الحقيقة أن ذلك يحدث كل يوم في مجتمعاتنا، وقد كشفت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جلي عن هذا الفهم القاصر لدى البعض.
الطائفية والعنصرية أفكار تقوم على التفاضل بمكتسبات لم يكن للإنسان يدٌ فيها، ليس هناك من اختار لون بشرته، أو ديانته، أو طبقته الاجتماعية، لم يقم أحدنا من النوم ليقرر أنه مسلم أو مسيحي، سني أو شيعي، حضري أو بدوي، أبيض أو أسود، الصدفة وحدها أوجدتنا في هذه الجغرافيا، وبهذه الصفات والمعتقدات.
لكن مع ذلك تنتشر الطائفية والعنصرية في الوطن العربي حد التخمة، تقطران من كل قول وفعل، فهذا يحيل ذوي البشرة السوداء إلى المتنبي فور حدوث أي موقف معهم، وذاك ينعت بلدان الشرق الآسيوي بالتخلف والغباء لأنهم لا يفقهون لغتنا، ثم يختفي كل المنتج الإنساني للخليج خلف آبار البترول فحسب، حسداً وعنصرية، وتظهر النعرات في إسباغ الصفات الدونية بالقادمين من الغرب، ووصف المخالف في الدين بالانحلال، وبالجهل من يختلفون في الملة.
الحقيقة أن ذلك يحدث كل يوم في مجتمعاتنا، وقد كشفت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جلي عن هذا الفهم القاصر لدى البعض، في التعاطي مع الاختلاف، غافلين عن أننا وجدنا على هذا النحو مختلفين، وناسين، أو ربما متناسين أننا لم نختر أبداً ظروفنا، ولم نقرر هوياتنا.
لا شك أن الطائفيين والعنصريين يدعون الإنسانية في الخيال، والكلمات، ويحيون بذهنية السادة والعبيد، فيما يخشون أن يلبسوا ثوباً يُلحق بهم ما لا يودون سماعه، ويخشون الانتماء لأنهم يهربون من الأثر الذي سيكتسبونه من التلبّس به، وتأخذهم نزعاتهم باتجاه الهوى ضد الحق، ويدعون بأنهم محقون لأن العاطفة محركهم، مبررين لأخطائهم حين يخالفون ما يدعونه عن الطائفية والعنصرية، بالغضب حيناً، والسهو حيناً، وبما جَبَلته عليه ثقافتهم التي يحملونها وزر أعمالهم دون اجتهاد أو تفكير.
لماذا التركيز على الطائفية والعنصرية؟ لأنها قنابل موقوتة في المجتمع، تهدد أمنه واستقراره وتعمل على تفكيك مكوناته حتى لا يشعر الفرد فيه بالأمان، فالفكرة تتحول إلى مشاعر والمشاعر تصير كلمة، والكلمة تنتج فعلاً ينسف القيم ويخرب الأوطان، ولذا عمدت دول الخليج إلى ترسيخ التسامح عبر قوانين صارمة وتعليم منذ الصغر بهدف إبطال أية نزعات طائفية وعنصرية وسعت في درء هذا الخطر الداهم إلى عالمنا العربي، حيث أن التسامح والتعايش وقبول الآخر دون النظر إلى الاختلافات باعتبارها نقائص، هي ميزة تعطي الوطن كمالاً ورسوخا.
لقد تنبهت دول الخليج إلى خطورة الخطاب العنصري مبكراً، فسنت التشريعات التي حفظت الحقوق كافة، وكانت مثالاً يحتذى به في الوطن العربي لقوة القانون في ردع العنصريين، ثم ما لبثت أن تحملت مسؤولياتها تجاه الطائفية والخطاب الديني المتشدد، فنشرت الوعي وتبنت قيم الوسطية ونبذ التطرف، لتعيش جميع مكونات الوطن في سلام ووئام تحت ظل القانون.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة