انطلاق معركة الرقة.. نهاية "داعش" تلوح في الأفق
معركة الرقة.. طال انتظارها خاصة مع ارتفاع سقف التوقعات الدولية لبدء المعركة طوال الأشهر الماضية.
بهجومين مزدوجين في منطقة شرق الرقة السورية وآخر على قاعدة عسكرية شمال المدينة، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية بدء معركة تحرير الرقة من أيدي تنظيم "داعش" الإرهابي في الثلاثاء.
معركة الرقة.. طال انتظارها خاصة مع ارتفاع سقف التوقعات الدولية لانطلاقها طوال الأشهر الماضية، لكن تحركات قوات سوريا الديمقراطية خلال الأسابيع الماضية على أطراف المدينة، ربما كانت حاسمة بشكل كبير ومؤثرة للبدء الفعلي لمعركة التحرير من خلال فتح ممرات لاقتحام الرقة والتوغل داخلها.
وأعلن رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، بدء الهجوم على الرقة وانطلاق المعركة، فجر الثلاثاء، بتقدم قوات سوريا الديمقراطية، المكونة من فصائل كردية وعربية ومدعومة من قبل التحالف الدولي ضد داعش، بالهجوم على قاعدة عسكرية شمال المدينة ومناطق شرقها.
خسارة الرقة.. فشل داعش بسوريا
وفي الوقت نفسه، لا تخفي بعض المصادر من التحالف الدولي، صعوبة المعركة وتوقع استمرارها لمدة طويلة، خاصة أنها المعقل الرئيسي لداعش بسوريا، وأن تواجد التنظيم الإرهابي داخل سوريا قام من البداية للاستحواذ على أكبر مساحة وأهم المدن والمناطق الرابطة بين الحدود مع العراق وتركيا.
وقال ستيف تاونسند قائد بالتحالف، من الصعب إقناع الباقية المتبقية من داعش أن خسارة الرقة لا تعني فشل التنظيم النهائي وتهاوي التنظيم بشكل تدريجي بالمنقطة، ما يصعب الأمر على القوات المتحالفة وأطراف المعركة في طرد عناصر داعش خارج الحدود السورية، ويجعل من معركة الرقة أكثر شراسة في القتال مثل ما يحدث في أحياء الشفاء والزنجيلي بالجزء الغربي بمدينة الموصل العراقية بالوقت الحالي.
حدود الرقة.. كلمة السر بالمعركة
وبالرغم من تأخر انطلاق معركة الرقة لأكثر من 3 أشهر، إلا أن توقيت بدء معركة تحرير الرقة له أهمية كبري، لتزامنها مع معركة غرب الموصل التي بدأت في الـ 19 من فبراير الماضي، ما يضعف من معنويات مقاتلين داعش لتخبطهم وتشتت التنظيم في القتال في أكير من جبهة بسوريا والعراق، فضلًا عن أن انطلاق المعركة يعد رد من قبل قوات التحالف الدولي ضد تحركات داعش الإرهابية الأخيرة بتنفيذ هجمات متفرقة استهدفت بريطانيا ومصر.
ويعد موقع الرقة الجغرافي سببا رئيسيا لأهمية المعركة، نظرًا أنها حلقة واصلة أساسية بين الموصل وشرق سوريا، ما يؤكد على تضيق الخناق والحصار على فلول داعش الهاربين من معركة الموصل، بالإضافة لموقعها الاستراتيجي لأنها تطل على نهر الفرات، ما يجعل منها مركز اقتصادي هام لتوافر الزراعة والثروة السمكية، ومصدر رئيسي للطاقة الكهربائية لوجود سد الفرات بها.
ويشارك في تحرير الرقة أكثر من طرف، تتقدمها قوات سوريا الديمقراطية المكونة من فصائل كردية وعربية، المدعومة من قوات التحالف الدولي، وقوات للجيش السوري النظامي، وقوات تركية، وفصائل كردية وعربية، وتمثل المدينة السورية أهمية كبري لجميع الأطراف المتحالفة ضد داعش، لتصبح الرقة امل لجميع القوات وأطراف المعركة يسعي منها خلالها كل طرف بسط سيطرته على مناطق أخري، لتصبح بؤرة صراع دولي كبير.
وتعد الرقة مدينة هامة للجيش السوري النظامي نظرًا لقربها من مدن دمشق، وحلب، وحمص، وحماة، ودير الزور، وهي تعد المناطق الخاضعة تحت سيطرة ونفوذ قوات الأسد المدعومة من روسيا وإيران، كما تمثل نقطة سيطرة بالغة الأهمية لعناصر سوريا الديمقراطية، لمحاذتها مدينة الحسكة التي تتميز بوجود كردي كبير، ما يمكنهم من تحقيق حلم تأسيس دولة منفصلة بهم، خاصة وأن مناطق الحسكة وعفرين عين العرب" كوباني" تخضع لسيطرة الأكراد، بالإضافة لسيطرة سوريا الديمقراطية على منبج. كما أن قربها من الحدود التركية ومدن جرابلس وإدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة، يجعلها مطمع كبير لتركيا، من أجل بسط نفوذها على المناطق الكردية بسوريا وتركيا، وضرب حلم الأكراد بتركيا للاستقلال بكيان منفصل.
