بدأ الخميني مبكراً تصفية كل خصومه، بل وحتى شركائه وأصدقائه الذين خالفوه الرأي
ظلمنا الشعب الإيراني سابقاً حين وصفنا الثورة التي قام بها ضد نظام الشاه السابق بأنها "خمينية"، مع العلم بأن من قام بالثورة هو الشعب الإيراني كله، يساره ويمينه، دون أي إنكار لدور رجال الدين والملالي في أعمال هذه الثورة، لكن الإجحاف هو إهدار ونسيان دور باقي الأحزاب وخاصة اليسار منها.
والذي حدث فعلاً هو أن الشعب الإيراني عندما قام بالثورة وبدأت أركان النظام بالانهيار وأحس الغرب ببداية خسارة حليفه في ايران، ولأن الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي كانت في ذروتها وأشدها، ولأن الغرب خشي إن سقط حليفه نظام الشاه أن يسيطر اليسار على الحكم بحكم أنه عنصر مهم من عناصر الثورة الإيرانية، ولو كان هذا لكان الالتقاء الأيديولوجي بين نظام الحكم في إيران والاتحاد السوفيتي المتاخم له حدوداً، ولانفتح الباب للاتحاد السوفيتي عن طريق إيران ونظامها الجديد على الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، ولبدأت السيطرة السوفيتية على الشرق الأوسط؛ أو هكذا توهم وخشي الغرب، وهو ما دفعه إلى العمل سريعاً بعد أن استبان له بداية سقوط نظام الشاه أن يجد حلاً لهذه المعضلة، فوجد الحل في دعم الخميني ورجال الدين والنفخ بهم إعلامياً لإظهارهم على أنهم قادة هذا العمل الثوري، وبدأ بالعمل - إعلامياً واستخباراتياً - على تسليم هؤلاء الملالي خيوط اللعبة في إيران ظناً منه - أو هكذا يُفترض - أن الفكر الديني أياً كان لن يكون قريباً من فكر الاتحاد السوفيتي لاتهامه بالإلحاد في ذاك الوقت من قبل كل من كان يحمل الفكر الإسلامي بالشرق .
مع يقيننا بخطورة سياسة النظام في إيران وأثره السلبي على الإقليم إلا أن الفراغ الذي قد يسببه سقوطه أو اهتزاز أركانه، يجب أن يُملأ بطريقة تلقائية تضمن الاستقرار لإيران ومن ثم للمنطقة عموماً.
بهذه الصورة تمت "سرقة" ثورة الشعب الإيراني وتم تسليم زمام الأمور "للبعض" دون البقية!
ولأن الخميني وقادة النظام الجديد يعلمون تماماً دور باقي الشعب الإيراني وأحزابه في الثورة، وأنهم غير منفردين بهذا العمل الثوري، لذا فقد بدأ مبكراً تصفية كل خصومه بل وحتى شركائه وأصدقائه الذين خالفوه الرأي، وبدأ حملة اعتقالات وإعدامات وتم إغلاق كثير من المؤسسات الإعلامية والجامعات، وذلك لتستتب عملية "سرقة" الثورة دون أي منغص!
لذلك قلت في البداية إننا - إعلامياً - ظلمنا الشعب الإيراني عندما أسمينا ثورته بأنها "خمينية" مع إنها لم تكن هكذا أبداً، لنسترجع هذه الأحداث وهذه النظرة المغايرة لما حدث في سبعينيات القرن الماضي، وإيران اليوم تشتعل فيها أعمال شعبية رافضة لسياسة نظامها، معلنة فقدها لما تبقى من صبرها على كل هذا العبث السياسي الذي يمارسه هذا النظام، نسترجع هذا لنؤكد على عدة حقائق نؤمن بها في الخليج العربي ... أولها وأهمها: إننا ضد الفوضى في أي دولة وأي مجتمع، وإننا مؤمنون بأن أي تغيير يجب أن يضمن الأمن والاستقرار للشعوب، إذ إن الفوضى ودعمها ليس من منهج دول الخليج.
وثاني هذه الحقائق أنه مع يقيننا بخطورة سياسة النظام في إيران وأثره السلبي على الإقليم؛ إلا أن الفراغ الذي قد يسببه سقوطه أو اهتزاز أركانه، يجب أن يُملأ بطريقة تلقائية تضمن الاستقرار لإيران ومن ثم للمنطقة عموماً .
كثير من دول المنطقة وأحزابها وجماعاتها هرولت للثورة التي أسميناها خمينية في البداية، وظلمنا وقتها الشعب الإيراني، واليوم علينا أيضا ألا نهرول نحو أي فوضى قد تعمّ إيران بحجة عداء النظام هناك لنا أو تدخلاته السلبية، فالتغيير له أسلوبه وطريقته التي تضمن عواقبه وتجنّب الشعب الإيراني وتجنبنا أيضا ويلات الفوضى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة