برغم كورونا والعدوان.. مدفع رمضان في القدس لا يتوقف
قال رجائي صندوقة: "أشعر بالأسى أنه في ظل جائحة كورونا لم يتبق من أثر تاريخي في مدينة القدس خلال شهر رمضان إلا هذا المدفع"
غيب فيروس كورونا كل المظاهر التاريخية والتراثية التي اعتاد سكان القدس الشرقية المحتلة التمتع بها خلال شهر الصيام إلا مدفع رمضان.
ومنذ العهد المملوكي يستخدم المدفع لإعلام السكان بموعد السحور وموعد الفطور في شهر رمضان.
وفي مدينة القدس المحتلة، فإن عائلة صندوقة تقوم بهذه المهمة منذ أكثر من 120 عاما، فتوارثها الحاج يحيى عن والده الحاج أمين وورثها إلى ابنه رجائي الذي يقول إنه سيورثها إلى أبنائه.
وقال رجائي صندوقة لـ"العين الإخبارية" أقوم بهذه المهمة منذ أكثر من 30 عاما في كل فصول السنة ونحافظ عليها مهما كانت الظروف.
فمن على تلة في مقبرة المجاهدين في شارع صلاح الدين الشهير في مدينة القدس الشرقية يطلق صندوقة المدفع لإعلان السكان بموعدي السحور والإفطار.
ويسمع صوت المدفع في القدس القديمة والأحياء الفلسطينية في محيطها وأحيانا يصل الصوت إلى ما هو أبعد من ذلك.
- صلاة التراويح بالمسجد الأقصى.. من عشرات الآلاف إلى بعض المصلين
- المسجد "الأقصى" لن يفتح أبوابه للمصلين قريبا
وقال صندوقة: "على مدى 30 سنة لم أتمكن من تناول الافطار مع أبناء عائلتي في الموعد، فعندما تتجمع العائلات على موائد رمضان بانتظار موعد الإفطار أحرص على ضرب المدفع في الموعد ومن ثم اذهب إلى بيتي ولا أتمكن من تلبية دعوات الإفطار ودائما ما أكون متأخرا على ضيوفي في حال كنت أنا من دعا إلى وجبة الإفطار".
وأضاف: "في موعد الإمساك أذهب إلى مكان المدفع في وسط المقبرة سواء أكان الطقس حارا أو ممطرا وأطلق المدفع في وسط العتمة".
وشدد صندوقة على أنه يريد الحفاظ على هذا التراث، "وأنا أدرب ابنائي على القيام بهذه المهمة من بعدي".
وكانت انتشار فيروس كورونا أدى إلى غياب العديد من المظاهر التي اعتاد عليها السكان في مدينة القدس الشرقية خلال شهر رمضان مثل الصلاة الجماعية الكبيرة في المسجد الأقصى أو تزيين شوارع القدس وأزقة بلدتها القديمة بالأنوار أو حتى البسطات التي كانت تنتشر في شوارع القدس قبل الأفكار وما بعده.
كما غابت عن شوارع القدس وأزقتها فرق الأناشيد الدينية التي كانت تقدم عروضها ما بعد صلاة التراويح وتستمر حتى ساعات ما بعد منتصف الليل.
وقال صندوقة: "مع الاعلان عن حلول شهر رمضان تلقيت العديد من الاتصالات من الأصدقاء والسكان الذين تساءلوا عما إذا كان مدفع رمضان سيتوقف بسبب جائحة كورونا وكان جوابي بالنفي".
وأضاف: "كنت مصرا منذ ما قبل حلول شهر رمضان على اطلاق المدفع برغم الظروف السائدة وبالفعل فقد سعيت وحصلت على التصاريح المطلوبة من السلطات الإسرائيلية لأجل القيام بهذه المهمة".
وكانت السلطات الإسرائيلية أوقفت في العام 1995 مدفع رمضان في المدن الفلسطينية بسبب استخدام مادة البارود في إطلاقه، ولكن صندوقة أصر على الاستمرار.
وقال: "طرقت كل الأبواب وأثرت الأمر في وسائل الإعلام المختلفة فسألتني السلطات عما أريده فقلت : أريد أن أضرب المدفع".
وأضاف: "تم استدعائي إلى اجتماعات وقالوا لي: لن نسمح لك باستخدام البارود في إطلاق المدفع، وكان ردي: لا يهم، كل ما أريده هو شيء يحدث صوتا من أجل إطلاق المدفع".
تدرج الأمر إلى أن أبلغت السلطات الإسرائيلية صندوقة في العام 2001 بأن ليس بإمكانه استخدام البارود نهائيا وإنما قنابل الصوت من أجل إطلاق صوت المدفع.
وقال: "لم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ تم الطلب مني في كل سنة الحصول على تصريح مختلف من المؤسسات الإسرائيلية، فالآن أنا أحصل على 7 تصاريح مختلفة قبل حلول شهر رمضان من أجل أن أتمكن من إطلاق المدفع".
ويقوم موظفون إسرائيليون بايصال قنابل الصوت إلى صندوقه وينتظرون خارج المقبرة إلى حين سماع إطلاق المدفع ومن ثم يغادرون.
وقال صندوقة : "السلطات الإسرائيلية تريد إسكات أي صوت أو مظهر يشير إلى أن هذه المدينة عربية إسلامية".
وأضاف: "شخصيا أنا أصر على الحفاظ على المعالم الأثرية والتاريخية في مدينة القدس بما يؤكد على عروبة وإسلامية هذه المدينة".
وعلى الرغم من صعوبة هذه المهمة التطوعية فإن صندوقة يشير إلى أنه يشعر بالسعادة مع كل إطلاق للمدفع.
وقال: "في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المدينة فإنني أحيانا أتحدث إلى المدفع قبل إطلاقه وأسأله: إلى متى؟ متى تنصلح الحال؟ ومن ثم أطبطب عليه وأطلق المدفع".
وأضاف صندوقة: "أشعر بالأسى أنه في ظل جائحة كورونا لم يتبق من أثر تاريخي في مدينة القدس خلال شهر رمضان إلا هذا المدفع".