع ومكتبة متنقلة ومعرض صور "فضاءات من نور" في جامع موسكو الكبير.
جاء ذلك في إطار إستراتيجية مركز جامع الشيخ زايد الكبير لإبراز دور الجامع كونه نموذجا متفردا عن دور العبادة في العالم، وما يجسد من رسائل تعكس قيم دولة الإمارات المتمثلة في التسامح والتعايش ومد جسور التواصل الحضاري من الإمارات لشعوب العالم، وفي إطار مبادرة "مآذن العاصمتين"، التي تأتي ضمن برنامجه "جسور".
وتضمنت المكتبة المتنقلة إصدارات المركز والبالغ عددها 27 إصدارا متخصصا بالثقافة العربية والإسلامية، وبما تتميز بها من قيم التسامح والتعايش والإخاء، وهي القيم التي تتبناها دولة الإمارات، وتسعى لنشرها بين مختلف شعوب العالم، في حين تضمن معرض الصور مجموعة من أجمل الصور الفائزة في جائزة "فضاءات من نور"، والتي شارك في مواسمها وفئاتها عدد كبير من محترفي التصوير الضوئي وهواته من مختلف الفئات والثقافات.
قطاع الصحة.. اتفاقيات وزيارات
على صعيد التعاون في قطاع الصحة، وقعت دائرة الصحة - أبوظبي خمس مذكرات تفاهم مع مؤسسات روسية رائدة في مجالات الصحة والتكنولوجيا ضمن فعاليات أسبوع أبوظبي العالمي للصحة أبريل/ نيسان الماضي.
جرى توقيع المذكرات بين دائرة الصحة - أبوظبي، وكل من معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا، وشركة "بيوكاد" للتكنولوجيا الحيوية، و معهد سكولكوفو للعلوم والتكنولوجيا (سكولتيك)، وجامعة سيتشينوف الطبية الحكومية الأولى في موسكو، ومركز ديمتري روغاشيف الوطني للأبحاث.
تهدف المذكرات إلى تعزيز التعاون البحثي عالمياً، واستقطاب الاستثمارات النوعية، ودعم تبادل الخبرات والمعرفة، إضافة إلى دفع عجلة الابتكار في مجال الصحة، وتحسين النتائج الصحية على مستوى العالم، وترسيخ مكانة أبوظبي مركزا عالميا لعلوم الحياة وحاضنة للابتكار المسؤول في الرعاية الصحية.
جاءت مذكرات التفاهم تتويجاً للزيارة التي قام بها وفد الدائرة إلى روسيا الاتحادية مارس/ آذار الماضي، ضمن الجهود الرامية لتعزيز أطر التعاون بين البلدين.
وشهدت الزيارة عقد اجتماعات مكثفة مع كبار المسؤولين ومراكز الأبحاث الرائدة ورواد الصناعة وذلك في إطار رؤية أبوظبي لتطوير أحد أكثر أنظمة الرعاية الصحية تكاملًا وذكاءً على مستوى العالم وترسيخ مكانتها كمركز عالمي للابتكار الطبي وعلوم الحياة.
تعاون أكاديمي وبحثي
على صعيد التعاون الأكاديمي والبحثي، وقعت جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، ديسمبر/ كانون الأول الماضي مذكرة تفاهم مع مؤسسة دعم الثقافة والعلوم والتعليم الإسلامية في روسيا، وذلك ضمن سعيها لتعزيز دورها الثقافي والحضاري عالميا.
يأتي هذا التعاون في إطار حرص الجامعة على إبرام شراكات استراتيجية مع المؤسسات الأكاديمية العالمية ومراكزها الثقافية والفكرية، خاصة التي تلتقي معها في الأهداف والرؤى المشتركة، إلى جانب نشر رسالة الجامعة الإنسانية والعلمية والبحثية على أوسع نطاق.
على صعيد ذي صلة بالتعاون البحثي، وقع مركز تريندز للبحوث والاستشارات، أكتوبر/ تشرين الأول الماضي اتفاقية تعاون إستراتيجية، مع جامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، بهدف تعزيز التعاون والشراكة في المجالات العلمية والبحثية والمعرفية، وفتح آفاق جديدة للابتكار وتبادل المعرفة والخبرات، إلى جانب تطوير مشاريع وبرامج أكاديمية وبحثية وتدريبية مشتركة، وتعزيز الابتكار والتكنولوجيا، فضلاً عن التعاون في التطوير المستدام والاستشارات الأكاديمية والبحثية المتخصصة.
وفي الشهر نفسه، دشن مركز تريندز للبحوث والاستشارات، مكتبه الفعلي السادس عالمياً في العاصمة الروسية موسكو، ليعمل على بناء شبكة شراكات استراتيجية مع المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية والفكرية في روسيا، إلى جانب تعزيز التبادل العلمي والتعاون المعرفي مع الأكاديميين والباحثين والخبراء والمتخصصين في مختلف المجالات العلمية.
ويرتقب أن تسهم زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الحالية إلى روسيا، في تطوير ودعم التعاون في مجالات الفضاء والتعليم والثقافة بما يصب في صالح تطوير وازدهار البلدين وتحقيق منافع للبشرية بشكل عام.