قانون تنظيم الفتوى العامة بمصر.. "التوافق أو سحب المشروع"
مشروع جديد لتنظيم الفتوى العامة بمصر تناقشه اللجنة الدينية في البرلمان المصري، هذه هي أهم بنوده وسبب الخلاف حوله.
بينما تتواصل النقاشات داخل البرلمان المصري، لإقرار قانون لتنظيم الفتوى العامة، أبدى أمين سر اللجنة الدينية بالبرلمان ومقدم مشروع القانون استعداده لسحبه في حال استمرار الخلاف بين المؤسستين الأبرز دينيًا، وهما الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف المصرية.
وتعد المادة الأولى في مشروع القانون محل خلاف بين الأزهر والأوقاف، حول الجهات المصرح بها لإصدار الفتوى العامة، فبحسب مقدم المشروع هناك اعتراض أزهري على تضمين إدارة الفتوى العامة بوزارة الأوقاف ضمن الجهات الأربع، فيما قدمت وزارة الأوقاف خطابا يثبت تاريخ إدارة الفتوى المتزامن مع إنشاء الوزارة.
استقلالية الفتوى
ويدور داخل أروقة الأزهر الشريف، السبب وراء موقف الأزهر الرافض لتضمين إدارة الفتوى العامة بوزارة الأوقاف كجهة مرخص لها إصدار الفتاوى، إذ يرى مشايخ الأزهر أن تكون الفتوى مستقلة بذاتها بعيداً عن السلطات التنفيذية، مثل وزارة الأوقاف التي تتبع الحكومة المصرية، بعكس الجهات الثلاث الأخرى التي تتمتع باستقلالية تامة.
ونصت المادة الأولى في مشروع القانون على أنه يحظر التصدي للفتوى العامة إلا إذا كانت صادرة عن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أو دار الإفتاء، أو مجمع البحوث الإسلامية أو الإدارة العامة للفتوى بالأوقاف.
فيما ترى وزارة الأوقاف أن ترخيص الفتوى حق أصيل لها، باعتبار أن جميع مشايخ الأوقاف درسوا وتخرجوا في الأزهر الشريف، وبالتالي لا يوجد سبب لاستثنائهم من الجهات المصرح لها إصدار الفتوى.
ولا يعارض مشايخ الأزهر ما تذهب إليه الأوقاف في حجتها، لكنهم يرون أهمية أن تبقى الفتوى بعيدة عن التشتت، لحصار فوضى فتاوى، بالإضافة لضمان بلوغ الفتوى ذروة استقلالها.
من جانبه، قال وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن "الخلاف الحقيقي هو في تحديد الجهة التي ترخص للمؤهلين بالإفتاء من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو أمر ضروري فلا توجد دولة في العالم تعاني من فوضى وعشوائية الإفتاء كما هو الحال عندنا، وفي جميع الدول الإسلامية توجد جهة واحدة تختص بالإفتاء والترخيص به".
ولفت وكيل الأزهر إلى أن "البعض يدعي أن هيئة كبار العلماء تمنع الأئمة بوزارة الأوقاف من الإجابة عن أسئلة المصلين وجماهير الناس الذين يلتقونهم في ندواتهم ومجالسهم، فضلا عن بيان أحكام شريعة الإسلام في خطبهم، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فليس من المنطقي أن تمنع هيئة كبار علماء الأزهر أبناء الأزهر العاملين في وزراة الأوقاف من ممارسة دورهم في تبصير الناس بأحكام شريعة دينهم متى كانوا مؤهلين بالعلم الفقهي فيما يسألون فيه في الوقت الذي تجيزه لزملائهم الوعاظ بالأزهر كما يدعي البعض".
وأوضح أن المادة الثانية حصنت المجال الدعوي، سواء أكانوا من العاملين بالأزهر أو الأوقاف من الملاحقة بدعوى تعرضهم للإفتاء، حيث إنها عدت ذلك من صميم عملهم، وليس تصديًا للفتوى المقصود تنظيمها بهذا القانون.
وشدد المسؤول الأزهري على أن هذه المادة توضح بما لا يدع مجالا للشك أن الأزهر لم يفرق بين أبنائه كما يريد البعض أن يروج لذلك على خلاف الواقع.
ونصت المادة الثانية في مشروع القانون على أن للأئمة والوعاظ ومدرسي الأزهر الشريف أداء مهام الوعظ والإرشاد الديني العام بما يبين للمصلين وعامة المسلمين أمور دينهم.
استعداد للانسحاب
النائب الدكتور عمر حمروش مقدم المشروع، قال لـ"العين الإخبارية" إنه أبلغ رئيس اللجنة في الاجتماع الماضي، باستعداده لسحب مشروع القانون، في حال ارتأت اللجنة ذلك، في سبيل أن نكون جميعاً صفًا واحدًا وألا يحدث شق أو تباعد بين المؤسسات الدينية.
وفي تصريحات خاصة عبر الهاتف، أضاف النائب "في رأيي الخلاف الحالي يعالج بمزيد من الدراسة ومزيد من اللقاءات والاجتماعات.. والجميع متفق على الغاية السامية من المشروع، وأهمية وضع ضوابط للفتوى العامة في هذه الآونة".
ويهدف المشروع المقدم، بالتزامن مع مشروع آخر لتجديد الخطاب الديني، إلى التصدي لمستغلي وسائل الإعلام في إصدار فتاوى مضللة وشاذة، وأخرى تدعو للعنف وعدم قبول الآخر.
وبحسب تصريحات صحفية، لرئيس اللجنة الدينية أسامة العبد، فإن وزارة الأوقاف قدمت في الاجتماعات الأخيرة ما عدته إثباتا أن هناك إدارة للفتوى بوزارة الأوقاف تعود إلى قرار منذ عام 1988، ما دفع اللجنة الدينية للإبقاء على إدارة الفتوى ضمن جهات من يرخص لها الفتوى العامة، وهو ما رفضه ممثلو الأزهر الشريف.
وأوضحت المصادر أن هناك رفضا من الأزهر في أن تؤول الفتوى لجهة بخلاف هيئة كبار العلماء أو دار الإفتاء أو مجمع البحوث الإسلامية، معتبرة أن هذا الأمر سيخرج الفتوى من عباءة الاستقلالية.
حلحلة الأزمة
ورغم حالة الجمود التي تشهدها النقاشات الحالية، لكن مقدم المشروع رأى أن هناك مساعي حميدة تبذل من جانب أعضاء اللجنة للتوفيق بين المؤسستين قبل الجلسة العامة، دون أن يذكر مزيدا من التفاصيل.
لكن عبد الكريم زكريا وهو نائب آخر باللجنة الدينية، ألمح إلى أن قائد هذه المساعي هو رئيس اللجنة الدكتور أسامة العبد، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن رؤية اللجنة تتلخص في أن الأزهر هو المرجعية الرئيسية لإصدار أي فتوى، وأن باقي الجهات خرجت من عباءة الأزهر وهو ما يزيل أي مخاوف بشأن عدم استقلالها.
وأضاف عبد الكريم لـ"العين الإخبارية" أنه لا يوجد خلاف أو جدل أو حديث عن استحواذ مؤسسة دون غيرها على حق الفتوى.
وذهب كل من حمروش وعبد الكريم إلى أن القانون سيخرج إلى النور قريبًا، فيما أوضح النائب حمروش أن سبب التأخير هو مناقشة القوانين المكملة للدستور، لما لها من أولوية.
وكان رئيس اللجنة الدينية أسامة العبد قال في تصريحات صحفية، لوسائل الإعلام، إن "الكلمة الأخيرة ستكون للجلسة العامة عندما يعرض مشروع القانون للمناقشة".
يُشار إلى أن قانون تنظيم الفتوى العامة يأتي في إطار استراتيجية تتبناها الدولة المصرية في محاربة الإرهاب، الذي يعد منبته الرئيسي الفتاوى الشاذة والمضللة، التي يستند إليها الإرهابيون في جرائمهم بحق الغير.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة، خاضت مصر حربًا موسعة ضد الجماعات الإرهابية، ممن يستهدفون الجيش والشرطة، في محافظات عدة، وبالأخص في شمال سيناء، شمالي البلاد.
وتخوض مصر حربا موسعة ضد الإرهاب منذ نحو 5 سنوات، من خلال عمليات عسكرية وأمنية تنفذها قوات الجيش والشرطة ضد الجماعات الإرهابية، في جميع محافظات مصر، وخاصة شمال سيناء شمالي البلاد.