معلوم أن الإنسان لا يعيش بجسده الذي يطعمه ويسقيه بل كذلك بروحه الذي هو جوهر حياته، وبه سعادة جسمه وشقاؤه.
شهر رمضان هو شهر التوبة والإقبال على الله تعالى وشهر التعطف على الناس والإحساس بحاجاتهم وفقرهم وعوزهم، ولا يكون ذلك إلا بالتقلل من الأكل، وعدم التوسع في المطعومات والمشروبات، فإن المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء، وكما قالوا:
فإن الداء أكثر ما تراه * يكون من الطعام أو الشراب
وقد أرشدنا الله تعالى إلى ما يحفظ صحتنا وذلك بالتوازن في الأكل فقال سبحانه: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه، فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس"، فهذا إرشاد نبوي يحفظ للإنسان صحته ويعيش سعيدا في نفسه، مواسيا لغيره.
ومعلوم أن الإنسان لا يعيش بجسده الذي يطعمه ويسقيه بل كذلك بروحه الذي هو جوهر حياته، وبه سعادة جسمه وشقاؤه، كما قال صالح بن عبدالقدوس:
يا خادم الجسم كم تشقى لراحته ... أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها ... فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
وشهر رمضان هو شهر قوت الروح وتغذيته بالإيمانيات والتعلق برب البريات سبحانه، كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] والتقوى هي معنى مكتسب بالعمل الصالح وصدق التوجه إليه، وذلك بالروح والقلب، لا بالجسم، كما روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر نحو حديث داود، وزاد، ونقص ومما زاد فيه: "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم" وأشار بأصابعه إلى صدره، فعلينا في هذا الشهر الكريم الذي هو شهر التزكية الروحية أن نغذي أرواحنا بالمعاني الإيمانية، والتعلق برب البرية سبحانه،
فقوت الروح أرواح المعاني ... فإن أعطاكه الله أخذتا.
- فضائل الوضوء والنظافة من الإيمان
ديننا الإسلامي دين النظافة الحسية والمعنوية، الجسدية والروحية، فكم أمرنا الله تعالى بها في مواضيع ومناسبات مختلفة، فكما أنها شرط لصحة العبادات، فإنها كذلك تزكية للمعنويات، ولذلك حرم الخبائث وهي كل مستقذر شرعا أو حسا، وحرم الدم والخمر والخنزير والميتة والأبوال والأرواث.. وغيرها مما تكون من مكوناتها نجاسة.
معلوم أن الإنسان لا يعيش بجسده الذي يطعمه ويسقيه بل كذلك بروحه الذي هو جوهر حياته، وبه سعادة جسمه وشقاؤه.
لما في ذلك من تناسب لمنهجيته في الطهارة والنظافة، ولما فيها من حفاظ على صحة الإنسان والمجتمع والبيئة، ولذلك رتب عليها أجرا عظيما كما روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء -.
فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء-، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - حتى يخرج نقيا من الذنوب" وندبنا إلى غسل الأيدي قبل الطعام وبعده، والاغتسال للجمع والأعياد والاجتماعات وغير ذلك.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله تعالى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكريم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود التي تجمع الأكباء في دورها".
فضائل الصوم صحيا
- الصوم عبادة عظيمة وركيزة إسلامية فهو الركن الرابع من أركان الإسلام، وهو من أجل العبادات التي تقرب العبد من ربه فيثيبه عليه ثوابا لا يدخل تحت حساب، كما روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
فاختص عبادة الصوم لنفسه لزيادة تشريفها وتشريف المتحلي بها، لكونها بالغة الإخلاص لله رب العالمين، ولذلك كان جزاء هذه العبادة عظيما لا يدخل تحت حساب، كما هو جزاء الصبر، والصوم هو صبر عن مشتهيات النفس ابتغاء رضوان الله تعالى، ولذلك أعطى الصائمين من الأجر ما لم يعطه لغيرهم، فهو العبادة التي تكسب صاحبها التقوى والتقوى من أعظم مراتب الإيمان، وهي العبادة التي تغل من أجلها الشياطين ومردة الجن.
وهي العبادة التي تفتح لها أبواب الجنان واختصت بباب الريان لا يدخل منه غير الصائمين، وهي العبادة تغلق عنها أبواب جهنم، وهي العبادة التي يكون رائحة فم الصائم عند الله أطيب من المسك، وهي العبادة التي يكون الصائم فيها مستجاب الدعوة حتى يفطر.. إلى غير ذلك مما يناله الصائمون في هذا الشهر الكريم الذي ميز الله به المسلمين، ومنعه غيرهم ممن كان قبلهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة