صيام النفساء في رمضان.. متى تصوم قبل الأربعين؟
يقترب شهر رمضان ومعه يكثر تساؤل النساء النفساء عن حكم عدم صيامهن وكفارته، وهل يقع عليهن وزر إذا فطرنا لحين التأكد من انقطاع الدم؟.
رمضان المعظم هو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والرحمة والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات، ويجود الله فيه على عباده بأنواع الكرامات.
وصوم رمضان من أركان الإسلام الخمسة التي فرضها الله على كاّفة المسلمين، لذا فمن أدرك الشهر وكان سليماً غير مريض، أو مُقيماً غير مسافرٍ، أصبح الصوم عليه واجباً شرعيّاً، إمّا أداءً وإمّا قضاء.
ويستثنى من ذلك الهرم الكبير الطاعن في السن، ومن به مرض مُزمن وشديد لا يشفى منه، فهذان لا يستطيعا صيام رمضان لا قضاءً ولا أداءً.
الصيام شرعاً هو "الامتناع والإمساك بنيَّةٍ عن مُفسدات الصوم وعن جميع المُفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشّمس"، أي أنّ الصوم هو الإمساك عن تناول شيء حِسّي يدخل بطن الشخص في فترة مُعيّنة، وهو من طُلوع الشّمس إلى غروبها.
وتُعدّ النيّة شرطاً من شروط استحضار القلب والعزم على تمسّك الشّخص بنيّة الأجر و الثواب؛ ليتميّزالعبد بأفعاله بين العادة والعبادة، فيُعتَبر الصوم بذلك طاعةً وتقرُّباً لله تعالى.
حكم صيام المرأة النفساء في رمضان
يندرج النفاس ضمن مُفطرات الصوم، وهي من الأشياء التي تبطل الصوم إمّا بانتفاء شرطٍ من شروطه، أو باختلال ركن من أركانه، لذا فإن صيام النفساء في رمضان له أحكام.
وأصل هذه المُفطرات ثلاثة وردت في كتاب الله في سورة البقرة، حيث قال تعالى: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ).
وقد أجمع علماء الأمّة على أنه يجب الإمساك وقت الصوم عن المطعوم، والمشروب، والجماع، وقسّموا المُبطلات إلى قسمين وفقا للحكم الشرعي لمسبب الإفطار.
القسم الأول للمُفطرات في رمضان هو ما يبطل الصيام ويوجب القضاء، ويشمل ضمنه الحيض والنفاس.
أي أنه إذا حاضت أو نفست المرأة في نهار رمضان، ولو في اللحظة الأخيرة منه، فسد صومها ويجب عليها قضاء هذا اليوم بإجماع العلماء.
لذا أحد شروط صيام شهر رمضان المعظم التي لا يصح أداء الفريضة دونها، والتي إذا توفرت في الإنسان وجب عليه الصوم، هو الطهارة من دم الحيض والنفاس.
ويندرج الطهارة من دم النفاس تحت بند "شروط الوجوب والصحة" لصيام شهر رمضان، أي لا يجب الصوم ولا يصح بدون توفرها.
فالحائض والنفساء يحرم عليهما الصيام ويجب عليهما القضاء، لقول عائشة رضي الله عنها: "كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصيام ولا نؤمر بقضاء الصلاة".
أما ما يجب على النفساء عند الإفطار في رمضان هو القضاء، حسبما أوضح مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام.
وقال: "القضاء هو صيام الأيام التي أفطرها المكلف ذكرًا كان أو أنثى بعد انقضاء رمضان، وهو واجب في حق كل من أفطر في رمضان بعذر أو بغير عذر".
وأضاف: "يقضي أيامًا بعدد الأيام التي أفطرها، ويجوز أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف، ويجوز عكسه، بأن يقضي يوم صيف عن يوم شتاء، وعلى المكلف أن يسارع إلى قضاء ما فاته من أيام رمضان قبل دخول رمضان آخر".
حكم صيام النفساء في رمضان قبل الأربعين
أجمع الفقهاء أن صيام النفساء في رمضان قبل الأربعين لا يجوز لها الصوم أثناء فترة نفاسها وعليها القضاء فيما بعد، مثلها مثل الحائض.
والنفاس هو الدم الخارج من قبل المرأة بسبب الولادة، أما عن مدته فلا حد لأقل النفاس، فيتحقق بلحظة فإذا ولدت وانقطع الدم عقب الولادة أو ولدت بلا دم وانقضى نفاسها، لزمها ما يلزم الطاهرات من صلاة وصوم وغيرهما.
وأما عن أكثر النفاس فـ40 يوما، لحديث أم سلمة، قالت: "كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أربعين يوما"، خلافًا للمالكية والشافعية الذين قالوا ببلوغ النفاس 60 يوما.
لذا، فإن المرأة نفساء إذا انقطع عنها الدم وتأكدت من النقاء تمامًا، أي طهرت قبل الأربعين، فإنها تغتسل وتصلى ويجوز لها الصوم.
واستشهدت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية، ردا عن تساؤلا في هذا الإطار بقول الترمذي: "أجمع أهل العلم من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) والتابعين من بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي".
وأضافت في إجابتها عن سؤال: "هل يجوز للنفساء الصوم حال انقطاع الدم بعد 10 أيام فقط من الولادة؟"، بأن "انقطاع الدم بعد 10 أيام يوجب على الزوجة الصيام والصلاة وغيرهما من سائر العبادات بعد الاغتسال".
في هذا الإطار، وردت تساؤلات عديدة إلى لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بشأن حالات مختلفة للنفاس، وحكم الصوم أو الإفطار فيها، من ضمنها ما يلي:
س: زوجتي وضعت قبل رمضان بشهر، واستمر دم النفاس إلى ثاني أيام رمضان، ولكن قبل رمضان بيوم كان الدم ضعيفا جدا، فقامت بالطهارة وصامت؛ فما حكم صيام هذين اليومين؟.
ج: قالت لجنة الفتوى إنه إذا كان انقطع الدم انقطاعًا تامًا وصامتًا؛ فصيامها صحيح، أما إذا لم ينقطع الدم لكنه كان قليلا فإنه لا يجوز الصيام، ولو صامت المرأة فصيامها باطل، وعليها إعادة.
س: متى تصوم المرأة النفساء إذا انقطع الدم مبكرا؟
ج: أجاب الشيخ محمود شلبى، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، بأن حُكم المرأة في حالة النفاس كالحائض تمامًا، فإذا لم ينقطع الدم تمامًا فلا يجوز لها الصيام، أما إذا لم يكن هناك أي أثر للدم فتغسل المرأة وتصلي وتصوم.
س: زوجتي نفساء طهرت في الأربعين وصامت أيامًا ثم عاد إليها الدم فهل صومها صحيح؟.
ج: إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أيامًا ثم عاد إليها الدم في الأربعين فإن صومها صحيح، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيها الدم لأنه نفاس حتى تطهر أو تكمل الأربعين.
ومتى أكملت الأربعين وجب عليها الغسل وإن لم تر الطهر؛ لأن الأربعين هي نهاية النفاس في أصح قولي العلماء، وعليها بعد ذلك أن تتوضأ لوقت كل صلاة حتى ينقطع عنها الدم، لأن هذا دم فساد لا يمنع الصلاة ولا الصوم.