روبيو «صقر كوبا».. الطريق إلى هافانا يمرّ عبر فنزويلا
لطالما اعتبر ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الأمن القومي بالإنابة، أن إضعاف النظام الكوبي أو إسقاطه هدف استراتيجي طويل الأمد، يقوم على قناعة راسخة لديه بعمق الترابط الأمني والاقتصادي بين هافانا وكاراكاس.
ومن هذا المنطلق، يرى روبيو أن أي تغيير جذري في فنزويلا يمكن أن يشكّل ضربة مباشرة لكوبا.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تعود جذور هذا التصور إلى الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، حين تلقّى اتصالًا هاتفيًا عاجلًا قبيل الفجر من مستشاره للأمن القومي في ذلك الوقت.
كانت الأخبار القادمة من فنزويلا تتحدث عن احتجاجات واسعة، وانشقاقات في صفوف الجيش، ونقل الرئيس نيكولاس مادورو على عجل إلى مجمّع عسكري، في مشهد أوحى آنذاك بأن الإطاحة به باتت وشيكة.
غير أن هذا الأمل سرعان ما تبخّر، فبحسب مسؤولين أمريكيين، لعبت كوبا دورًا محوريًا في إفشال تلك المحاولة، ما شكّل خيبة أمل للرئيس ترامب وفريقه، وكذلك لماركو روبيو، الذي كان آنذاك سيناتورًا جمهوريًا عن ولاية فلوريدا وأحد أبرز الأصوات الداعية إلى إسقاط مادورو.
بيد أنه وبعد نحو 7 سنوات، لا يزال الرئيس الفنزويلي في موقعه، فيما انتقل روبيو إلى قلب السلطة التنفيذية، ليتحوّل إلى أحد أبرز مهندسي سياسة أمريكية تقوم على تصعيد الضغوط، بما فيها الضغوط العسكرية، على فنزويلا.
ورغم أن الهدف المعلن لهذه السياسة يتمثل في إخراج مادورو من الحكم، فإن تحقيقه قد يخدم غاية أعمق بالنسبة إلى روبيو، تتمثل في توجيه ضربة قاسية للنظام الكوبي.
ويختصر خوان غونزاليس، المستشار السابق للبيت الأبيض لشؤون نصف الكرة الغربي في إدارة جو بايدن، هذه المقاربة بقوله إن «نظرية التغيير لديهم تقوم على قطع كل أشكال الدعم عن كوبا»، مضيفًا: «وفق هذا المنطق، إذا سقطت فنزويلا، ستسقط كوبا لاحقًا».
وقد عبّر روبيو عن هذه الفكرة علنًا في مناسبات سابقة. ففي مقابلة مع الإذاعة العامة الأمريكية عام 2019، قال إن إضعاف كوبا سيكون «نتيجة جانبية مرحّبًا بها» لأي تغيير في فنزويلا، حتى وإن لم يكن الهدف الأساسي من الضغط على مادورو. وأضاف حينها: «أي أمر يضر ديكتاتورية شيوعية هو أمر أؤيده».
أما خلف الأبواب المغلقة، فكان روبيو أكثر وضوحًا، ووفق مساعد سابق في مجلس الشيوخ، اعتاد روبيو مناقشة الدعم الفنزويلي لهافانا بتفصيل مع زملائه ومسؤولين أمريكيين ودبلوماسيين أجانب، عارضًا رؤية تقوم على أن فك الارتباط بين فنزويلا وكوبا ستكون له تداعيات مدمّرة على النظام الكوبي.
ويؤكد مسؤول أمريكي آخر شارك في إحاطات مع روبيو خلال إدارة ترامب الأولى أن «كل شيء يعود في النهاية إلى كوبا، وأي خطوة تُضعف النظام هناك».
وشكّلت أحداث أبريل/نيسان 2019 محطة مفصلية في هذا التفكير، إذ خلص روبيو وفريق ترامب إلى أن كوبا كانت العامل الحاسم في إنقاذ مادورو، لا قاعدته الشعبية ولا قيادته العسكرية. فبحسب جون بولتون ومسؤولين سابقين، حذّرت الاستخبارات الكوبية مادورو مسبقًا من المخطط، وأسهم عملاء كوبيون داخل فنزويلا في إفشاله، فيما كانت طائرة جاهزة لنقله إلى هافانا عند الحاجة.
وفي خضم تلك الأحداث، رفض روبيو توصيف ما جرى على أنه محاولة انقلاب، مشددًا على أن واشنطن لا تعترف بمادورو رئيسًا شرعيًا، وكتب حينها على وسائل التواصل الاجتماعي إن: «الانقلاب الوحيد هو الذي نفذته كوبا دعمًا للديكتاتور مادورو».
وبالنسبة لروبيو وعدد من المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم بعض العاملين في إدارة بايدن، أكدت تلك التجربة عمق التحالف بين فنزويلا وكوبا، وهما دولتان شكّل قادتهما اليساريون تحديًا متواصلًا للسياسات الأمريكية منذ عهد الرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور.
كما أن كوبا، بحكم قربها الجغرافي من فلوريدا، وأيديولوجيتها الشيوعية، ورمزية أزمة الصواريخ عام 1962، فضلًا عن النفوذ السياسي الكبير للجالية الكوبية-الأمريكية في جنوب فلوريدا، تحتل مكانة استثنائية في حسابات صناع القرار في واشنطن.
وترتبط هافانا وكراكاس بشراكة اقتصادية وسياسية وأمنية وثيقة، يسعى القادة الكوبيون إلى صونها خشية أن يؤدي سقوط مادورو واستبداله بزعيم مدعوم أمريكيا إلى تهديد مباشر لبقاء نظامهم. ويرى معارضون كوبيون أن هذا الترابط يمثل نقطة ضعف قاتلة.
وفي هذا السياق، قال المعارض الكوبي خوسيه دانيال فيرير، الذي فرّ إلى الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي بعد الإفراج عنه من السجن والتقى روبيو، إن الإطاحة بمادورو «قد تمهّد أيضًا لسقوط النظام في هافانا، أو على الأقل تضعه على هذا المسار»، واصفًا النظام الكوبي بأنه «أصل الشر». وأضاف أنه ناقش مع روبيو خلال لقائهما في وزارة الخارجية الشهر الماضي طبيعة الروابط الوثيقة بين فنزويلا وكوبا.
غير أن منتقدين يرون في هذا الطرح قدرًا كبيرًا من التفاؤل السياسي. فالنظام الكوبي أثبت قدرته على الصمود أمام عقود من العزلة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ولا يزال يستفيد من دعم قوتين كبيرتين هما روسيا والصين.
كما أن اعتماده على فنزويلا تراجع مقارنة بما كان عليه قبل عشر سنوات، بعدما أدت العقوبات الأمريكية والانهيار الاقتصادي في فنزويلا إلى تقليص صادرات النفط إلى هافانا في السنوات الأخيرة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA==
جزيرة ام اند امز