كيف تؤثر ورقة "اللاجئين" السوريين في تصاعد خطر داعش؟
استغل أردوغان ورقة "اللاجئين" كسلاح لابتزاز أوروبا ومدخل لعمليته العسكرية في سوريا، تلك العملية التي منحت "داعش" فرصا أخرى للعودة
يكاد يمر الأسبوع الأول من العدوان التركي على الأراضي السورية شرق نهر الفرات على الحدود مع تركيا، بينما المجتمع الدولي قلق بشأن مصير عشرات الآلاف من أسر تنظيم داعش الإرهابي ومعهم عناصره المعتقلون في سجون قوات سوريا الديمقراطية، منذ القضاء على تنظيمهم المتطرف أواخر مارس/آذار الماضي.
وفي هذا الصدد تريد واشنطن من أنقرة الالتزام بـ"سلامة المخيمات" التي تقطنها أعداد كبيرة من نساء داعش وكذلك "المحافظة على السجون" التي يقبع فيها عشرات الآلاف من المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين يحمل معظمهم جنسيات أوروبية، مقابل سماح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لها بالبدء بهذا الهجوم التركي بعد تراجع قواته العسكرية من المنطقة، وفي الوقت ذاته لم تخف أوروبا قلقها من تطور الأحداث، ودورها في فتح بؤرة مقاتلي تنظيم داعش مرة أخرى، خاصة أن الآلاف من المقاتلين وأقاربهم محتجزون لدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد).. ويبقى في النهاية مصير 12 ألف مقاتل غير واضح، خاصة بعد إعلان تركيا عزمها إرسال هؤلاء المعتقلين الأجانب إلى بلدانهم الأصلية، ما قد يشكل خطراً أمنياً داهماً على الاتحاد الأوروبي.
تقاتل أنقرة منذ سنوات "الاتحاد الأوروبي" بسلاحٍ جديد اخترعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. هذا السلاح يرفعه أردوغان في وجه القارة العجوز مراراً وتكراراً. تارة ليغرق القارة بهم وتارةً أخرى ليحصل منهم على مبالغ طائلة من المال. هذا السلاح "الأردوغاني" هم اللاجئون السوريون الذين تصل أعدادهم في تركيا إلى نحو 3 ملايين وفق إحصائياتٍ غير رسمية وغير محايدة.
وقد تمكن أردوغان في هذا الصدد من عقد اتفاق عرف بإعادة القبول مع قادة الاتحاد الأوروبي عام 2016، يقضي بإنهاء تدفقات الهجرة غير الشرعية من تركيا إلى الدول الأوروبية، وضمان تحسين ظروف استقبال اللاجئين في تركيا، مقابل دعم تلقته تركيا بقيمة 6 مليارات يورو. هذا الاتفاق وإن جنت منه أوروبا بعض المكاسب وقتها، إلا أنه أصبح "الورقة الرابحة" بيد أردوغان التي لوح بها علنا في هجومه الأخير، مهددا الاتحاد الأوروبي بإغراقه بآلاف اللاجئين في حال وصف العملية التركية بالغزو.
السؤال الآن من هم هؤلاء اللاجئون الذين يستخدمهم أردوغان لتهديد أوروبا وكذلك في إجراء تغيير ديموغرافي على حساب السكان الأصليين من الأكراد والعرب والسريان والأرمن في شرق الفرات؟
لا يمكن إنكار وجود أعدادٍ كبيرة من سكان دير الزور والحسكة والرقة من العرب اللاجئين في تركيا. لكن هؤلاء أغلبهم فروا من هجمات تنظيم داعش الإرهابي على قراهم ومدنهم وبلداتهم قبل سنوات. ورغم وجود علاقاتٍ متوترة بين مجموعاتٍ من هؤلاء و"الإدارة الذاتية" الكُردية، فإن العشائر العربية في المنطقة التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية مشاركين بقوة في هذا المشروع ولعبوا دوراً محورياً في إعادة أفراد من هذه المجموعات.
وقد تم بالفعل الإفراج عن سكان محليين من سجون "الإدارة" كانوا قد اعتقلوا لضلوعهم في مساعدة التنظيم المتطرف بوساطة من هؤلاء الشيوخ وبشكلٍ علني أمام عدسات كاميرات الصحفيين الذين قاموا بتغطية هذا الحدث.
يُضاف إلى سكان دير الزور والحسكة والرقة من العرب أكراد سوريون لاجئون في تركيا، وأعدادهم كبيرة، معظمهم على سبيل المثال لم يعودوا إلى كوباني بعد فرارهم منها في غضون هجوم تنظيم داعش عليها منتصف سبتمبر/أيلول 2014، وهؤلاء اللاجئون العرب والأكراد حتى وقتٍ قريب كانوا يعودون بشكلٍ طوعي إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم. ويمكن الاستعانة بالصور التي تظهر بوضوح دخول الآلاف منهم إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية أثناء سماح أنقرة لهم بقضاء أيام في بلادهم ومن ثم العودة إلى تركيا أثناء عيدَي الفطر والأضحى الماضيين.
من المفيد التكرار هنا أن معظم هؤلاء اللاجئين قد استأجروا بيوتاً ويعملون في تركيا، ولديهم أنشطة تجارية ودراسية مختلفة، ولا يحصلون على مساعدات كما تدعي أنقرة. وقد تكون المساعدات المخصصة لأنقرة من "الاتحاد الأوروبي" هي لسكان المخيمات، لكن هؤلاء أعدادهم ضئيلة وكذلك المساعدات المقدمة لهم.
وقد ساهم الاستثمار السوري في المدن الجنوبية "المنسية" من تركيا مثل شانلي أورفا وغازي عنتاب وهاتاي، بإيجاد فرص عمل كثيرة للسوريين والأتراك معاً. وتعترف مصادر رسمية حكومية تركية بأن حجم هذا الاستثمار في البلاد لا يزال يحتل المراتب الأولى عربياً وإسلامياً رغم الحرب السورية. وهذا كله ينفي مزاعم أنقرة وجود عبءٍ اقتصادي عليها نتيجة وجود هؤلاء اللاجئين على أراضيها. إذ تتزايد مساهمة السوريين في الاقتصاد التركي، حيث بلغت عام 2014 نحو 90 مليون دولار، و84 مليون دولار في 2015، و80 مليون دولار في 2016، فضلاً عن 45 مليون دولار خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2017.
هذه الوضعية الحقيقية للاجئين السوريين في تركيا لم تمنع أردوغان من تكرار اتهام الدول الأوروبية بعدم تعاونها في ملف اللاجئين السوريين، قائلاً: "إن عدم تجاوب المجتمع الدولي مع طلبه المتكرر المساعدة في تحمل مسؤولية اللاجئين السوريين قاده إلى تطوير خطة بشأن شمال شرقي سوريا". لكن في الوقع ذاته فإن تدهور الاقتصاد التركي وتراجع سعر الليرة سيجعل من خطط أردوغان أوهاماً على أرض الواقع. بينما لن تستقبل أوروبا اللاجئين نتيجة المنطقة الآمنة التي تود أنقرة إنشاءها، وإن نجحت أنقرة في بناء منطقة كهذه، فغالباً ستكون صورة "طبق الأصل" من مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" التي تتكرر فيها حالات القتل العشوائي وخطف السكان وإرغامهم على دفع فدية مالية.
وربما تستغل ألمانيا هذه المنطقة وتعيد بعض اللاجئين إليها ممن منحتهم حق "الإقامة المؤقتة" أو "اللجوء الإنساني"، خاصة أن اليمين المتطرف يطلق دعوات لعودة السوريين، وتقف العاصمة النمساوية فيينا وعواصم أوروبية أخرى إلى جانب برلين في هذه الدعوة مع حزب "التجمع الوطني" الفرنسي.
ختاماً، ورغم الهجوم التركي الأخير فلا يزال الخطر الأكبر على حاله، فالخلايا النائمة لتنظيم داعش نشطة في شرق الفرات، وبعض الداعشيات تمكن من الفرار من خيمهن قبل يومين، بينما تستمر عناصر التنظيم القابعة في السجون بالمنطقة بالعصيان. هذا كله، يأخذنا لقلقٍ أمريكي وأوروبي وعربي وإقليمي جديد، ويطرح سؤالا كيف ستستطيع أنقرة حماية المنطقة من خطرهم بينما أختام معابرها ومطاراتها على جوازات سفر أغلبهم وهي المتهمة بدعمهم منذ سنوات؟
aXA6IDMuMTQ1LjU5LjI0NCA= جزيرة ام اند امز