ضحايا تنظيم "الحمدين" يفضحون قضاءه.. عدالة غائبة وانتهاكات مستمرة
بعد شهر من تحذير محكمة التحكيم الدولية أمير قطر.. منظمة العفو الدولية تشن هجوما حادا على منظومة العدالة في الدوحة.
أعادت منظمات دولية وصحف عالمية فتح "الدفاتر القطرية" الملغمة بفضائح قضاء تنظيم الحمدين، الذي سقط في مستنقع الثقة المفقودة والحقوق المهدرة لأصحاب المظالم، سواء كانوا أجانب أو قطريين.
قبل يومين انتقدت منظمة العفو الدولية، منظومة العدالة في قطر، والتي لا تنصف العمال، مشيرة إلى أن المئات منهم عادوا إلى ديارهم بدون تحقيق إنصاف أو تلقي تعويض.
- الإمارات تنفي القبض على بريطاني بتهمة تشجيع قطر في أمم آسيا
- قطر تواصل الاستدانة.. الدوحة تصدر سندات جديدة بقيمة 250 مليون دولار
هذا الانتقاد جاء بعد شهر من تلقي أمير قطر تميم بن حمد، رسالة شديدة اللهجة من رئيس محكمة التحكيم الدولية ألكسي مور تدين أحكامًا صادرة عن محكمة بالدوحة على 3 من المحكمين الدوليين بالسجن 3 أعوام.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، شنت سيدة بريطانية هجوما حادا على قضاء الحمدين ووصفته بالمهزلة، على خلفية تخفيف الحكم عن قطري إلى السجن 5 سنوات، رغم قيامه باغتصاب ابنتها وقتلها وحرق جثتها.
وما بين هذا وذاك، لا يزال الألماني عمار رشيد الذي أكد عدم ثقته بالمحاكم القطرية، يبحث عمن يعيد إليه حقوقه، مقابل أعمال قام بها للدوحة قبيل انطلاق مونديال كأس العالم لكرة اليد 2015، ساعدتها في تجنب فضيحة كبرى؛ لكن كان جزاؤه إجباره على المغادرة لمجرد مطالبته بها.
مأساة عمار رشيد
في حوار نشرته صحيفة "دير شبيجل" الألمانية، قبل أيام، تحدث عمار رشيد عن مأساته مع تنظيم الحمدين، الذي حوّل حياته إلى جحيم؛ إذ أُجبر على ترك الدوحة وأعماله التجارية، دون الحصول على أمواله، مما جعله يعاني مادياً في موطنه لدرجة أنه لا يجد فيها قوت يومه.
وكان منظمو مونديال كأس العالم لكرة اليد 2015 قد طلبوا من شركة عمار رشيد الصغيرة، صنع تميمة خاصة بالبطولة وصل ارتفاعها إلى 5 أمتار وكلفت 189 ألف ريال قطري، ومنحوتة لمجسم كرة يد وصل عرضها إلى 2.5 متر؛ لكن ما دُفع لتصنيعها 52 ألف ريال فقط.
وبعد تصنيع شركته للتميمة والمنحوتة، قدم رشيد خدمة كبيرة للقطريين عندما أتاه شخص أسترالي يعمل في شركة خاصة بالمناسبات متوترا، يخبره بأن الكأس الخاصة بالبطولة لن تأتي في الوقت المناسب، وطلب منه صناعة واحدة مشابهة فقط للافتتاح حتى وصول الكأس الأصلية، حيث كان يتم تصنيعها في إيطاليا.
وصرف رشيد قرابة 50 ألف يورو لصنع نسخة الكأس في الوقت المحدد، وحين رجعت الصحيفة الألمانية للشركة الإيطالية اعترفت بأن الكأس تم تسليمها في الأيام الأولى من عام 2015، أي بعد افتتاح البطولة في يناير/كانون الأول من العام نفسه.
حينها، انتشرت صور تؤكد ما قاله رشيد، وتظهر أناسا يصنعون كأسا مشابهة للأصلية؛ لأنها افتقرت إلى الذهب الأصلي والأحجار الكريمة زرقاء اللون التي يتم تثبيتها على الكأس الأصلية.
وبعد تلك القصة بدأت الأمور تسوء بالنسبة للرجل الذي عاش في الولايات المتحدة، حيث تم إجباره على التنازل عن شركته ورحل عن الدوحة تاركاً منزله و4 سيارات فارهة، وعاد إلى ألمانيا للبحث عن حقوقه، لأنه وكما قال لـ"دير شبيجل": "التقاضي لدى المحاكم القطرية لن ينتهي بشكل جيد".
تخفيف حكم عن مغتصب قطري
ومن الألماني رشيد إلى أسرة الإنجليزية لورين باترسون (24 عاما)، والتي كانت تعمل معلمة لغة إنجليزية في الدوحة؛ لكنها تعرضت للطعن حتى الموت، وقام قاتلها القطري بحرق جثتها في الصحراء بعد اغتصابها.
وحكم على المتهم القطري "هاشم" بالإعدام عام 2014؛ لكن تم تقليص العقوبة لاحقًا إلى 10 سنوات، وقضت محكمة الاستئناف القطرية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بتخفيف الحكم ثانية إلى 5 سنوات فقط، لتعيد فتح جراح أسرة باترسون.
وشنت أليسون باترسون والدة المجني عليها هجوما حادا على القضاء القطري ووصفته بالمهزلة، على خلفية الحكم، قائلة: "أنا مُدمرة تمامًا بسبب آخر الأنباء. هذا يعني أنه سيخرج قريبًا. أين العدالة في هذا الأمر؟ حتى إنهم لم يغيروا الحكم من إعدام لسجن مدى الحياة لكن 10 سنوات ثم 5 قضاها بالفعل والآن يمكن أن يخرج. أشعر بالدمار للتفكير في أنهم يعتقدون أن وفاة لورين لا تعني شيئًا".
وتابعت: "هذا النظام القضائي مهزلة مطلقة. سألتقي السفير البريطاني ومحاميّ في وقت لاحق. سأطعن على القرار".
وقتلت لورين في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، وحكم على المتهم بالإعدام عام 2014، لكن بعد سلسلة من الطعون، تقلص الحكم إلى 5 سنوات.
انتقادات "العفو الدولية"
وفي 2019، لم تعد المسألة قصة عمار رشيد أو لورين باترسون فقط؛، بل نحو مليوني عامل يعانون في قطر، ويفتقدون لقضاء منصف.
منظمة العفو الدولية، أصدرت الثلاثاء، تقريرا بعنوان "الواقع عن كثب: أوضاع حقوق العمال الأجانب قبل أقل من 4 سنوات من بدء بطولة كأس العالم لعام 2022 في قطر"، حذرت فيه من استمرار انتهاكات حقوق العمال الأجانب، خاصة العاملين في منشآت كأس العالم 2022.
ووصفت المنظمة ظروف العمال الأجانب العاملين في قطر بأنها لا تزال "صعبة وقاسية"، داعية إلى "وضع حد للانتهاك والبؤس اللذين يلحقان بما يقرب من 2 مليون عامل أجنبي"، في إشارة إلى شكاوى حقوقية بشأنهم.
وانتقد التقرير منظومة العدالة في قطر، والتي لا تنصف العمال، مشيرًا إلى أن "المئات منهم عادوا إلى ديارهم بدون تحقيق الإنصاف أو تلقي تعويض"، في حين أن المحاكم العمالية الجديدة التي تعتزم معالجة قضايا الانتهاكات، بما في ذلك عدم دفع الأجور، مثقلة بالقضايا.
تحذير شديد اللهجة
تقرير منظمة العفو الدولية، الذي تضمن انتقادات حول منظومة القضاء القطرية، جاء بعد شهر من تلقي أمير قطر تميم بن حمد رسالة شديدة اللهجة من رئيس محكمة التحكيم الدولية ألكسي مور تدين الأحكام التي أصدرتها محكمة بالدوحة على 3 من المحكمين الدوليين بالسجن 3 أعوام، بزعم ضلوعهم في أنشطة إجرامية ترمي إلى الإضرار برجل الأعمال المعروف خالد ناصر عبدالله المسند.
وحذر رئيس محكمة التحكيم الدولية الأمير القطري من العواقب الوخيمة لمثل تلك الأحكام، مؤكدا أنه سيكون لها آثار بالغة الضرر على محاولات تصوير الإمارة الصغيرة لنفسها كساحة آمنة وموثوقة للاستثمار، بحسب مجلة "ذا لو سوسيتي جازيت" القانونية الأسبوعية البريطانية.
وقال ألكسي مور: إن "هؤلاء المحكمين سجنوا جراء قراراتهم القضائية والإجرائية"، وإن القرارات المشابهة -سواء كانت صحيحة أم خاطئة- يتخذها المحكمون الدوليون بصورة روتينية دون أن تتسبب في عواقب سلبية عليهم.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدرت المحكمة القطرية حكما بالسجن 3 أعوام على كل من سامي حوربي رئيس قسم منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في محكمة التحكيم الدولية، والمُحَكِّمة المخضرمة نتالي نجار وزميلها المُحَكِّم سمير العنابي.
وكان المحكمون الثلاثة قد أصدروا قرارا يقضي بنقل ملف نزاع بين شركة إنشاءات ورجل الأعمال القطري إلى هيئة تحكيم أخرى عقدت جلساتها في تونس، وتقرر في النهاية تغريم المسند نحو 20 مليون جنيه إسترليني (أكثر من 25 مليون دولار أمريكي)، مشيرين إلى أن قرارهم بنقل الملف يستهدف السعي لضمان توافر أكبر قدر من الحيادية.
وأثارت الأحكام مخاوف دولية بشأن قدرة قطر على العمل كمنبر عادل لتسوية النزاعات، خاصة أن قطاعها القانوني يعاني بالفعل جراء إعلان الدول الداعية إلى مكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) قطع العلاقات معها منذ 5 يونيو/حزيران.