الرقة.. من المغول إلى داعش
الرقة.. المدينة التي اتخذها الخليفة هارون الرشيد عاصمة ثانية بجانب بغداد من عام 796 إلى عام 809، مرت بأزمات سياسية عددية أوقعتها تحت أيدي المدمرين والمخربين، منذ دخول المغول عام 1258 ودمروا ما فيها من آثار ومعالم على غرار ما فعله بالعاصمة العراقية، وتتشابه هذه المشاهد مع مشاهد سيطرة عناصر داعش على المدينة عام 2014.
وفي الـ ثالث من إبريل/نيسان عام 2013، وبعد اندلاع الاحتجاجات السورية بعامين، وقعت الرقة تحت سيطرة المعارضة المسلحة كأول مدينة يخسرها النظام السوري ويخرج مقاتليه منها، لتعلن المعارضة السيطرة على مقر المخابرات العسكرية ومراكز الاعتقال، وتدمير ما بتقي من تماثيل للرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد.
ولكن المدينة التاريخية التي شهدت ازدهار في عهد الخلافة العباسية، فقدت كل آثار الازدهار الباقية بعد أن تمكنت عناصر داعش الإرهابي من السيطرة على المدينة وإعلانها المعقل الرئيسي لهم بسوريا في الـ 12 من يناير/ كانون الثاني 2014، خاصة وأن تقع شرق حلب على بعد 160 كم، وعلى بعد أقل من 200 كم من الحدود العراقية، وبالقرب من الحدود التركية، ما سهل للتنظيم التواصل مع عناصره في باقي المدن العراقية والسورية وقتها.
ودخل التنظيم في معارك شرسة مع المعارضة المسلحة من ناحية، ومع جبهة النصرة من ناحية أخري، مستخدمًا أدوات التعذيب والعنف لفرض سيطرته وطرد جميع السكان الأصليين السوريين خارج المدينة، وتمثلت ممارساتهم الإجرامية ضد سكان الرقة التي يبلغ تعدادهم 650 ألف نسمة، إعدامات جماعية وخطف قسري لبث الرعب في نفوس المدنيين.
معركة الرقة.. استعدادات وتسليح 7 أشهر
ومنذ الـخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني، بدأت الاستعدادات الدولية لعملية الرقة السورية، بتوسعات عسكرية بمناطق ومدن تحيط المدينة السورية، وانطلاق معركة "غضب الفرات" في مراحلها الأربعة، كضمن خطة وتكتيك محدد من قبل القوات المشاركة، تمكنت من خلالها بسط السيطرة على المناطق والأهداف الحيوية التي سهلت عليهم مهمة اقتحام الرقة، فقامت بالسيطرة على المنصورة كبري بلدات الريف الغربي للرقة، وسد البعث، وعدد من قري الريف خلال يونيو/ حزيران الجاري.
بينما كان التحرك في 10 مايو/أيار الماضي نحو مدينة الطبقة وسد الفرات هي بوابة قوات سوريا الديمقراطية لفتح مداخل المدينة، والسيطرة بشكل أكبر على الأطراف، فضلًا عن قطع طرق الإمدادات الرئيسية للمقاتلين من الجهات الغربية والشرقية والشمالية.
لتعلن القوات المتحالفة أن خطة محاصرة داعش بدأت منذ أشهر طويلة، وأن الخطة اعتمدت على تأمين القوات قبل خوض المعركة بشكل فعلي، والحصار من ثلاث محاور ووقوف المقاتلين على بعد 100 كم، والبعد 3 كم عن مدينة الحسكة، والابتعاد عن الصوامع بمسافة 35 كم ما يتطلب الدعم المباشر للقوات لصعوبة المعركة. والتوغل بداخل الأحياء والقري.
وفي الوقت نفسه أكدت الولايات المتحدة الأمريكية مساندتها لقوات سوريا الديمقراطية، بإرسال مئات الشاحنات محملة بالأسلحة والمعدات العسكرية قبل انطلاق المعركة بأيام قليلة، موضحة تفهم التحالف الدولي لطبيعة مدينة الرقة من حيث الناحية الجغرافية وتوزيع عناصر داعش المسلح بداخلها، لذا فـالقتال بالرقة يتطلب أسلحة نوعية لدخول القوات الأزقة والشوارع بها، خاصة وأن المتوقع أن تنظيم داعش لن يستسلم بسهولة ولن يترك معقله الرئيسي بسوريا، لما يمثله من قيمة مادية ومعنوية لفلول داعش بالمنطقة.