لماذا على أمريكا الشعور بالقلق من خطط بوتين؟
بوتين يجتاح النظام العالمي الذي تقوده أمريكا في مختلف بقاع العالم من أفريقيا إلى البلقان وأمريكا اللاتينية
لماذا على أمريكا الشعور بالقلق من خطط بوتين؟.. سؤال طرحته الصحيفة الأمريكية "وول ستريت جورنال"، الإثنين، إذ رأت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجتاح النظام العالمي الذي تقوده أمريكا في مختلف بقاع العالم من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية.
وقالت الصحيفة فى تحليل للكاتبين أويجين رومر وآندرو وايس، إنه خلال السنوات الآخيرة اتضح للجميع سوء تقدير الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لحجم التأثير الروسي عالمياً، حين وصف التمدد الروسي بأنه"قوة إقليمية" لا يتعدى تأثيرها المناطق المجاورة لها.
وأوضحت الصحيفة أن " المشهد اليوم مختلف تمامًا.. فها هو سحر بوتين ينتشر في مختلف أنحاء العالم وآثار وبصمات الكرملين نكتشفها في أماكن مختلفة من العالم حتى النائية منها وتتعدى منطقة الشرق الأوسط لتصل أوروبا وأجزاء من أفريقيا وحتى أمريكا اللاتينية".
وقالت إن الروس وجدوا فى انقسامات المعسكر الغربي ثغرات لا تحصى ومساحة كافية للانتشار السياسي على حساب واشنطن والأسس التي بني عليها النظام العالمي الجديد الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية بزعامة أمريكا، مستخدمين فى هذا المشروع أدوات مختلفة مثل زعزعة الأنظمة الديمقراطية والصرعات العرقية والنعرات الدينية، لتأسيس بؤر استيطانية لمخابراتها وقواتها العسكرية بتأنٍّ وصبر، في أماكن فشلت أمريكا والغرب عمومًا في الوصول إليها أو ربما تأخروا بعض الشيء.
وأضاف كاتبا التحليل أن لبوتين الحق في الافتخار بنجاحاته التي حققها في السنوات الأخيرة، فلو ثبت تورط الروس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي فاز بها الرئيس دونالد ترامب فسيكون الكرملين الروسي أحدث أكبر أزمة سياسية منذ فضيحة "وترغيت " التى وقعت خلال عام 1968 وتعد أكبر فضيحة في تاريخ أمريكا، حيث كان هذا العام سيئًا على الرئيس ريتشارد نيكسون، الذى فاز بصعوبة شديدة على منافسه الديمقراطي همفري.
ويشمل الانتشار الروسي ليس في دول فحسب بل أقاليم بأكملها، فالتدخل الروسي في سوريا على سبيل المثال ونزول القوات الروسية بمعداتها الجوية والبحرية والبرية لفك شيفرة الحرب الأهلية الدائرة فيها وإخراج الرئيس السوري بشار الأسد من ورطته، أسفر عن عدد من المكاسب والصفقات السياسية والاقتصادية للروس في منطقة الشرق الأوسط، وتخطت ذلك لتشمل عمليات استخبارية ودبلوماسية تخدم أجندة موسكو.
تركيا وجنوب أفريقيا:
وإلى الشمال قليلًا نجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي قلب نظام دولته وابتعد تدريجيًا عن الناتو فاتحًا أبوابها لبوتين بصفقة بلغت 2.5 مليار مقابل منظومة الدفاع الجوي "أس 400"، أما فى أوروبا فهزيمة ماري لوبان التى كانت مرشحة للانتخابات الفرنسية والتى تعد حليفة للروس، دقت ناقوس الخطر في أذهان المعسكر الغربي، فلا أحد يجرؤ اليوم على تجاهل التدخل الروسي في السياسة الداخلية للدول الغربية.
أما في أفريقيا فليس من الصعب ملاحظة النشاط الروسي فى ليبيا ومصر، كما وصل الطموح الروسي في أفريقيا إلى أقصى جنوبها وخصوصاً فى دولة جنوب أفريقيا.
وأوضحت الصحيفة أن هناك "تورطا روسيا في فضائح جاكوب زوما، رئيس جنوب أفريقيا، الذى اتهم في قضايا فساد بلغت 76 مليار دولار ، حيث أثبتت التحقيقات اسم الرئيس بوتين كطرف في الصفقات المشبوهة لبناء 8 مفاعلات نووية لشركة حكومية روسية، تلك الصفقة التي وصفها القضاء في جنوب أفريقيا بأنها مخالفة لقوانين البلاد ودستورها.
ولفتت إلى أن زوما تلقى تدريباته العسكرية في الاتحاد السوفييتي قبل الانهيار.
ولفت التحليل إلى أن نشاط الاستخبارات الروسية في البلقان شكل صداعا للغرب وخصوصا في دولة "مونتينيغرو" الصغيرة ، أحدث حلفاء الناتو، حيث تشير التحقيقات في محاولة الانقلاب الفاشلة إلى الدور الروسي في تمويل وتجهيز العملية، وعلى الرغم من فشلها إلا أنها توضح مدى الاهتمام الروسي في التوسع في البلقان.
وإلى ماوراء المحيطات يمتد الطموح الروسي إلى الحليف الماركسي إبان الحرب الباردة دانييل أورتيغا، في نيكاراغوا، الذي فرش السجاد الأحمر ترحيبًا ببناء مرافق روسية "غامضة" في العاصمة "ماناغوا"، تلاها إعلان من مسؤول روسي رفيع المستوى عن مشروع روسي لإعادة الوجود العسكري والاستخباراتي الروسي في كوبا.
لماذا على أمريكا الشعور بالقلق من خطط بوتين؟
يجيب كاتبا التحليل بأنه" في البداية من المفهوم ضمنًا أن بوتين لا يحلم بالسيطرة على أوروبا، ولن يجد سبيلًا إلى السيطرة على الشرق الأوسط الشهير بعنفه، أو حتى إعادة البلقان إلى فلكه، كما أن آثار قدميه التي عثر عليها في أمريكا الجنوبية لن تشكل تحديا مباشرا لواشنطن، ولكن هنالك سببًا واحدًا فقط يدعو للقلق وهو أن روسيا بتوسعها هذا يمكنها اجتياح النظام العالمي باقتصاده المفتوح ومساءلته الديمقراطية وترسيخ مبدأ سيادة القانون والترتيبات والقواعد الأمنية العالمية التي عملت الولايات المتحدة على إقامتها في العالم منذ أجيال".
وأوضحا أن "الخيط الذي يربط الشرق الأوسط بتركيا وبالبلقان ثم أوروبا ليمتد إلى أمريكا الجنوبية وأفريقيا ما هو إلا لسحب أكبر عدد ممكن من الدول من الفلك الأمريكي إلى الروسي".
وأكدت الصحيفة أن بوتين يسعى لما وصفته بـ" إعادة كتابة قواعد السياسة في العالم لصالحه"، وبتعبير آخر لسحب البساط من تحت أقدام القادة الأمريكيين.