يُخطئ بعض السياسيين والباحثيين الذين يروجون إلى إمكانية إجراء مصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية،
فهؤلاء يتصورون خطأ بأن التنظيم فصيل سياسي يمكن قبولة!
هؤلاء الذين يروجون للإخوان أو يُحاولون إعادة إنتاج التنظيم مرة ثانية يقعون في الخطأ الكبير بوصفهم الجماعة تنظيم سياسي أو دعوي! في الوقت الذي لا يرى فيه التنظيم نفسه كذلك، فعندما تتعامل معه كتنظيم سياسي يُصدّر لك الدين، وعندما تتعامل معه كجماعة دعوية تتفاجأ بتوصيفه لنفسه على أنه فصيل سياسي.
الإخوان يُعرفون أنفسهم بأكثر من تعريف، وكل تعريفاتهم تُخالف وتُناقض الواقع، وربما تدل على ذهنية التنظيم التي تجنح دائمًا إلى التطرف فكرًا وسلوكًا؛ فمع تطرف التنظيم ربما تحتاج كثيرًا إلى محاولة فهمه أو فهم سلوكه المراوغ دائمًا، ولعل هذا جزء من ميراث المؤسس الأول حسن البنا.
البنا كان مراوغًا مع أنصارة والمجتمع أيضًا، فقد أنشأ جماعة دعوية لم تقترب من السياسة أو حتى تمارسها مدة عشر سنوات حتى عقد مؤتمره الخامس في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي فقرر ممارسة السياسية واستخدام العنف أيضًا وهنا أنشأ ما أطلق عليه النظام الخاص.
فمنذو هذا التاريخ الذي قرر فيه المؤسس الأول السعي إلى السلطة والمنافسة عليها والخلط بينها وبين الدين والسياسة، والجماعة اعتادت المراوغة على مر تاريخها، وكان ذلك واضحًا في الكثير من الشعارات الجوفاء التي كانت ترفعها من عينة "مشاركة لا مغالبة" بينما واقعها كان يؤكد المشاركة والمغالبه معًا، كما أن الجماعة استحلت الكذب، فقد أعلنت في العام 2012 بمصر أنها لن تنافس على السلطة ثم كشفها كذبها.
هدف الإخوان من السياسة هو الاستحواذ على السلطة وألا يشاركها أحدًا، ففي برلمان عام 2012 أعلنت أكثر من مرة قبل الإنتخابات بأنها لن تنافس إلا على 30% من المقاعد، ثم فاجئت الجميع بالمنافسه على قرابة 75%؛ فالجماعة التي تكفرك عندما تمارس السياسة وتخلط الدين بها وترفع في منافستك شعار "الإسلام هو الحل" وتُصدّر للنّاس أنها تمثل الإسلام بينما غيرها يمثلون أهوائهم والشيطان، حتمًا هي جماعة لا علاقة لها بالسياسة.
لا يصح إطلاق مسمى جماعة دينية على تنظيمهم، فهي ليس لها علاقة بالدين، وإن كانت تستخدمه في تكفير الآخرين أو مبارزتهم في عالم السياسة؛ فهي جماعة متطرفة أخذت من الدين أشياء وتركت أشياء أخرى، وخلطت عملًا صالحًا وأخر طيبًا، فحق عليها وصف جماعة متطرفة، ولا يمكن أن تتسق مفاهيمها مع صحيح الدين، كما أن ممارستها لا علاقة لها بالسياسة.
الترويج للإخوان في بعض الأوساط السياسية والثقافية بأنهم قوى سياسية أو جماعة دعوية لا يُعبر عن حقيقة التنظيم ولا تعريفه لنفسه، والهدف من وراء هذه الدعوات هو إعادة إنتاج التنظيم الذي لم يتبقى منه إلا إسمه وبعض القيادات المنشقة على بعضها واتهامات متبادلة بالخيانة والسرقة والتعامل مع أجهزة استخبارات أجنبية، ورغم أن كل هذه الإتهامات مخجلة إلا أن الجماعة لا تجدي غضاضة في ترديدها.
مرت جماعة الإخوان في مصر بمرحلتين من الصدام، أحدهما في الأربعينات من القرن الماضي على خلفية حل الجماعة من قبل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، والصدام الثاني في العام 2013 عندما قام الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي بحل الجماعة للمرة الثانية بعد أن تسللت إلى الحكم ومارس قادتها وأعضاءها العنف وباتوا يمثلون خطرًا على الدولة والمنطقة، وهنا كان قرار الرئيس ومن قبلة ثورة 30 يونيو التي هتف فيها المصريون جميعًا "يسقط يسقط حكم المرشد".
بعد سقوط الإخوان مباشرة ظلت بعض الأصوات تنادي بعودة الإخوان أو دمجهم في الحياة السياسية، إلا أن الدولة تمسكت بتنفيذ القانون وعدم المحاباه وأدركت خطر الإخوان عندما كانوا في السلطة وعندما تركوها أيضًا، لذلك كان هدفها تفكيك الأفكار المؤسسة للتنظيم وليس تفكيك التنظيم فقط، فربما خطر الفكرة أكبر من خطر التنظيم، وفي كل منهما خطر على المصريين.
النظام السياسي في مصر أدرك خطر الإخوان كتنظيم وكفكرة، ولعل ما يحدث للإخوان الآن جزء من أثر المواجهة التي قامت بها مصر مع دول المنطقة الذين استشعروا خطرهم، ولعل التفكك الحالي للتنظيم إحدى ثمار القراءات الدقيقة للتنظيم وللتحولات التي مر ومازال يمر بها حتى الآن.
لا مصالحة ولا مصافحة للإخوان، فهم تنظيم متطرف، هدفه أكبر من مجرد إسقاط دولة أو دولتين في المنطقة وإنما يتعدى ذلك إلى إسقاط المنطقة العربية، ويسعى لمحاولة بناء مجده للخلافة التي يراها على أنقاض سقوط العالم، وهنا لابد أن يستشعر الجميع خطر التنظيم وأن يتوقف عن استخدامه وإستثمار وجوده من أجل تحقيق مصالح سياسية ضيقة.
لابد أن تُدرك بعض الدول الأوربية التي مازالت تستضيفهم على أراضيهم أن خطر الإخوان لا يقتصر على المنطقة العربية أو البلدان التي أتوا منها، وإنما خطر هؤلاء سوف يكون ضد البلدان التي وفرت لهم ملاذًا آمنًا، ولذلك وجب التخلص منهم.
العالم بات يُدرك خطر الإخوان وبات على يقين من أن التنظيم أصبح بمثابة المحرك الرئيس للعنف وسط كل الجماعات الدينية، وأنها هي التي وفرت التأصيل الفقهي والفكري، الذي يمثل العمود الفقري للعنف، ولعل كتابات سيد قطب، خير دليل على ذلك، حيث طرحت التأصيل الشرعي وتركت غيرها يمارس العنف بينما قامت بدعمه بكافة الصور، ثم وجدناها بين الوقت والآخر تستخدم العنف الصريح، مع دعم مفهوم العنف ومن يمارسونه.
مكر الإخوان في ممارسة العنف دليل تطرف التنظيم، ودليل جديد على ضرورة استمرار المواجهة الحكيمة والمدروسة، لابد أن تُدرك كل دول العالم أن مصلحة الإخوان ومصافحتهم فيهما أثم كبير للنّاس في مشارق الأرض ومغاربها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة