تقنية «ثورية» تضخ الليثيوم الرخيص.. هيمنة وشيكة لـ«نفط المستقبل»
استخراج أقل تكلفة وأكثر كفاءة يبشر بفجر الطاقة الخضراء
تطور شركة IBAT الأمريكية تقنية جديدة وصفتها بـ"الثورية" لاستخراج الليثيوم بتكلفة منخفضة ماديا وبيئيا، فيما شبهت وسائل إعلام هذا التطور بتكنولوجيا «التكسير الهيدروليكي» التي مكنت الولايات المتحدة من استغلال احتياطيات هائلة من النفط والغاز الذي حُبس لسنوات.
والليثيوم، الذي تم اكتشافه لأول مرة في القرن التاسع عشر دون أن يتم التعرف على جدواه، أصبح بمثابة النفط الجديد في القرن الواحد والعشرين، إذ يستخدم في تصنيع بطاريات الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والسيارات الكهربائية، ويتم اعتباره الآن حجر الزاوية في جهود التحول نحو الطاقة الخضراء.
- انتكاسة في أكبر مفاعل نووي على وجه الأرض.. هل ينهار حلم القوى العظمى؟
- السندات المصرية ترتفع بعد تغيير وزير المالية.. كجوك «المحبوب» يثير التفاؤل
ببساطة.. كيف نستخرج الليثيوم ومن أين؟
يستخرج الليثيوم بعدة طرق وفقا للمنبع، ووفقا للتقنية المعتمدة في هذا الشأن.
وبصورة رئيسية، يتم استخراج الليثيوم من الصخور الغنية بهذا المعدن، أو من المياه المالحة الموجودة في الينابيع الحار في باطن الأرض والتي تترسب فيها أيضا كميات الليثيوم إلى جانب معادن أخرى.
وبشكل عام، فإن استخراج الليثيوم من الصخور في المناجم المفتوحة يوفر كميات كبيرة من الليثيوم، لكنه يتطلب تسخين الصخور على نحو يستهلك طاقة كثيفة غالبا ما تكون أحفورية، وهو ما يعني تأثيرات بيئية كبيرة.
في حين أن استخراج الليثيوم من المياه المالحة يتم وفقا لأسلوبين رئيسيين، الأول هو التقليدي حيث يتم استخراج المياه المالحة الغنية بالليثيوم من باطن الأرض إلى السطح، وضخها في برك خاصة، ثم تترك المياه للتبخر قبل أن يتم جمع الملح المليء بالمعادن واستخراج الليثيوم منه.
وهذه الطريقة منخفضة التكلفة، وأقل تأثيرًا على البيئة، لكنها تستغرق وقتا طويلا جدا لحين إتمام عملية الاستخراج.
أما الطريقة الرئيسية الثانية لاستخراج الليثيوم من المياه المالحة، فهي الاستخراج المباشر (Direct Lithium Extraction - DLE) وتعتمد هذه الطريقة على استخدام تقنيات كيميائية متقدمة لاستخراج الليثيوم من المياه المالحة بشكل مباشر، على نحو يسرع من عملية الاستخراج ويقلل من استهلاك المياه.
ولكل شركة في العالم نسختها الخاصة من تقنيات الاستخراج المباشر، والتي يمكن تشبيهها مثلا بفلاتر تنقية المياه العادية في المنازل.
وتهدف إلى استخراج حوالي 90% أو أكثر من الليثيوم من المحاليل الملحية، مقارنة بحوالي 50% في طريقة "البرك" المسطحة.
وهناك طرق أخرى للاستخراج لكنها لازالت قيد البحث حتى الآن مثل التقنيات الحيوية (Biological Methods)التي تستخدم الكائنات الحية لاستخراج الليثيوم من المحاليل، كما أن هناك تقنيات جديدة تعمل على زيادة كفاءة الاستخراج والامتصاص وتقليل الآثار البيئية مثل تقنية تبادل الأيونات والطرق النانوية.
ما هي التقنية الثورية التي تقدمها IBAT؟
تقول شركة International Battery Metals (IBAT) إنها انتهت بنجاح من تطوير الجيل الثالث الثوري من أنظمة استخراج الليثيوم من المياه المالحة وفقا لأسلوب الاستخراج المباشر DLE.
ووفقا لما نقلته "رويترز" عن الشركة، فإن الحل الجديد يخدم أبعادا كثيرة، فهو من ناحية يتضمن تكنولوجيا أكثر كفاءة لترشيح الليثيوم، ومن ناحية أخرى يتضمن نظاما هندسيا مبتكرا يتيح إعادة فك وتركيب محطات استخراج الليثيوم في مواقع الاستخراج، كما أن تقنيتها تتيح استخراج الليثيوم بمعدلات تجارية تقارب 5000 طن سنويا، وكذلك تقليص الوقت المستغرق بين بدء تدشين المصنع وحتى مرحلة التشغيل التجاري الكامل.
ولا يمكن ترجمة كل هذه النتائج الثورية سوى إلى أنها ستساعد بحق في توفير إمدادات أرخص وأسرع واقل تكلفة بيئية من المعدن الحيوي لكل بطاريات العالم.
المصنع المحمول.. إبداع هندسي خاص
طورت شركة IBAT مصنعا خاصا بها ليكون محمولاً، وفق استراتيجية "المصانع الصغيرة نسبيًا"، وهي بهذا الإبداع الهندسي تتغلب على صعوبات بناء منشآت دائمة في مواقع الاستخراج وهو الأمر الذي كبد الشركات مبالغ كبيرة خاصة وأنه يتم في مناطق نائية حيث يصعب توفير العمالة والمعدات للبناء.
وتقول IBAT انها قامت بتصميم وبناء مصنع متنقل بطول 450 قدمًا (137 مترًا) في لويزيانا، ثم تم تفكيكه إلى 13 جزءًا ونقله إلى موقع آخر.
وتقول الشركة إنه يمكن إضافة مصانع إضافية وتكديسها مثل لعبة "الليغو" لتعزيز الإنتاج، وقالت إن بناء مصنع IBAT والوصول إلى الإنتاج يستغرق 12 شهرًا فقط.
في المقابل، عادة ما يستغرق بناء محطات استخراج الليثيوم التقليدية ما يصل إلى 3 سنوات.
وقد تم تصميم مصنع IBAT بحيث تقل مساحته عن 3 أفدنة (1.2 هكتار)، للانتقال في المستقبل إلى مكان جديد لإعادة الاستخدام، مما يوفر تكاليف البناء.
ويتكلف المصنع ما بين 50 إلى 60 مليون دولار، اعتمادًا على عدة عوامل.
الإنتاج التجاري.. هدف رئيس في حقل الليثيوم
كان الإنتاج التجاري في حد ذاته بندا للسباق والمنافسة بين جميع الشركات التي تعمل على تطوير نسخ خاصة بها من تقنية الاستخراج المباشر DLE.
وبتقنيتها تلك، ستكون شركة IBAT أول من بدأ الإنتاج التجاري، وهو الهدف الذي يسعى إليه مستثمرو الصناعة والمحللون والعملاء.
ويرى خبراء الصناعة بشكل عام أن الإنتاج التجاري يحدث عند وصول مستويات الإنتاج السنوية إلى 5000 طن متري أو أكثر وبمستويات جودة ثابتة، وهو ما تقول IBAT إنها حققته بالفعل وبشكل عملي خلال تجاربها في أحد مواقع الاستخراج المملوكة لشركة أمريكية أخرى هي US Magnesium.
في هذا الموقع الواقع بريف ولاية يوتا الأمريكية، والذي يسحب المياه المالحة من بحيرة سولت ليك الكبرى، تقوم IBAT بمعالجة المحاليل الملحية من منشأة نفايات مخلفات شركة US Magnesium.
وتقول IBAT إنها تقترب من زيادة الإنتاج إلى معدل سنوي يبلغ حوالي 5000 طن في غضون 4 أسابيع فقط، دون أن توضح معدلات الإنتاج الحالية.
وفي المقابل حاول المنافسون الآخرون لأكثر من عقد من الزمان تسويق تقنيات DLE الخاصة بهم، لكن خططهم تضمنت أحجام إنتاج تبلغ 20 ألف طن سنويًا فقط تقريبا.
الامتصاص الانتقائي.. كفاءة أكبر في الاستخراج
وتقول IBATإن تقنية الامتصاص الانتقائي التي ابتكرتها تتضمن مادة ماصة محسنة تعمل على استخراج أيونات الليثيوم والكلوريد بشكل انتقائي، دون الحاجة إلى دورات تجديد الحمض والقاعدية، وهي بذلك ببساطة نستخرج الليثيوم من المحلول الملحي بالماء وتعيد حقن المحلول الملحي في الأرض.
وقالت الشركة إن تقنيتها تتضمن معدل امتصاص مرتفع: "لقد تم اختبار نظامنا المطبق بالكامل وأثبت أنه يحقق عائدات من الليثيوم تزيد عن 95%".
فجر جديد لعالم الليثيوم
يقول المحللون إنه من المتوقع أن تنمو تقنية DLE في غضون عقد من الزمن لتصبح صناعة تبلغ إيراداتها السنوية 10 مليارات دولار.
وتأتي خطوة IBAT في وقت جابهت فيه صناعة الليثيوم اختبارا صعبا، حيث انخفض سعر المعدن بأكثر من 80٪ في العام الماضي، مما أدى إلى تسريح الكثير من العمال في الشركة الرائدة بالصناعة.
ومع ذلك، تخطط IBAT لبناء المزيد من مصانعها وتسويقها للاستخدام في جميع أنحاء العالم.
وتخطط شركة US Magnesium للبدء في دفع رسوم لشركة IBAT بمجرد أن تبدأ في بيع الليثيوم الخاص بالمشروع.
وذكرت رويترز أن شركة إكسون موبيل التي تقوم بتطوير مشروع ليثيوم في أركنساس، فكرت أيضا في استخدام تقنية IBAT.